سجل الاقتصاد الإيراني خلال ربيع هذا العام (من 20 مارس/ آذار إلى 20 يونيو/ حزيران) نموا سلبيا بنسبة 3.5% مع احتساب عوائد النفط و1.7% من دون احتساب هذه العوائد التي تراجعت إلى مستويات قياسية، بعدما فرضت واشنطن حظرا شاملا على الصادرات النفطية اعتبارا من 2 مايو/ أيار 2019، في الذكرى الأولى من انسحابها من الاتفاق النووي.
وبحسب تقرير لمركز الإحصاء الإيراني، نشره موقعه الإلكتروني، اليوم الثلاثاء، فإن الناتج المحلي الإجمالي في إيران خلال أشهر الربيع الثلاثة تراجع إلى 1656 تريليون ريال مع احتساب عوائد صادرات النفط و1445 من دون احتساب هذه العوائد، بينما كانت هذه الأرقام على الترتيب خلال الفترة نفسها من العام الماضي 1716 و1471 تريليون ريال، ما يعني تسجيل الاقتصاد الإيراني نموا سلبيا بنسبة 3.5 % و1.7 % مع احتساب عوائد صادرات النفط ومن دونه.
وأورد تقرير مركز الإحصاء الإيراني أن قطاع الزراعة سجل نموا إيجابيا بنسبة 0.1%، لكن قطاعي الصناعات والمناجم والخدمات سجلا نموا سالبا بنسبة 4.4-% و3.5- %.
يأتي تسجيل الاقتصاد الإيراني هذا النمو السالب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الإيراني الحالي (الذي بدأ من 20 مارس) بينما ودعت إيران عامها الاقتصادي الماضي بنمو سلبي وصل إلى 7.2- %، بعد تراجع كبير في صادراتها النفطية التي كشفت بيانات شركة "كبلر" التي ترصد التدفقات النفطية، في يوليو/ تموز الماضي، أنها قد بلغت في المتوسط 70 ألف برميل يومياً في إبريل/ نيسان انخفاضاً من 287 ألفاً في مارس/ آذار، بما يعني أن حجم الصادرات تراجع بنسبة 76% دفعة واحدة.
نزيف الريال والبورصة
وعلى صعيد اقتصادي آخر، واصل الريال الإيراني نزيفه، خلال معاملات اليوم الثلاثاء، لتتراجع قيمته في السوق الحر للعملات الأجنبية إلى 24.250 ألف مقابل الدولار الأميركي، و29.075 ألف مقابل اليورو.
ويظهر ارتفاع العملات الأجنبة مجددا مقابل الريال، خلال الأيام الأخيرة، إخفاق الخطط الأمنية والمالية التي اتبعتها الحكومة الإيرانية للحد من نزيف الريال في تحقيق الأهداف. وبموجب هذه الخطط، قامت الشرطة الإيرانية باعتقال المضاربين غير المرخصين وإغلاق محال الصرافة التي قالت إنها ارتكبت أعمالاً غير قانونية، فضلا عن ضخ البنك المركزي الإيراني كميات من العملات الأجنبية في الأسواق، بالإضافة إلى تحديد مهلة للمصدرين لإعادة عوائد الصادرات المقدرة نحو 27 مليار دولار إلى سوق "نيما" للعملات الصعبة. غير أن تقارير إعلامية تتهم الحكومة بالتلاعب بأسعار العملات لتعويض عجز الموازنة المقدر نحو 200 ألف تريليون ريال، أي ثلث الموازنة، لكن الطاقم الاقتصادي للحكومة نفى في مناسبات عدة صحة ذلك.
تعويض عجز الموازنة
وتسعى الحكومة الإيرانية إلى تعويض هذا العجز من خلال بيع أسهم شركات حكومية كبرى في البورصة الإيرانية التي تعيش أوضاعا صعبة هذه الأيام بعد سقوط مؤشراتها من المليونين و100 ألف نقطة إلى أقل من المليون و700 نقطة خلال الأسابيع الأخيرة، إذ تراجعت هذه المؤشرات خلال معاملات اليوم إلى المليون و684 ألف نقطة. وفيما يعتبر البعض أن هذا الوضع نابع عن تصحيح الأسعار، إلا أن آخرين، وخاصة قنوات المعارضة الإيرانية، تتحدث عن دخول البورصة الإيرانية مسار السقوط. لكن يستبعد أن تسمح الحكومة الإيرانية بذلك على خلفية حاجتها الماسة للبورصة كمصدر أساسي لتعويض عجز الموازنة من خلال بيع أسهم حكومية أو توفير موارد مالية لشركات كبرى.
إلى ذلك، وخلال الفترة الأخيرة، بعدما وعد الرئيس الإيراني حسن روحاني المواطنين بـ"انفراجة اقتصادية"، تبين أن الخطة الحكومية لتحقيق هذه الانفراجة ترتكز على بيع مسبق للنفط في بورصة الطاقة، بمقدار 200 مليون برميل، في عقود آجلة مع آجال استحقاقها من سنتين إلى ثلاث سنوات، في محاولة لتعويض عجز الموازنة، إلا أن معارضة السلطتين التشريعية والقضائية، وتحديدا البرلمان، أوقفت تنفيذ هذا المشروع، إذ هاجمه مشرّعون إيرانيون، معتبرين أنه جاء لتحقيق انفراجة للحكومة وليس للمواطنين.
واتهم معارضو المشروع روحاني بالسعي إلى تحميل الحكومة القادمة أعباء مالية من خلال تنفيذ هذا المشروع، في خلال الشهور المتبقية من ولايته التي ستنتهي في مايو/ أیار 2021، لکن رد عليهم الرئيس الإيراني، متهما إياهم بأنهم بصدد "إحباط الشارع، حيث يروجون للناس أن الحكومة لديها خطة يمكن أن تخلق مشاكل للحكومة القادمة"، معتبرا أن هذا الحديث "كذب وعار عن الصحة تماما".
واليوم الثلاثاء، أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أن الرئيس الإيراني سيكشف عن "خريطة طريق اقتصادية" للفترة المتبقية من ولايته، قائلا إنه سيطرحها على الشعب. وعن مضمون الخريطة، أضاف ربيعي أنها "تشمل برامج ومشاريع مهمة ومؤثرة على معيشة المواطنين".
ويأتي تردي الوضع الاقتصادي في إيران وخطط الحكومة للحد منه، فيما تسعى الإدارة الأميركية في مجلس الأمن الدولي إلى إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، إذ قدمت في هذا الصدد طلبا أواخر الشهر الماضي إلى المجلس لتفعيل آلية "فض النزاع" المنصوص عليها في الاتفاق النووي، ما من شأنه أن يعيد فرض جميع العقوبات الأممية، الأمر الذي سيكثف الضغط على الاقتصاد الإيراني، بعدما عانى كثيرا خلال العامين الأخيرين من آثار العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران منذ انسحابها من الاتفاق النووي يوم 8 مايو/ أيار 2018، طاولت جميع مفاصل الاقتصاد الإيراني، وخاصة مصادر إيراداتها بالعملة الصعبة، مما أدى إلى شح مواردها وأزمة اقتصادية، فاقمتها تداعيات تفشي كورونا الاقتصادية في البلاد منذ 19 فبراير/ شباط الماضي، حيث بحسب الأرقام الرسمية فإن 4 ملايين إيراني فقدوا أعمالهم بعد تفشي كورونا. كما أنه بحسب الحكومة الإيرانية فإن الفيروس أثر بشكل مباشر على 3 ملايين و300 ألف شخص من أصحاب المشاغل في البلاد وتسبب بإغلاق أكثر من 1.5 مليون معمل إنتاجي حكومي أو غير حكومي.
ويأتي هذا الوضع استمرارا لتراجع حاد في المؤشرات الاقتصادية في إيران، خلال العقد الأخير، بفعل العقوبات الأميركية وسياسات اقتصادية خاطئة، إذ أورد مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، في تقرير اقتصادي، نشره خلال يونيو/ حزيران الماضي أن الناتج القومي للفرد في البلاد تراجع بنسبة 34 في المائة من العام من 2011 إلى 2019. كما أن المواطن الإيراني خلال هذه الفترة خسر ثلث قوته الشرائية. وأضاف المركز أن الاقتصاد الإيراني بحاجة إلى نمو بنسبة 6% سنويا لمدة 6 أعوام لإعادة الناتح القومي للفرد إلى مستواه في عام 2011.
إلى ذلك، أدى التراجع المستمر لقيمة الريال الإيراني إلى مستويات قياسية، خلال العامين الأخيرين، إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل هائل، فعلى سبيل المثال، سجلت العقارات خلال هذه الفترة ارتفاعا في الأسعار بنسبة تفوق 300%، إذ وصل متوسط أسعار المتر الواحد للشقق السكنة في العاصمة الإيرانية طهران إلى 230 مليون ريال، خلال هذا الشهر، وفقا لتقرير البنك المركزي الإيراني، نشره أمس الإثنين. ويظهر ذلك ارتفاعا بنسبة 10.5% مقارنة بالشهر السابق و77.4 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.