بموازاة ذلك، يشهد الأسبوع الحالي حراكاً دبلوماسياً يسبق اجتماعاً خليجياً ـ أميركياً ـ بريطانياً في السعودية، لمناقشة الوضع في البلاد، إذ بحث الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي خلال لقائه ولد الشيخ أحمد، في الرياض، جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تحقيق السلام رغم الصعوبات والتحديات بسبب عمليات الانقلابيين العسكرية والسياسية. وجدّد الرئيس اليمني حرصه وحكومته على السلام في اليمن المرتكز على الأسس والمرجعيات المتمثلة بمبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015، وكذلك القرارات الدولية الأخرى ذات الصلة بالوضع في اليمن.
وتتزامن هذه الخطوات مع مواصلة الانقلابيين إجراءاتهم الانفرادية بإعلان أنهم يحضرون لإقرار تشكيلة حكومية، فيما ترد الشرعية بتصعيد العمليات العسكرية المدعومة من التحالف العربي وقطع آخر صلاتها بالبنك المركزي اليمني الذي يسيطر عليه الانقلابيون.
وأعلن وفد تحالف الانقلاب للمشاورات اليمنية، أمس السبت، على لسان عضو الوفد ياسر العواضي، خلال تغريدة له عبر موقع تويتر، اعتذاره عن عدم لقاء المبعوث الأممي، في مسقط، مشترطاً أن يكون اللقاء في صنعاء. وكتب العواضي، "وجّهنا رسالة لولد الشيخ أننا نعتذر عن لقائه إلا في صنعاء، بعد التشاور مع المجلس السياسي الأعلى (المشكّل بالمناصفة من الحوثيين وصالح لإدارة شؤون البلاد). وأوضح العواضي أن "الاعتذار يأتي بناء على توجيهات من المجلس السياسي الأعلى".
وكان من المفترض، وفق مصدر في جماعة "أنصار الله" (الحوثيون)، تحدث لوكالة "الأناضول"، أن يلتقي المبعوث الأممي وفد تحالف الانقلاب في مسقط للتحضير للجولة المرتقبة من مشاورات السلام التي من المقرر أن تنطلق بعد شهر من استئنافها بالكويت، في 6 أغسطس/آب الحالي، في دولة لم تُحدد بعد. ويأتي اعتذار الانقلابيين في وقت أغلق فيه التحالف العربي مطار صنعاء الدولي أمام الطائرات، باستثناء تلك التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لإيصال المساعدات للشعب اليمني.
وفي العاصمة صنعاء، حشد أنصار الانقلابيين لتظاهرة كبيرة في ميدان السبعين، دعماً لتشكيل "المجلس السياسي" الذي أسندوا إليه "إدارة البلاد"، واعتبروه مؤسسة الحكم "الشرعية" الوحيدة، مديرين ظهرهم لمطالبات الاعتراف بـ"الحكومة الشرعية"، ومقتضيات قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي تعتبر الحكومة الالتزام به شرطاً للسلام. ويمثل "المجلس" وفقاً لمعارضيه، نسفاً للجهود السياسية الدولية وما حققته من أرضية تفاهم مبدئية عبر جولات مشاورات ولقاءات في العديد من العواصم الإقليمية والدولية، على مدى ما يزيد عن 500 يوم.
وأعلن رئيس المجلس السياسي، صالح الصماد، في كلمة له خلال التظاهرة، أنهم سيشرعون الأيام المقبلة بإعلان حكومة "توحد كل الجهود" وتعمل للوصول إلى إجراء انتخابات عامة، في تطور قد يزيد الأزمة تعقيداً، إذ إن تشكيل حكومة انقلابية في ظل رفض المجتمع الدولي للإجراءات الانقلابية، بنظر المنتقدين، يزيد العقبات أمام الجهود السياسية ولا يحل الأزمة الاقتصادية التي وصلت حداً غير مسبوق بعد نضوب احتياطي المصرف المركزي اليمني.
وهاجم الصماد، المبعوث الأممي قائلاً إنّه بدا "عاجزاً" عن أن يستصدر تصريحاً لطائرة وفد الجماعة وحلفائها والذي كان التحالف قد منعه من العودة إلى صنعاء عقب اختتام مشاورات الكويت. وأضاف أن "مَن عجز عن انتزاع تصريح للطائرة لكي تعود بالوفد الوطني، فهو عاجز عن انتزاع حقوق الشعب اليمني وعن انتزاع السلام".
وفي ظلّ هذا الصخب السياسي، أصدرت مجموعة سفراء الدول الـ18 المعتمدين لدى اليمن، بياناً عبرت عن قلقها من أعمال "عناصر" من الحوثيين وحزب المؤتمر، اعتبرتها "أحادية وغير دستورية". وقالت إنها تجعل من "البحث عن حل سلمي أكثر صعوبة، ولا تفيد سوى في المزيد من الانقسامات في اليمن، ولن تعالج مشاكله السياسية والاقتصادية والأمنية التي تسبب هذه المعاناة المنتشرة في أرجاء البلاد".
وجاء موقف مجموعة سفراء الدول الـ 18 التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي ودولاً أخرى، بعد يومين من لقائهم بالرئيس عبدربه منصور هادي في الرياض. ويمثل الموقف دعماً سياسياً للشرعية عقب الإجراءات الأحادية للانقلابيين، ويأتي اللقاء ضمن جهود تسعى لاستئناف المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة. وتكشف مصادر سياسية يمنية لـ"العربي الجديد" عن لقاءات وتحركات دبلوماسية ستشهدها العاصمة السعودية وعواصم معنية، في هذا الإطار.
ومن المقرر أن يلتقي وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره البريطاني بوريس جونسون، في مدينة جدة، للتباحث "حول الوضع في اليمن، وسبل تحقيق السلام والاستقرار"، وفقاً لما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية، أول من أمس الجمعة. ويتوقع مراقبون أن يكون الاجتماع المقبل في جدة، محطة محورية، تدعم استئناف المسار السياسي من عدمه، عقب تعثر مشاورات الكويت التي انعقدت لما يزيد على ثلاثة أشهر، وما تلا ذلك من تطورات اتجه فيها الانقلابيون إلى خطوات أحادية بدأت بالاتفاق على تشكيل "المجلس السياسي" لإدارة البلاد، ومن ثم دعوة البرلمان للانعقاد لمنح المجلس الثقة. خطوات لاقت رفضاً دولياً وإقليمياً غير أنها لم تثن الحوثيين وحلفاءهم عن المضي قدماً.
ومع هذه التطورات الأخيرة يقفز اليمن إلى طور جديد من الأزمة، إذ يبرز الحسم العسكري كأحد أهم السيناريوهات المتوقعة للمرحلة المقبلة، وهو خيار تلوّح به وتدعمه الحكومة الشرعية مع التقدم الذي حققته شرق صنعاء. وبين خطوات الانقلابيين وتحركات الشرعية العسكرية، تتصاعد المخاوف من الانهيار الاقتصادي الشامل، إذ أعلنت الحكومة، يوم الجمعة الماضي، قطع صلاتها بالمصرف المركزي اليمني الواقع تحت نفوذ الانقلابيين، ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار أزمة الاقتصاد إلى الانهيار الشامل بعد انهياره جزئياً.