الجنيه السوداني ذهب السودان (ياسويشي شيبا/Getty)
12 سبتمبر 2020
+ الخط -

الخرطوم - عاصم إسماعيل وهالة حمزة

انفلت سعر الدولار في السوق السوداء بالسودان ليتخطى حاجز 260 جنيها لأول مرة في تاريخه في حين يبلغ سعره الرسمي 55 جنيها، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إعلان الحرب على المضاربين والتحرك من أجل الحد من تدهور العملة المحلية.
وتتزامن أزمة تهاوي الجنيه السوداني مع فيضان غير مسبوق لنهر النيل تسبب في خسائر باهظة بمختلف القطاعات وأدى إلى تشريد عشرات الآلاف من السكان.

ونتج عن تهاوي سعر الجنيه قفزة في التضخم في السودان ليصبح هو الثاني في العالم بعد فنزويلا، حيث ارتفع المعدل الرئيسي إلى 143.78 بالمئة في يوليو/ تموز من 136.36 بالمئة في يونيو/ حزيران، حسب بيانات رسمية.
وأعلنت الحكومة السودانية، أول من أمس، تفعيل حالة الطوارئ الاقتصادية وتشكيل قوات خاصة لحماية الاقتصاد من التخريب، متهمة جهات لم تسمها، بشن حرب سياسية تستخدم الاقتصاد لإفشال الثورة والتحول الديمقراطي في البلاد.
وقال وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، في مؤتمر صحافي، إن الأيام الماضية شهدت تصاعداً كبيراً في أسعار العملات الأجنبية والذهب بسبب المضاربات التي تقوم بها جهات وشخصيات تضررت مصالحها المالية بعد نجاح الثورة، منبهاً إلى أن الأجهزة الأمنية رصدت عمليات تخريب متعمد للاقتصاد.

انفلات سعر الدولار أربك المشهد الاقتصادي حيث سارعت كبرى شركات التجارة للإعلان عن البيع بـ"الكاش" وإيقاف البيع "الآجل". وتوقفت كثير من شركات توزيع المواد الغذائية والمشروبات عن نشاطها خوفا من تكبد خسائر فادحة.
خبراء اقتصاد وتجار أرجعوا تهاوي قيمة العملة المحلية  إلى المضاربات التي يقودها تجار الذهب، بالإضافة إلى وجود نحو 95 في المائة من النقد المتداول خارج مظلة القطاع المصرفي، وانخفاض صادرات السودان بصورة كبيرة مع وجود مشاكل تلازم رجوع حصيلة الصادر.
عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير، محمد شيخون، يرى أن وجود أكثر من 95 في المئة من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي خلق مشكلات كبيرة في سوق الصرف.
وقال شيخون لـ"العربي الجديد" إن الحل يكمن في اتخاذ قرار سريع بإنقاذ العملة الوطنية، من أجل السيطرة على الأموال الضخمة التي تستخدم في المضاربات اليومية، مقدرا إياها بأكثر من 5 تريليونات جنيه سوداني.
وحذر شيخون من استمرار المضاربات وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الكلي الذي أصبح على حافة الانهيار. وأشار إلى ضرورة دخول الدولة كمشتر للذهب، واتخاذ إجراءات عاجلة تضمن الاستفادة من تحويلات ما يقارب 9 ملايين مغترب، والتي يبتلعها حاليا السوق الموازي ولا تستفيد منها الدولة بالشكل المطلوب.

مستوردون دافعوا عن أنفسهم ونفوا تسببهم في رفع سعر الدولار، إذ أكد الأمين العام لغرفة المستوردين، الصادق جلال، لـ"العربي الجديد" توقف المستوردين منذ فترة عن الاستيراد، مشيرا إلى أن "مضاربات التجار وتجار الذهب وشركات الاتصالات" هي السبب الرئيسي في ارتفاع الدولار.
واعتبر الأمين العام لغرفة المستوردين، التمويل المصرفي بصورته الراهنة هو قاطرة المضاربات، بالإضافة إلى زيادة عرض النقود بسبب طباعة النظام القديم لأوراق نقدية دون أن يكون لديها غطاء. أشار إلى قوة تاثير سماسرة الدولار في أسواق العملات، ووصفهم بأنهم أقوى من الحكومة.
ومن جانبه، حذر الخبير المصرفي، شوقي عزمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من تحريك سعر الصرف في الموازنة المالية المعدلة. وقطع بأنه قد يؤدي لرفع سعر الدولار بالسوق السوداء إلى ألف جنيه لعدم وجود احتياطي من النقد الأجنبي وتوقف الحركة التجارية بشكل شبه كامل. وقال إن التراجع المستمر لسعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية يشكل انهيارا اقتصاديا.
وتسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية في مضاعفة معاناة المواطنين من ارتفاع متتال في أسعار السلع الأساسية وغلاء الإيجارات والنقل وتدهور معظم الخدمات المعيشية.
وكان رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، قد اتهم في تصريحات سابقة، جهات لم يسمها بتخريب الاقتصاد. وقال إن "هنالك جهات تشتري الذهب بأكثر من 10 في المائة من سعره الأساسي، وهذا عمل تخريبي منظم، وأدى الانخفاض المستمر لسعر الجنيه السوداني إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية والضرورية مما ضاعف من معاناة المواطنين".
وكانت قوات من الشرطة الأمنية السودانية، قد دهمت مجمع الذهب في الخرطوم في 27 أغسطس/ آب الماضي وأغلقت كل محال عرض المجوهرات ومنعت التجار من الخروج أو الدخول مع تفتيش جميع محال ومكاتب الصاغة.
وأسفرت الحملة المفاجئة وفقاً لتصريحات الشرطة عن ضبط كمية من العملات الحرة والمحلية بحوزة التجار وتحريزها وترقيمها، ومنع التعامل بها إلا بإذن النيابة لتسببها في ارتفاع غير مسبوق في سعر الذهب والعملة في آن واحد، مما جعل الحكومة تضع عينها على هذا السوق رغم نفي الصاغة والمصدرين صلتهم بما يحدث من انفلات في الدولار والاتجار به.
وقالت وزيرة المالية السودانية، هبة محمد علي، في مؤتمر صحافي أول من أمس، إن تقارير أمنية توضح أن التراجع الحاد للجنيه سببه تخريب ممنهج. وأضافت أن ما يحدث من ارتفاع في سعر الدولار لم يكن بسبب تغييرات هيكلية في الاقتصاد وإنما هو عملية تخريب ممنهح للاقتصاد السوداني. ونبهت إلى أن الحكومة أيقنت ضرورة تفعيل حالة الطوارئ الاقتصادية وتكوين قوات مشتركة من الجيش والشرطة والمخابرات والدعم السريع لحماية الاقتصاد السوداني، ومطاردة المضاربين ومهربي السلع الاستراتيجية.
وحسب تجار عملة فإن الدولار مؤهل لمزيد من الارتفاع، وأعربوا عن أملهم في أن تؤدي التحركات الحكومية إلى إنقاذ العملة المحلية.
وقال متعامل في السوق الموازية ، فضّل حجب اسمه"، لـ"العربي الجديد" إن حالة من عدم اليقين بدأت تنتاب المتعاملين في الدولار" إلا أنه عاد ليؤكد أن ثبات أو تراجع الأسعار مرهون بتوفره في السوق الموازية.
وحسب متعامل آخر، تتكون تجارة سوق العملة السوداء من خليط واسع من كبار التجار وآلاف من صغار العاملين بجانب بضع مئات يعملون خارج السودان ويقومون بإجراء تحويلات غير قانونية.
ويعاني السودان من خلل وعجز في الميزان التجاري، فواردات الدولة أكثر من صادراتها ما يشكل ضغطا متواصلا على سعر صرف الجنيه ويؤدي لانخفاض مستمر لقيمته أمام الدولار.

المساهمون