انفتاح العلاقات الصينية الأفغانية تُرجم في "الإيغور" و"طالبان"

09 مارس 2015
تطورت العلاقات الصينية الأفغانية بشكل لافت أخيراً (getty)
+ الخط -
في تطور لافت في العلاقات الأفغانية الصينية، سلّمت السلطات الأفغانية أخيراً خمسة عشر من مسلّحي الإيغور إلى السلطات الصينية، كانوا قد اعتقلوا خلال الأسابيع الأخيرة، في مناطق مختلفة في شرق أفغانستان، بحسب مصادر أفغانية.


وأدّت هذه الخطوة المهمة إلى تغيير استراتيجية الصين حيال أفغانستان، إضافة إلى تطور العلاقات بين كابول وبكين بشكل ملحوظ ولافت، إذ بدأت الأخيرة بممارسة ضغط متزايد على إسلام آباد للقضاء على الجماعات المسلّحة التي تشكّل خطراً على أمن المنطقة عموماً، وعلى أمن الصين الداخلي على وجه الخصوص.
كما أبدت السلطات الصينية استعدادها للقيام بالوساطة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، ما قد يؤدي إلى حلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية، التي تضع بدورها حدّاً لجميع الجماعات المسلّحة، التي تشكّل تهديداً لاستقرار المنطقة، من بينها حركة تركستان الشرقية، الساعية لزعزعة استقرار الصين، كما تدّعي الأجهزة الأمنية الصينية.

وسلّمت كابول المسلحين الإيغور إلى السلطات الصينية، وفق اتفاق أبرم بين الدولتين خلال زيارة الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني إلى بكين في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، والتي أدت بدورها إلى تحسن ملحوظ في العلاقات بين كابول وبكين على مختلف الصعد، لا سيما في المجال الأمني.

ورغم أن مصادر أفغانية تلمّح إلى أن المسلّحين الإيغور اعتقلوا في الآونة الأخيرة أثناء المعارك بين قوات الأمن الأفغانية والمسلّحين، في إقليمي نورستان وكنر شرقي البلاد، وفي ضواحي العاصمة الأفغانية كابول، بيد أن مصادر مستقلة أفادت لـ "العربي الجديد" بأن المسلّحين الذين تم تسليمهم إلى بكين كانوا قد اعتقلوا خلال فترات مختلفة أثناء حكم الرئيس الأفغاني حامد قرضاي.

ولكن الحكومة الأفغانية لم تقدم على تسليمهم إلى السلطات الصينية، إذ إن الأخيرة لم تكن تأخذ بعين الاعتبار موقف كابول إزاء التطورات الأمنية التي تشهدها المنطقة، خصوصاً ما كانت تدّعيه من أنّ باكستان تقوم بتدريب المسلّحين الذين يهددون أمن المنطقة برمتها، بما فيهم المسلّحون الإيغور، الذين يقاتلون ضدّ الحكومة الصينية تحت راية حركة تركستان الشرقية.
وقد أدّت هذه الهجمات التي نفذتها الحركة في مختلف مناطق الصين إلى مقتل مئات الصينيين خلال الأعوام الماضية.

وسبق عملية تسليم المسلّحين الإيغور إعداد الاستخبارات الأفغانية ملفات كاملة عن أولئك المسلّحين، وعن حركة تركستان الشرقية. وقدّم رئيس الاستخبارات الأفغانية الجنرال رحمت الله نبيل، تلك الملفات إلى السلطات الصينية أثناء زيارته إلى بكين، التي أتت قبل زيارة الرئيس الأفغاني الأخيرة؛ الأمر الذي رحبت به بكين، وفق ما يدعيه نبيل، مؤكداً أنّ العلاقات الصينية الأفغانية ستدخل في مرحلة جديدة، لأن الصين الآن مستعدة كي تسمع موقف أفغانستان، بعدما أدركت أهمية هذه البلاد في مستقبل المنطقة بأسرها، وأنّ الوضع الأمني المأساوي في أفغانستان لا محالة سيلقي بظلاله على أمن دول المنطقة جميعا، بما فيها الصين.

وفي أعقاب زيارتي رئيس الاستخبارات والرئيس الأفغانيين إلى بكين، غيرت الأخيرة مواقفها سريعاً حيال أفغانستان، وتبع ذلك تغيير مواقف بعض دول المنطقة لا سيما باكستان. وأعلنت الحكومة الصينية دعماً مالياً لأفغانستان قدره 330 مليون دولار حتى عام 2017، علماً أن دعمها المالي لأفغانستان خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية لم يتجاوز 250 مليون دولار. كما تعهدت الحكومة الصينية باستثمارات ضخمة في أفغانستان في المجال التجاري والاقتصادي، إضافة إلى فتح طريق "وريشم" التي تربط الصين بشمال أفغانستان.

إلى ذلك، أعلنت الخارجية الصينية عن استعدادها للقيام بدور الوساطة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية. وهذا كان من أهم مطالب الحكومة الأفغانية. ونتيجة الجهود الصينية والباكستانية، أعلنت حركة "طالبان" عن استعدادها للتفاوض مباشرة مع الحكومة الأفغانية، فيما لمحت مصادر أفغانية إلى أن مستشار الرئيس الأفغاني للأمن القومي حنيف أتمر، قد أجرى المرحلة الأولى من المفاوضات مع قيادة "طالبان" خلال زيارته الأخيرة إلى الدوحة قبل أيام.

اقرأ أيضاً (كارتر في كابول مستبقاً مفاوضات الحكومة الأفغانية و"طالبان")

في المقابل، تعهدت كابول بدعمها القوي لبكين في التصدي لحركة تركستان الشرقية، خصوصاً في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية. وقد وفرت الحكومة الأفغانية بالفعل معلومات مهمة حول مسلّحي الإيغور في المنطقة، خصوصاً اعترافات المسلحين أثناء اعتقالهم في أفغانستان. وتزعم السلطات الصينية أنّ الهجمات التي شهدتها مناطق صينية خلال الأعوام الماضية، والتي أدّت إلى مقتل المئات من فعل مسلّحي الإيغور.


كما دفعت الضغوط الصينية والتطورات الأمنية الأخيرة، إسلام آباد إلى التخلي عن حركة "طالبان"، بحسب ما أفاد الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال المتقاعد برويز مشرف، ما أدى إلى تطور العلاقات الأفغانية الباكستانية إلى أقصى الحدود منذ ثلاثين عاماً، على حدّ تعبير وزير الداخلية الباكستاني شودري نثار.
ويرى الخبراء أن باكستان ليس أمامها خيار سوى الرضوخ لمطالب كل من الصين وأفغانستان، لأنها تعول كثيرا على شراكتها الإستراتيجية مع الصين، وهي كذلك وعدت بفتح صفحة جديدة مع الحكومة الأفغانية، بعدما غيّر الرئيس الأفغاني سياستها إزاء باكستان المجاورة، التي كان لمواقفها أثر كبير في الساحة السياسية والعسكرية الأفغانية.

وفيما يعتقد بعضهم أن تسليم كابول المعتقلين الإيغور إلى بكين محاولة للإيقاع بين باكستان والصين، إذ إن معظم أولئك المقاتلين تدربوا في المناطق القبلية الباكستانية وتحت مظلة حركة "طالبان أفغانستان"، غير أن الحكومة الأفغانية تدعي أن الخطوات الأخيرة محاولة لإقناع الصين بمساندة أفغانستان في الوضع الراهن.