تسير عملية الانهيار المعيشي والحياتي في قطاع غزة بوتيرة متسارعة، في ضوء حالة التدهور الاقتصادي غير المسبوقة نتيجة لاستمرار الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006 وانسداد الأفق السياسي في الملف الفلسطيني.
ولا تتوقف الأزمات عن الفتك بحياة أكثر من مليوني مواطن غزي يعيشون في القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، يعجز أكثر ساكنيه عن توفير فرصة عمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة وغياب التوظيف في القطاع الحكومي وشحه في القطاع الخاص.
وتعتمد شريحة واسعة من السكان تزيد عن 80 في المائة على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية والعربية العاملة في القطاع المحاصر إسرائيليًا، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط دخل الفرد اليومي دولارين أميركيين.
ومنذ إبريل/نيسان 2017 تراجع الواقع الاقتصادي في غزة بشكلٍ مختلف عن سابقه من الأعوام في أعقاب قيام السلطة الفلسطينية بتقليص فاتورة الرواتب المدفوعة، إلى جانب تحويل آلاف الموظفين للتقاعد المبكر، الأمر الذي رفع عجز السيولة النقدية المتوفرة في أيدي المواطنين.
وتظهر الإحصائيات أن ثلثي الأسر الفلسطينية في قطاع غزة، بنسبة 68 في المائة بنحو 1.3 مليون نسمة، تعاني من انعدام الأمن الغذائي بدرجة حادة أو متوسطة نتيجة للأزمات الممتدة والمتعاقبة التي يشهدها القطاع منذ 12 عاماً.
في الأثناء، يقول رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة، أمجد الشوا، لـ"العربي الجديد"، إن الواقع المعيشي في القطاع يتردى بصورةٍ غير مسبوقة نتيجة لعوامل عدة، أبرزها الاحتلال وممارساته المتمثلة في الحصار الذي يفرضه على غزة وعدوانه المتلاحق عليها.
ولا يعفي الشوا المسؤولين الفلسطينيين من نتائج ما يجري حالياً في ظل عدم وجود خطة وطنية للتعامل مع حالة التدهور الحاصلة والتي طاولت الأطفال والنساء الحوامل والأمهات المرضعات بنسب غير معهودة.
وتبلغ معدلات البطالة بين الغزيين في القطاع نسبة 52 في المائة، في حين تتجاوز 70 في المائة في أوساط الشباب، في الوقت الذي تخرج فيه الجامعات المحلية بغزة آلاف الخريجين الذين لا يجدون فرص عمل، فيما توقف آخرون عن تعليمهم نتيجة للظروف الاقتصادية.
ووفقاً لدراسة أعدتها منظمة إنقاذ الطفلة الدولية واليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي، فإن ما يزيد عن 70 في المائة من الأسر التي شملتها الدراسة في غزة تقوم بتقليل عدد وجبات الطعام من أجل التكيف مع نقص الطعام أو نقص الموارد.
وبحسب الدارسة الصادرة حديثًا، فإنه قد تم رصد تدهور كبير في وضع التغذية الخاص بالنساء الحوامل والمرضعات، إذ وجد أن حوالي 18 في المائة من النساء الحوامل و14 في المائة من الأمهات المرضعات يعانين من سوء التغذية.
ويشير رئيس شبكة المنظمات الأهلية إلى أن هناك تراجعًا في تمويل دعم الاحتياجات الإنسانية في فلسطين، لا سيما الغذاء، حيث تم تمويل 15 في المائة فقط من احتياجات قطاع الأمن الغذائي ضمن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019 في فلسطين.
ويرى الشوا أن المطلوب حالياً هو رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والسماح بتنفيذ المشاريع التي من شأنها توفير الغذاء للسكان في ظل قيام عدد كبير من الأسر بتقليص وجباتها اليومية نتيجة للأوضاع الاقتصادية الحالية.
وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن مستوى خط الفقر الفلسطيني لأسرة مكونة من 5 أفراد قوامها 3 أطفال بالإضافة إلى الأب والأم فإن دخلها يجب أن يكون 2400 شيقل إسرائيلي، في الوقت الذي تعتبر الأسر الذي يقل دخلها عن هذا المبلغ فقيرة. (الدولار = 3.59 شيقلات إسرائيلية).
بدوره، يؤكد مدير العلاقات العامة في غرفة غزة التجارية ماهر الطباع لـ"العربي الجديد"، على أن المشهد في القطاع يسير نحو الأسوأ في ظل حالة انسداد الأفق وغياب أية حلول من شأنها أن تغير طبيعة الواقع السائد حاليًا.
ويربط الطباع بين الأوضاع الاقتصادية المتهالكة التي يعاني منها آلاف الغزيين وارتفاع معدلات الأمن الغذائي ولجوء الأسر إلى تقليص وجبات طعامها اليومية، من أجل التكيف مع الواقع الراهن، لا سيما في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة لمستويات غير مسبوقة.
ويشير المسؤول في الغرفة التجارية بغزة إلى أن وجود 300 ألف عاطل من العمل، ونسبة بطالة تتجاوز 52 في المائة، ومعدلات كبيرة من الخريجين العاطلين من العمل، تعتبر من مسببات زيادة معدلات انعدام الأمن الغذائي في صفوف الأسر الغزية.
كافة الأرقام والإحصائيات الصادرة عن مختلف المؤسسات المحلية والدولية تعكس حالة التدهور الكبيرة في الواقع المعيشي والاقتصادي للسكان في القطاع والتي ألقت بظلالها على حياة أكثر من مليوني مواطن غزي وجعلت شريحة كبيرة تعتمد على المساعدات الإغاثية، وفقاً للطباع.