انطلقت في العاصمة القطرية الدوحة، صباح اليوم السبت، مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية و"حركة طالبان". وتأتي المرحلة الثانية من مشروع السلام الأفغاني بعد أشهر من الترقّب، عقب توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان"، في 29 فبراير/شباط الماضي.
وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في انطلاق الجلسات الافتتاحية للمفاوضات: "نفخر باحتضان مفاوضات السلام الأفغانية التاريخية".
ونبّه إلى أن "التاريخ أنبأنا بأن القوة العسكرية لا يمكن أن تحسم أي صراع في أفغانستان"، مشددا على أن "السبيل الوحيد للسلام في أفغانستان هو الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، والحوار البناء من خلال طاولة المفاوضات لتحقيق تسوية سياسية شاملة".
وأكد الوزير القطري أنه "يتعين اليوم تجاوز الماضي وآلامه، والتركيز على المستقبل وآماله، مع عدم إغفال العبرة من الماضي"، داعياً إلى تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لاغتنام هذه الفرصة التاريخية لإنجاح المفاوضات وتحقيق السلام.
وتحدّث وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي يشارك في الجلسة الافتتاحية، واصفاً هذا اليوم بأنه "تاريخي"، مرحباً بالتزام "طالبان" بعدم استضافة جماعات إرهابية على الأراضي الأفغانية.
ورأى بومبيو أن لدى الشعب الأفغاني الآن فرصة لتحقيق السلام. وأشار إلى أن المفاوضات يجب أن تنتج اتفاقاً يرفض استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية. وفي حين أعلن عن دعم واشنطن لوحدة أفغانستان وسيادتها وعدم سعيها لـ"فرض نظامنا على أحد"، قال إن الولايات المتحدة ترغب في شراكة مستديمة مع أفغانستان.
بدوره، قال رئيس لجنة المصالحة الأفغانية عبدالله عبدالله إن التاريخ سيخلد هذا اليوم باعتباره نهاية آلامنا وعذاباتنا، لافتا إلى أنه "لا منتصر في الصراع الحالي، والجميع خاسرون إذا استسلموا للحرب".
وتابع: "بذلنا جهداً كبيراً لإنجاح المفاوضات، وهدفنا هو الوصول إلى سلام دائم"، مؤكداً المشاركة في هذه المفاوضات بحسن النية وروح الإخلاص لتحقيق السلام، ومشدداً على أنهم يريدون إغلاق باب الحرب وفتح أبواب السلام في أفغانستان، ويريدون للشعب الأفغاني أن يتوحد.
وزير الخارجية القطري: التاريخ أنبأنا بأن القوة العسكرية لا يمكن أن تحسم أي صراع في أفغانستان
وإذ أكد عبدالله أن السلام الدائم سيمكّن ملايين اللاجئين الأفغان من العودة إلى بلادهم، قال إن كابول تتطلع "اليوم إلى إعلان وقف إطلاق نار إنساني، بما يوفر مساعدات إنسانية وتنموية للمواطنين الأفغان"، مشدداً على أنه "لا رابح في هذه الحرب المدمرة، وأن التسوية السياسية يجب أن تستند إلى إدارة الشعب الأفغاني".
أمّا رئيس المكتب السياسي لـ"حركة طالبان"، نائب زعيم الحركة، الملا عبد الغني برادر، فعبّر عن انخراط الحركة في المفاوضات بحسن نية وإخلاص، ثم أضاف: "نريد أن نحقق السلام والاستقرار في أفغانستان في المستقبل". ولفت إلى أن المفاوضات قد تواجه بعض المشاكل، لكن يجب أن نمضي فيها لمصلحة الشعب الأفغاني، على حدّ قوله.
وتحدث وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، مرحباً بهذه المرحلة المهمة من عملية السلام، ومشيداً بالدور الريادي الذي لعبته دولة قطر في هذا الصدد.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ في كلمة له، إن الحلف يأمل في أن تبقى إرادة الأطياف الأفغانيين لحلّ المعضلة موجودة، مشدداً على أن أفغانستان لن تكون مأوى للإرهابيين.
وأكد أن المباحثات في الدوحة هي من أجل تحديد كيفية الوصول إلى حلّ للمعضلة، مع الحفاظ على ما أحزره العالم من تقدم إزاء أفغانستان.
بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن جميع الأطراف لا بد وأن تساهم في العمل لحلحلة الأزمة الأفغانية، معرباً عن أمله في أن يتيح إبرام السلام في أفغانستان الفرصة لعودة اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، وعودة النازحين داخلياً إلى منازلهم.
من جهته، أكد وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، أن الوضع في أفغانستان له تأثير كبير على المنطقة، وقد دفعت بلاده أثماناً كبيرةً بسبب الوضع في أفغانستان المجاورة، مجدداً وعد بلاده بمساندة عملية السلام في أفغانستان.
وألقى وزراء خارجية دول مختلفة حضروا الاجتماع، كالصين وباكستان والهند وإندونيسيا وتركمانستان وأوزبكستان،كلمات أعربوا فيها عن أملهم في الوصول إلى حلّ للمعضلة الأفغانية، مطالبين أطراف الحوار بالتحلي بالصبر والعمل المستمر، مشيدين بما قامت به دولة قطر من عمل دؤوب لإتاحة الفرصة للحوار المباشر بين الأطراف الأفغانية.
ويعوّل كثر على إمكانية نجاح مفاوضات السلام الأفغانية، بعد فترة عصيبة من التوترات الأمنية وتفشي فيروس كورونا، خصوصاً أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، بموجب اتفاق الدوحة، يسير قدماً، مع إعلان واشنطن خفض وجودها العسكري في كابول إلى 4 آلاف جندي (من أصل 12 إلى 13 ألف جندي)، بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ولقي إعلان انطلاق مفاوضات السلام صدى إيجابياً في الداخل والخارج، خصوصاً أن نجاحه سيؤدي إلى وقف الحرب.
وقالت وزارة الخارجية القطرية إن "هذه المفاوضات المباشرة بين مختلف أطياف الشعب الأفغاني تُعدّ خطوة جادة ومهمة نحو إحلال السلام المستدام في أفغانستان، خصوصاً بعد توقيع الولايات المتحدة الأميركية وطالبان اتفاق إحلال السلام في أفغانستان بداية هذا العام".
من جهتها، رحّبت الولايات المتحدة ببدء مفاوضات السلام الأفغانية، موفدة وزير خارجيتها مايك بومبيو إلى الدوحة للمشاركة في افتتاحه، والذي حذّر من احتمال بروز "نقاط مثيرة للخلاف" بين الجانبين.
ويسود ترقب للمسار الذي سيأخذه الحوار بين الحكومة الأفغانية و"طالبان" في الأيام المقبلة، خصوصاً في ظل الشروط المتبادلة التي وضعها طرفا المفاوضات قبل الجلوس إلى الطاولة، ورؤيتهما المتباعدة في شأن صياغة المرحلة المقبلة في أفغانستان، من دون أن يمنع ذلك الطرفين من إبداء رغبتهما الشديدة في إنجاح المفاوضات.
ووضعت الحكومة الأفغانية شرطاً أساسياً، أمس الجمعة، مع إعلانها توجه هيئة مفاوضيها إلى الدوحة، بأن "لا مساومة على النظام الديمقراطي، واحترام إرادة الشعب"، في خطوة فسّرها مراقبون بنيّة الحكومة إكمال ولايتها حتى عام 2024، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس أشرف غني. وهو ما أصرّ عليه مسؤول رفيع في مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، بقوله لـ"العربي الجديد" إن الحكومة تقبل أي نوع من التنازل، ولكنها لا تقبل المساومة على آراء الشعب والذهاب إلى أي حكومة بديلة. ومن شروط الحكومة الأساسية للمضي قدماً، قبول "طالبان" وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى من المفاوضات.
في المقابل، أصرّت الحركة على تمسّكها بإقامة نظام إسلامي وإطلاق سراح جميع سجنائها، بمن فيهم 6 سجناء وصلوا إلى الدوحة مساء الخميس، حيث سيوضعون قيد الإقامة الجبرية لفترة محددة، على الرغم من اعتراض فرنسا وأستراليا على إطلاق سراحهم.