بعد طول انتظار وتأجيل، انطلق برنامج تدريب مقاتلي المعارضة السورية "المعتدلة" من الأردن، إلا أنه لم يأت على حجم التوقعات والمطالبات، إذ إن الولايات المتحدة تسعى لحصر مهمة هذه القوات بمقاتلة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) فقط، وعدم مواجهة النظام السوري. كما أن الدفعة الأولى التي بدأ تدريبها، لم يتجاوز عدد أفرادها الـ90 عنصراً، تطلّب استكمال اختيارهم وفحصهم وقتاً طويلاً يكاد يتجاوز الوقت اللازم لتدريبهم.
محدودية المهام وعدد العناصر التي ستتلقى تدريباً، والتباطؤ في التدريب، معطيات قد تتسبب بخيبة أمل لدى المعارضة السورية التي كانت تطالب بدعم يؤدي إلى تغيير ميداني على الأرض. ومن المتوقع أن يساعد حوالي ألف جندي أميركي في عملية التدريب، كما سبق أن انتشر نحو 450 عنصراً من التحالف بقيادة أميركية لهذا الغرض.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، أمس الأول الخميس، بدء تدريب من سماهم "أبناء الشعب السوري والعشائر السورية" على مواجهة التنظيمات الإرهابية وتنظيم "داعش"، موضحاً أن عملية التدريب بدأت قبل أيام على الأراضي الأردنية.
من جهته، تراجع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر عن تصريحات أدلى بها منتصف الأسبوع الحالي أمام الكونغرس الأميركي بأن خريجي مراكز تدريب المعارضة السورية سوف يتولون قتال النظام السوري وتنظيم "داعش" على حد سواء. وأكد كارتر في تصريحات جديدة، محدودية العدد والتسليح والمهام المنوطة بعناصر المعارضة السورية، وأن التدريبات التي يتلقونها تعدّهم لقتال عناصر "داعش" فقط، كما أن قواعد الاشتباك المعدّة لهم تقضي بعدم مواجهة نظام بشار الأسد إلا دفاعاً عن النفس إذا فرض عليهم النظام المواجهة.
وأعرب كارتر عن اعتذاره إذا كان كلامه أمام الكونغرس قد أسيء فهمه أو لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية، مشيراً إلى أنه كان يتحدث في سياق محدد يتعلق بالمنطقة المراد حظر الطيران فيها لتسهيل الأعمال الإنسانية، وأن عدم احترام النظام السوري لها قد يؤدي إلى المجابهة معه. وشدد الوزير الأميركي في الوقت ذاته على أن الأولوية حالياً هي التركيز على إلحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" في سورية نظراً لما في ذلك من أهمية قصوى لإلحاق الهزيمة بالتنظيم في العراق، وحماية الأراضي الأميركية ذاتها من متطرفي التنظيم.
وأوضح كارتر خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس في البنتاغون بمشاركة رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، أن أول دفعة بدأ تدريبها من عناصر المعارضة السورية لم يتجاوز عدد أفرادها حجم سرية واحدة من 90 عنصراً، تطلّب استكمال اختيارهم وفحصهم وقتاً طويلاً يكاد يتجاوز الوقت اللازم لتدريبهم.
وفي معرض تأكيده أن برنامج تدريب عناصر المعارضة السورية لا يتضمن تكليفهم بمواجهة قوات الأسد بل مواجهة عناصر "داعش"، استدرك الوزير الأميركي بالقول: "إلا إذا عمل الأسد على جرّهم إلى معارك لم يتم توزيعهم ميدانياً من أجل خوضها مع قواته"، لافتاً إلى أن القوات الأميركية ذاتها قد تتدخل لحماية خط الحظر الجوي، كما قد تتحمل مسؤولية توفير الحماية والغطاء لقوات المعارضة السورية داخل خط حظر الطيران.
اقرأ أيضاً: واشنطن تؤكد بدء تدريب عناصر من المعارضة السورية
وعن الفترة التي يمكن أن يستغرقها التدريب، أشار وزير الدفاع الأميركي إلى أن برنامج التدريب قد بدأ وسوف يستمر وقتاً طويلاً إلى أن يتم التثبت من نجاح البرنامج. ورفض كارتر تحديد مدة تدريب كل دفعة من المتدربين بستة أشهر أو تسعة أشهر أو سنة حسب ما يتردد، قائلاً إن الفترة ستستغرق بضعة أشهر وسوف يحسم عدد هذه الأشهر على وجه التحديد القادة الميدانيون والمدربون أنفسهم.
وتطرّق الوزير الأميركي إلى طبيعة تسليح عناصر المعارضة السورية، نافياً عزم الولايات المتحدة على تزويدهم بصواريخ مضادة للطائرات، بل سيتم تزويدهم فقط بأسلحة صغيرة تتناسب مع طبيعة التدريب الذي يتلقونه.
وعلّق المراسل الصحافي في محطة "سي إن إن" جيم سيوتو على ذلك بقوله إن محدودية التسليح والمهام والتباطؤ في التدريب وقلة عدد المتدربين ربما تفسر شعوره أثناء مقابلته لرئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في وقت سابق من الأسبوع الماضي، بأن الأخير لم يبدُ عليه الارتياح عند مغادرته واشنطن من حجم الدعم الأميركي للمعارضة السورية.
وقال سيوتو إن خوجة أبدى امتعاضاً من عدم كفاية تدريب خمسة آلاف معارض على مدار السنة، مشيراً إلى أن خوجة يعتقد بأن هناك حاجة لتدريب 30 ألفاً على الأقل إذا توفرت الإرادة السياسية في الغرب لإحداث تغيير ميداني في المعركة. كما طالب خوجة بتوفير أسلحة متطورة ومضادات للطائرات، للرد على الغارات الجوية السورية. ويريد المعارضون كذلك إقامة منطقة حظر جوي واسعة مع توفير الحماية لها.
وكان رئيس الائتلاف السوري قد طالب في واشنطن بإنهاء الحظر المفروض على حصول الجيش السوري الحر على الصواريخ المضادة للطائرات، كما طالب بإقامة منطقة آمنة في سورية محظور الطيران فيها، وأعلن لاحقاً أنه حصل على تجاوب في ما يتعلق بالمطلب الثاني فقط.
وتردد أيضاً أثناء وجود خوجة في واشنطن أنه طالب باستخدام الطائرات من دون طيار (درونز) لتصفية قادة النظام السوري، لكن مسؤولين أميركيين أكدوا لـ"العربي الجديد" عدم سماعهم بمثل هذا الطلب من خوجة أو من أي معارض سوري حتى الآن. وفي تعليق غير مباشر على ذلك قال وزير الدفاع الأميركي خلال المؤتمر الصحافي، إن "استخدام طائرات "درونز" من التدابير التي نتخذها لحماية بلادنا ومواطنينا وأصدقائنا وحلفائنا، لكننا لن نستخدمها إلا في إطار محدود جداً، عندما يكون الأمر ضرورياً ومناسباً ضد من يشكّلون تهديداً إرهابياً علينا".
لكن كارتر لمّح إلى إمكانية استخدامها ضد غيرهم عندما أشار إلى أن وزارة الدفاع على استعداد لتنفيذ كل ما يطلبه الرئيس عند الضرورة في إطار من الشفافية والملاءمة.
من جهته، أعرب ديمبسي عن عدم اطمئنانه لما يتردد عن الخسائر الذي تعرّض لها نظام الأسد وعن هشاشة نظامه، معيداً التذكير بأن الأوضاع الميدانية في سورية تتقلّب باستمرار، إذ كان الأسد قبل سنتين في وضع صعب وسرعان ما انقلب الأمر بعد ذلك لصالحه. وأعرب ديمبسي عن اعتقاده أن زخم المكاسب التي حققها النظام خلال العامين الماضيين بدأ يتباطأ لكنه لم ينحسر تماماً، مشيراً إلى أن الوضع الأقل تفضيلاً للنظام السوري قد يساعد على جره لطاولة المفاوضات ولكن ليس أكثر من ذلك.
اقرأ أيضاً: وصول 123 جندياً أميركياً لتركيا لتدريب مقاتلين بالمعارضة السورية