27 سبتمبر 2018
انتهت الحرب الباردة
لا تترافق التصورات الذهنية مع التغيرات المجتمعية في الغالب. لهذا، يتحوّل الواقع ويتغير. ولكن، تبقى الأفكار التي تبلورت في مرحلة سابقة ثابتة، إلى أن ينكشف الوضع عن عالمٍ جديد كلياً، حينها فقط يجري تغيير الأفكار. هذه هي أزمة المنطق الصوري من طرف، حيث يرى الواقع "قطعة قطعة"، الواحدة مفصولة عن الأخرى. ومن طرفٍ آخر، هي أزمة الدوغما التي "تثبِّت" الأفكار، انطلاقاً من إطلاقيتها إلى أن يكسرها الواقع ذاته.
هذا ما يحدث الآن، فقد تبلورت الأفكار الرائجة زمن الحرب الباردة، وانقسام العالم إلى قطبين "متناقضين"، وبات يقوم الفكر على التصنيف الثنائي هذا، وعبر تحديد "التناقض الرئيسي" الذي هو مع الإمبريالية الأميركية التي تهيمن على الشعوب، وتتحكّم بمجمل الرأسماليات. وروسيا هي الطرف المقابل، المدافع عن مصالح الشعوب. وبهذا، فإن التحالف الضروري هو بين الاشتراكية والطبقة العاملة في الغرب وحركات التحرر الوطني ضد تلك الإمبريالية. هذه هي الصورة التي ما زالت تحكم النظر، بعد ربع قرن على انهيار الاشتراكية.
فعلى الرغم من عدم دقة التوصيفات حينها التي قام عليها التناقض من زاوية الطرف النقيض للإمبريالية، إلا أنها كانت تعبّر عن اصطفاف حقيقي. وكان لها تلمسات عملية. لكن الاتحاد السوفييتي انهار، وانهارت النظم الاشتراكية، وقبلها انهارت حركات التحرّر الوطني، وظلت الطبقة العاملة في الغرب "قانعة" بوضعها. وبهذا، بات العالم رأسمالياً، من أوّله إلى آخره، إلى الحد الذي جعل منظري الرأسمالية يؤكدون على "نهاية التاريخ"، بالانتصار "الحاسم" للرأسمالية. وعملت الإمبريالية الأميركية على تهميش روسيا بتدمير قوى الإنتاج لديها، عبر دعم مافيا المال، من أجل أن تصبح سوقاً لسلعها وهي تعاني من الكساد، ومجالاً لتوظيف مالٍ متراكم، يبحث عن مجالات توظيفٍ جديدة. كما عملت أوروبا (ألمانيا وفرنسا وإنجلترا) على إخضاع أوروبا الشرقية ونهبها، من خلال دمجها في الاتحاد الأوروبي.
وكانت قبل ذلك قد طوّعت بلدان الأطراف، من خلال فرض سياسة الخصخصة عليها، بحجج متعدّدة، وهي تسعى إلى توظيف ذاك المال المتراكم.
إذن، يمكن الجزم بنهاية انقسام العالم، كما كان في أيام الحرب الباردة، وتحوّل العالم الى عالم رأسمالي بـ "امتياز"، على الرغم من وجود بعض الهوامش التي لم تُدمج كلياً، ليس لأنها اشتراكية، بل لأنها ما زالت تحاول تحسين وضعها الرأسمالي، أو لأن العولمة لم تستوعبها بعد. وبهذا، فإن الصراع هو بين رأسماليات بالتحديد، بين دول رأسمالية يحاول بعضها أن يهيمن، وبعضها أن يفرض سطوته، وآخرين يريدون التحوّل إلى قوة عظمى.
على ضوء انهيار القوة الموازنة، أي الاتحاد السوفييتي، حاولت أميركا أن تهيمن على العالم الذي بات رأسمالياً، وأن تخضعه لمصالح احتكاراتها، وهي تعيش أزمةً بدأت بداية سبعينيات القرن العشرين، وتوسعت في ثمانينياته، ما جعلها تسعى إلى أن تكون القوة العالمية الوحيدة التي تفرض سطوتها العالمية، ومن ثم أن تهمش روسيا وتحاصر الصين، عبر توسيع وجودها العسكري في العالم، وعبر احتلال دول، مثل أفغانستان والعراق. وكذلك أن تعمّق سيطرتها على أوروبا واليابان، لتكون المتحكّم في مجمل مفاصل العالم الرأسمالي. باتت القوة العظمى الوحيدة من دون قوة تستطيع مواجهتها، وهدفت إلى "شفط" كل الثروة العالمية، لكي تمركزها في "وول ستريت".
لكن، كانت سنة 2008 مفصلية في هذا السياق، حيث انفجرت الأزمة المالية في 15 سبتمبر من تلك السنة، لتكشف وضعية أميركا بكل دقة. وليتوضح أن الرأسمالية عموماً دخلت "غرفة الإنعاش"، وأن العالم ينفلت، بحيث تسعى دول عديدة، لكي تصبح "قوة عظمى"، وأن يجري التنافس على العالم من جديد، فلم يعد ممكناً أن تهيمن أميركا وتحكم العالم، على الرغم من قوتها العسكرية وضخامة اقتصادها. ولهذا، باتت دول أخرى تسعى إلى الهيمنة، أو لتأسيس "نظام عالمي متعدّد الأقطاب".
انتهت الحرب الباردة، الرحمة لها.
هذا ما يحدث الآن، فقد تبلورت الأفكار الرائجة زمن الحرب الباردة، وانقسام العالم إلى قطبين "متناقضين"، وبات يقوم الفكر على التصنيف الثنائي هذا، وعبر تحديد "التناقض الرئيسي" الذي هو مع الإمبريالية الأميركية التي تهيمن على الشعوب، وتتحكّم بمجمل الرأسماليات. وروسيا هي الطرف المقابل، المدافع عن مصالح الشعوب. وبهذا، فإن التحالف الضروري هو بين الاشتراكية والطبقة العاملة في الغرب وحركات التحرر الوطني ضد تلك الإمبريالية. هذه هي الصورة التي ما زالت تحكم النظر، بعد ربع قرن على انهيار الاشتراكية.
فعلى الرغم من عدم دقة التوصيفات حينها التي قام عليها التناقض من زاوية الطرف النقيض للإمبريالية، إلا أنها كانت تعبّر عن اصطفاف حقيقي. وكان لها تلمسات عملية. لكن الاتحاد السوفييتي انهار، وانهارت النظم الاشتراكية، وقبلها انهارت حركات التحرّر الوطني، وظلت الطبقة العاملة في الغرب "قانعة" بوضعها. وبهذا، بات العالم رأسمالياً، من أوّله إلى آخره، إلى الحد الذي جعل منظري الرأسمالية يؤكدون على "نهاية التاريخ"، بالانتصار "الحاسم" للرأسمالية. وعملت الإمبريالية الأميركية على تهميش روسيا بتدمير قوى الإنتاج لديها، عبر دعم مافيا المال، من أجل أن تصبح سوقاً لسلعها وهي تعاني من الكساد، ومجالاً لتوظيف مالٍ متراكم، يبحث عن مجالات توظيفٍ جديدة. كما عملت أوروبا (ألمانيا وفرنسا وإنجلترا) على إخضاع أوروبا الشرقية ونهبها، من خلال دمجها في الاتحاد الأوروبي.
وكانت قبل ذلك قد طوّعت بلدان الأطراف، من خلال فرض سياسة الخصخصة عليها، بحجج متعدّدة، وهي تسعى إلى توظيف ذاك المال المتراكم.
إذن، يمكن الجزم بنهاية انقسام العالم، كما كان في أيام الحرب الباردة، وتحوّل العالم الى عالم رأسمالي بـ "امتياز"، على الرغم من وجود بعض الهوامش التي لم تُدمج كلياً، ليس لأنها اشتراكية، بل لأنها ما زالت تحاول تحسين وضعها الرأسمالي، أو لأن العولمة لم تستوعبها بعد. وبهذا، فإن الصراع هو بين رأسماليات بالتحديد، بين دول رأسمالية يحاول بعضها أن يهيمن، وبعضها أن يفرض سطوته، وآخرين يريدون التحوّل إلى قوة عظمى.
على ضوء انهيار القوة الموازنة، أي الاتحاد السوفييتي، حاولت أميركا أن تهيمن على العالم الذي بات رأسمالياً، وأن تخضعه لمصالح احتكاراتها، وهي تعيش أزمةً بدأت بداية سبعينيات القرن العشرين، وتوسعت في ثمانينياته، ما جعلها تسعى إلى أن تكون القوة العالمية الوحيدة التي تفرض سطوتها العالمية، ومن ثم أن تهمش روسيا وتحاصر الصين، عبر توسيع وجودها العسكري في العالم، وعبر احتلال دول، مثل أفغانستان والعراق. وكذلك أن تعمّق سيطرتها على أوروبا واليابان، لتكون المتحكّم في مجمل مفاصل العالم الرأسمالي. باتت القوة العظمى الوحيدة من دون قوة تستطيع مواجهتها، وهدفت إلى "شفط" كل الثروة العالمية، لكي تمركزها في "وول ستريت".
لكن، كانت سنة 2008 مفصلية في هذا السياق، حيث انفجرت الأزمة المالية في 15 سبتمبر من تلك السنة، لتكشف وضعية أميركا بكل دقة. وليتوضح أن الرأسمالية عموماً دخلت "غرفة الإنعاش"، وأن العالم ينفلت، بحيث تسعى دول عديدة، لكي تصبح "قوة عظمى"، وأن يجري التنافس على العالم من جديد، فلم يعد ممكناً أن تهيمن أميركا وتحكم العالم، على الرغم من قوتها العسكرية وضخامة اقتصادها. ولهذا، باتت دول أخرى تسعى إلى الهيمنة، أو لتأسيس "نظام عالمي متعدّد الأقطاب".
انتهت الحرب الباردة، الرحمة لها.