لا تقتصر الانتهاكات بحق المدنيين في العراق على المليشيات العراقية وقوات الأمن النظامية أو قوات البشمركة الكردية، بل إن جرائم مماثلة ترتكبها بعض الفصائل التابعة لقوات العشائر العربية، سواء في محافظة الأنبار أو الموصل أو مدن صلاح الدين وحزام بغداد، بدوافع ليست طائفية، فالضحية والجلاد من نفس المذهب والدين والقومية ومن المحافظة والمدينة نفسها أيضاً، إلا أنها عادة ما تنحصر بدوافع الثأر أو مشاكل شخصية وتنافس بين هذه القبيلة أو تلك، أو طمعاً بالمال ورضا الراعي الإيراني الذي يدير غالبية الملف الأمني عبر مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق.
ووجّهت قيادات عسكرية عراقية أخيراً تهماً مباشرة لمليشيا "الضياغم" وفصائل عشائرية أخرى تابعة لعشيرة شمر والعكيدات، بتنفيذ جرائم سرقة وقتل وتعذيب وحرق مزارع ومنازل لعشائر أخرى قرب الموصل في المحورين الغربي والجنوبي الشرقي. إلا أن انتهاكات تلك الفصائل تعدّت نطاق القرى والمناطق الزراعية وبادية الموصل إلى داخل مركز مدينة الموصل وتحديداً ساحلها الأيسر.
وقال مسؤول عسكري عراقي بارز في اللواء الأول في الفرقة السادسة عشرة بالجيش العراقي، إن "الحديث عن الانتهاكات يستوجب العدالة، فالجميع متورط بها، بما في ذلك بعض الوحدات والتشكيلات الحكومية، لكن القوات العراقية النظامية تقوم بالمحاسبة والتحقيق باستمرار". وأضاف المسؤول العراقي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مرتكبي الانتهاكات بالتسلسل هم مليشيات الحشد الشعبي ثم قوات البشمركة ثانياً لجهة حجم الجرائم والانتهاكات، وتحل التشكيلات النظامية العراقية ثالثة، ثم فصائل العشائر التي اتخذت من الظروف الحالية فرصة لتصفية حسابات قديمة لها"، مشيراً إلى أن "بعض الفصائل العشائرية تحاول أن تثبت أنها وفية أو صادقة في حربها ضد الإرهاب من خلال ارتكاب مزيد من الجرائم لإقناع الطرف الآخر وهو المليشيات بولائها أو صدقها في الحرب على الإرهاب، والحال ينطبق أيضاً بالنسبة لوضعها مع القوات الحكومية".
وينتشر العشرات من مقاتلي العشائر في ساحل الموصل الأيسر بأزياء عسكرية وأخرى مدنية، ويقومون بعمليات تفتيش ونصب نقاط وحواجز أمنية وكذلك اعتقالات، تماماً كما هو حال مليشيات "الحشد الشعبي" في المدينة.
وقال عضو مجلس محافظة نينوى (الحكومة المحلية) محمد الحمداني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المحافظة لا سلطة لها على تلك الفصائل، وهو ما يوجب على الحكومة في بغداد وضع حد للمهزلة وحصر الملف الأمني بالقوات النظامية فقط، معتبراً أن "المواطن بات يتلقى الانتهاكات اليومية مثل تلقيه الهواء"، مؤكداً أن "فصائل عشائرية متورطة بجرائم عدة".
من جهته، رأى الشيخ صلاح الجبوري أن مدينة الموصل تحوّلت إلى مقاطعات تقاسمتها الحشود العشائرية والمليشيات وبسطت سلطتها عليها في ظل ضعف الأجهزة الأمنية الرسمية وغيابها أحياناً، ما يهدد بخطر اندلاع صراعات جديدة تعقب مرحلة استعادة الموصل كلياً من تنظيم "داعش"، بين تلك الحشود التي يسعى كل منها للسيطرة على أكبر جزء من المدينة.
وأكد الجبوري أن حالة من "الفوضى الأمنية" تسود الأحياء المحررة في ما يتعلق بالقوات التي تتمركز فيها وطبيعة المهام الموكلة إليها، إذ لا تبدو هناك أي معالم واضحة لتلك القوات التي لا تؤدي مهاماً أمنية بحتة، على الرغم من أنها مجهزة بالأسلحة وبعض الآليات العسكرية، سوى بسط سيطرتها على أكبر جزء ممكن من الأرض. ولم يُخفِ الجبوري قلقه من مستقبل هذه الأعداد الكبيرة من المقاتلين وطبيعة دورهم في المرحلة المقبلة في ظل المخاوف من تحوّل الصراع السياسي غير المعلن في المدينة إلى صراع مسلح.
وفي ما يخص العلاقة بين الحكومة العراقية وتلك الحشود، أكدت معلومات لـ"العربي الجديد"، من داخل وزارة الدفاع، أن "الحكومة العراقية لم تحدد بعد مصير أولئك المقاتلين في المرحلة المقبلة"، مع استبعاد إمكانية دمجهم بالقوات العراقية التابعة للوزارة أو حتى في الشرطة المحلية.