وكان "جيش العشائر"، قد تمّ تشكيله في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لحماية منطقة تل أبيض، ذات الغالبية العربية، بعد تصاعد وتيرة انتهاكات القوات الكردية فيها. وجاء هذا الحلّ بعد أكثر من أسبوعين على التصعيد الكبير الذي أعلنه "جيش العشائر" ضد القوات الكردية، لمنعها من الدخول إلى مناطق سيطرته في ريف تل أبيض، شمالي الرقة، متهماً إياها بـ"ممارسة التهجير الممنهج وتكليف أكراد غير سوريين بإدارة المنطقة العربية في تل أبيض". وجاء ذلك حينها على خلفية مقتل أحد عناصر "لواء ثوار الرقة" بهجوم للقوات الكردية، على حاجز للواء في قرية مستريحة العنتر، بريف تل أبيض الغربي، بعد محاولتهم اعتقال شبان من قرية المهرة القريبة.
لكن هذا الموقف الذي وُصف بـ"الحازم" من قبل "جيش العشائر" لم يلقَ الدعم والتأييد من طرف باقي الكيانات العربية في "قوات سورية الديمقراطية". الأمر الذي فتح الباب أمام قوات "حماية الشعب"، التي تُعدّ أكبر كيانات "قوات سورية الديمقراطية"، لفرض حصار فعلي على "جيش العشائر" في مناطق سيطرته.
وتشير مصادر مقرّبة من "جيش العشائر" المنحلّ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "القوات الكردية بدأت حصارها المناطق التي يسيطر عليها جيش العشائر بريف تل أبيض، بعد بيانه ضدها، من خلال منع وصول الخبز والطحين والمحروقات والمواد الأساسية إليه، فضلاً عن الأسلحة والذخائر". وعُدّ الحصار سهلاً بالنسبة للقوات الكردية، لأنها تسيطر على الشريط الحدودي مع تركيا، في الوقت الذي يسيطر فيه "داعش" على المناطق الواقعة جنوب مناطق انتشار "جيش العشائر" بريف الرقة الشمالي. الأمر الذي وضع "الجيش" بين فكي كماشة، وأجبره خلال أسبوعين فقط على الاستسلام وحلّ نفسه.
اقرأ أيضاً: التوتّر العربي ـ الكردي يُهدّد خطط التحالف الدولي بسورية
ويبدو أن الدعم السياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة للقوات الكردية أدى دوراً حاسماً في تمكينها من استعادة الهيمنة فعلياً على كامل منطقة تل أبيض. وهو الأمر الذي أشار له بيان "جبهة ثوار الرقة" بشكل غير مباشر، مبررّاً حلّ "جيش العشائر" بسبب "عدم وصول أي دعم له وضعف إمكاناته والظروف المحيطة به". بل إن بيان "جبهة ثوار الرقة" صوّر "جيش العشائر" كـ"عبء على جبهة ثوار الرقة ومعيقاً لمساعيها بتحرير الرقة من داعش"، فيما يبدو أنه إشارة إلى تأثر جبهات القتال ضد التنظيم بالتوتر الحاصل بين "جيش العشائر" والقوات الكردية.
وكانت وتيرة المواجهات بين "قوات سورية الديمقراطية" من جهة، وقوات "داعش" من جهة ثانية، قد ارتفعت في الأيام الماضية في مناطق التماس بريف الرقة الشمالي، بعد أيام قليلة من سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، ممثلة بقوات "حماية الشعب" على سد تشرين الاستراتيجي على نهر الفرات، إثر مواجهات عنيفة مع قوات "لواء ثوار الرقة" من جهة و"داعش" من جهة ثانية، في مناطق جنوب وغرب بلدة عين عيسى. وذلك بالتزامن مع غارات شنتها طائرات التحالف الدولي على مواقع التنظيم في المنطقة، ما أجبر داعش على الانسحاب من قرية المستريحة، التي كان يتمركز بها قرب بلدة عين عيسى.
كما تمكنت القوات الكردية من السيطرة على أربع قرى جديدة على الحدود الإدارية بين محافظتي حلب والرقة إلى الشمال الغربي من مدينة الرقة، وهي قرى القادرية وعلي الشمري والحسينية والطراكعة، وذلك بعد انسحاب "داعش".
وجاء كل ذلك ليزيد من نفوذ القوات الكردية في ريف الرقة الشمالي، على حساب التشكيلات العربية الصغيرة المشاركة معها في "قوات سورية الديمقراطية"، الأمر الذي سيزيد بالتالي من هيمنتها عليهم، ويمنحها المزيد من التفرّد في قيادة عملياتها العسكرية واختيار أولويات هذه القوات بالاتفاق مع التحالف الدولي.
ولا يستبعد أن تكون التصريحات التي صدرت في الأيام الأخيرة الماضية على لسان قياديين في القوات الكردية، التي أعربوا فيها عن عزمهم على السيطرة على مدينة أعزاز، وبالتالي وصل مناطق سيطرة القوات الكردية في عفرين بمناطق سيطرتها في عين العرب للقضاء نهائياً على مشروع "المنطقة الآمنة" الذي اقترحته تركيا، في هذا الإطار.
وتُعدّ هذه الخطوة تجسيداً للتفرّد بالقرار من جانب القوات الكردية، فالمكونات العسكرية العربية في "قوات سورية الديمقراطية" تضع نصب أعينها تحرير مدينة الرقة وطرد "داعش" منها، إلا أن هذا الهدف لا يشكل أي أولوية بالنسبة للقوات الكردية، التي تفضل أن تركز على وصل مناطق سيطرتها ببعضها، ولو دفع ذلك بها إلى مواجهة مسلحة مفتوحة مع المعارضة السورية التي تسيطر على أعزاز، وربما إلى مواجهة مع تركيا التي أعلنت في غير مرة أن عبور القوات الكردية نهر الفرات باتجاه ضفته الغربية هو خط أحمر بالنسبة لها، ولن تسمح للقوات الكردية بتجاوزه.
اقرأ أيضاً: عشائر الرقة تمنع القوات الكردية من دخول مناطق سيطرتها