وقال عضو لجنة التعديلات الدستورية يونادم كنا، إن مناقشة مواد الدستور وصلت إلى المادة 115، المتعلقة بالصلاحيات المشتركة بين المركز (بغداد) والأقاليم، مؤكداً أن العطلة التشريعية للبرلمان ومدتها شهر لا يمكن احتسابها ضمن المدة الممنوحة للجنة. وأشار كنا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يبقى شهر لعمل اللجنة، بعد أن يستأنف مجلس النواب جلساته من أجل إكمال المهام.
وحول أسباب عدم تقديم اللجنة حتى الآن أي توصيات للبرلمان، لفت كنا إلى أنها وصلت إلى المادة 115 من الدستور المُكون من 140 مادة، وهناك مواد مهمة لم تجرِ مناقشتها، موضحاً أن النقاشات ستتواصل لدى استئناف جلسات البرلمان.
وبشأن بعض المواد الخلافية في الدستور، مثل نوع نظام الحكم، وإمكانية تحويله من برلماني إلى رئاسي، وكذلك المادة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة البرلمانية الكبرى التي من حقّها ترشيح رئيس الوزراء، والمادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، أوضح كنا أن الخلافات لا تزال قائمة بشأنها، مؤكداً أنه ستتم معالجتها داخل مجلس النواب لو تمكن من ذلك، إلا أنها تبقى إلى الآن موضع خلاف، لتعدد آراء أعضاء اللجنة حولها".
أما بخصوص النظام الرئاسي، فلفت المصدر إلى أنه "يحتمل ثلاثة خيارات: إما الإبقاء على النظام الحالي (برلماني)، أو تحويله إلى رئاسي، أو جعله مختلطاً (الدمج بين الرئاسي والبرلماني)"، مؤكداً وجود خشية من تبني النظام الرئاسي، خشية عودة الدكتاتورية.
وعلّق كنا على أداء اللجنة، قائلاً: "لم نكن راضين عنه، لأنه جاء متزامناً مع أحداث غير طبيعية، وجلسات اللجنة جاءت متزامنة مع تلك التي عقدها البرلمان، وهو أمر لم يكن مقبولاً، ولهذا فإن عطاءها كان متواضعاً، على الرغم من جديتها في العمل".
وفي أشدّ انتقاد لهيكلية اللجنة وأدائها، قال عضوٌ فيها، طلب عدم ذكر اسمه، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنها تشكّلت ضمن حزمة قرارات كان الهدف منها فقط تهدئة المتظاهرين، معتبراً أن أعضاءها غير جاهزين في أغلبيتهم من الناحية الفكرية لبحث تعديل بعض فقرات الدستور، والتي تصب بالدرجة الأولى لصالح الكتل السياسية التي وضعتها، والتي أنيطت بها مجدداً اليوم مهمة التعديل. وتساءل المصدر: "جميع المواد التي تمّت مناقشتها حتى الآن لم تنل إجماع أعضاء اللجنة، فكيف ستكون الحال لدى مناقشتها في البرلمان؟"
وحول مطالب الشارع العراقي بالنسبة إلى الدستور، أوضح المصدر أنها تتضمّن الرغبة في إزالة الفقرات التي تعزز الانقسام الطائفي أو المذهبي في البلاد، وتضمين فقرات واضحة ومباشرة في ما يتعلق بالانتخابات وقانون الأحزاب والبرلمان وحرية التعبير والتظاهر، فضلاً عن تضمين الدستور فقهاء الشريعة الإسلامية في القضاء، وهو ما يعتبره الحراك عاملاً مهدداً لمدنية الدولة، ومدخلاً مؤسساً لتجربة شبيهة بالتجربتين الإيرانية والسعودية".
وكان عضو لجنة التعديلات الدستورية محمد الكربولي قد أكّد سابقاً أن الأجواء غير مهيّأة حالياً لإجراء تعديلات، موضحاً أن الوقت غير كافٍ، في ظلّ إصرار المحتجين على إجراء انتخابات مبكرة. وبيّن الكربولي أن عرض التعديلات الدستورية من خلال استفتاء عام أمر يتطلب فترة قد تزيد على عامين، مبيناً أن مفوضية الانتخابات الجديدة ستنشغل في قضية التهيئة للانتخابات المبكرة.في المقابل، أكد نائب رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد الغزي أن لجنة تعديل الدستور ناقشت نحو 116 مادة دستورية، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أنها سترفع تقريراً بعملها إلى البرلمان عند انعقاد جلساته، من أجل التصويت على التعديلات، ثم عرضها في استفتاء شعبي. وبيّن الغزي أن اللجنة القانونية لم تستلم أي توصيات من لجنة الدستور، على اعتبار أن الأخيرة مكلفة برفع توصياتها مباشرةً إلى رئاسة مجلس النواب، مؤكداً عدم جواز تمديد عمل اللجنة التي أكملت مهامها. وأشار الغزي إلى أن لجنة تعديل الدستور عقدت اجتماعات متكررة، والتقت بأساتذة متخصصين في القانون الدستوري، من أجل إكمال تقريرها.
يشار إلى أن الدستور العراقي تمّ التصويت عليه في أكتوبر/ تشرين الأول 2005. وتقرر لاحقاً تشكيل لجنة تتولّى مهمة تقديم قائمة بالتعديلات الدستورية تنهي عملها خلال أربعة أشهر، لكنها لم تتمكن حينها من تقديم أي مقترح بسبب الخلافات العميقة داخلها، كما أن الدستور لم يشر إلى إمكانية التمديد لها، أو تشكيل لجنة جديدة في المستقبل. وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قرر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تشكيل لجنة لتعديل الدستور على خلفية تصاعد الاحتجاجات الشعبية، على أن تنهي عملها وتقدم توصياتها إلى المجلس خلال أربعة أشهر، انقضت في 28 فبراير/ شباط الماضي.
ويرى خبراء في القانون الدستوري أن اللجنة لن تتمكن من تحقيق أي شيء، وأن ما تتحدث عنه بشأن تعديل مواد دستورية مهمة، كنقل العراق إلى النظام الرئاسي، هي مجرد أحاديث في الهواء.
وفي هذا الإطار، قال الخبير القانوني طارق حرب، لـ"العربي الجديد"، إن "أجل لجنة تعديل الدستور الحقيقي انتهى في عام 2006، وأي لجنة شُكّلت بعد هذا التاريخ لا أساس دستورياً لها"، لافتاً إلى "وجود اختلاف كبير في وجهات النظر داخل اللجنة الحالية بين القوى الشيعية والسنية والكردية، وكذلك داخل كل كتلة".
وشدّد حرب على أن "لجنة تعديل الدستور فشلت في عام 2006، وفشلت بعد ذلك، وهي فاشلة في الدورة الحالية"، متحدثاً عن عدم واقعية المطالبة بالانتقال إلى النظام الرئاسي مثلاً، لأن انتخاب الرئيس في هذه الحالة سيكون من قبل الشعب، ما قد يثير حفيظة مكونات بعينها، متسائلاً مثلاً ما إذا كانت الكتل الشيعية، وهي الأغلبية الآن في البرلمان، تقبل بفوز رئيس جمهورية سنّي أو كردي في حال تحالف المكونين الأخيرين في الانتخابات؟".
ورأى الخبير القانوني أن "النظام البرلماني رديء، إلا أن نتائج النظام الرئاسي ستكون أكثر رداءة"، معتبراً أن عمل لجنة تعديل الدستور الحالية جاء "خجولاً"، مستبعداً إمكانية تحقيقها أي نتائج، أو أن تترك أي أثر يذكر. هذا الرأي وافق عليه أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد أحمد الربيعي، الذي قال في حديث لـ"العربي الجديد" إن لجنة التعديلات الدستورية استهلكت المدة المحددة لها، من دون أن تخرج على الشعب ولا حتى بتعديلٍ واحد، مؤكداً أن وجود هذه اللجنة كان ولا يزال مجرد حبر على ورق، الهدف منه تهدئة الشارع لا أكثر.
وفي السياق القانوني، أوضح الربيعي أنه "يتوجّب تصويت البرلمان بأغلبية الثلثين على التعديلات المقترحة، قبل أن يتم طرح ذلك في استفتاء شعبي، وتعتبر التعديلات سارية ما لم يعترض عليها أغلبية المصوتين في ثلاث محافظات".