انتكاسة في زيارة السيسي الأميركية: اللوبي اليهودي لا يكفي

28 سبتمبر 2017
لقاء ترامب والسيسي هو الرابع خلال عام(برندن سميالويسكي/فرانس برس)
+ الخط -
تسود حالة من القلق الأوساط الرسمية المصرية بسبب الانتقادات الحادة التي تعرض لها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من وسائل الإعلام الأميركية ومجموعات النواب الديمقراطيين وبعض أجنحة الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة للمشاركة بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وعلى الرغم من نجاح الفريق الدبلوماسي المصري في تنظيم لقاء رابع خلال عام بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والسيسي للتشاور والتباحث بشأن مستقبل المساعدات الأميركية المعلقة والمؤجلة ودور مصر المفترض في عملية السلام بالشرق الأوسط وبالأخص في تحقيق المصالحة البينية الفلسطينية والتوصل لحل نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، إلاّ أن هناك مؤشرات أخرى عدة توضح انخفاض أسهم السيسي بالمجتمع السياسي في الولايات المتحدة، مما يؤكد أن على مصر العمل طويلاً وبكثافة على أكثر من مستوى لضمان عدم إصابة ملف المساعدات بانتكاسات أخرى، فضلاً عن ضمان تقليل الضغوط السياسية التقليدية التي تمارسها واشنطن.

ويقول مصدر دبلوماسي مصري في نيويورك، لـ"العربي الجديد"، إن "انتكاسة واضحة أصابت قائمة الشخصيات الأميركية التي يحرص السيسي على لقائها كل عام عندما يزور نيويورك". ويضيف "بالمقارنة مع العامين الماضيين، نجد أنه لم يعقد إلا لقاء واحداً مع الشخصيات العامة والدوائر المؤثرة في صنع القرار السياسي، وكانت معظم الشخصيات المشاركة في اللقاء من رجال الأعمال والسياسيين اليهود، وخلا من أي ممثلين للحزب الديمقراطي".

ووفقاً للمصدر الدبلوماسي نفسه فإن "العشرات من الشخصيات اعتذرت عن لقاء السيسي، لدرجة أن بعض النواب عبّروا بسخرية عن ضجرهم من دعوتهم للاستماع إلى شخص يكرر نفس الحديث كل مرة من دون أن تتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلاده، وهو ما يعبر بوضوح عن افتقار السيسي والنظام الحاكم في مصر للمصداقية بين دوائر أميركية عديدة، هي من بين المستويات الأكثر تأثيراً، وأن الحقل الأكثر خصوبة لعمل السيسي حتى الآن يتمثل في الدوائر اليهودية واليمينية المحافظة فقط، وهي دوائر لا تهتم كثيراً بمسائل تداول السلطة وحقوق الإنسان، وتعنى في المقام الأول بمصالح إسرائيل والشركات المرتبطة بتلك الدوائر".

ويؤكد المصدر أن وزير الخارجية سامح شكري اطلع على تقارير أعدها بعض أعضاء فريقه تتضمن تلك الانتقادات، إلا أنه لم يجرؤ على عرضها على السيسي خشية اعتقاده بأن بعض أعضاء الفريق يعارضون سياساته، وكأنه يتوجب على الدبلوماسي المصري عدم عرض أي آراء أجنبية إلا ما يحظى بقبول رئيس الجمهورية. وبحسب المصدر فإنه "حتى على مستوى حل الدولتين في القضية الفلسطينية، فإن دوائر عديدة في واشنطن ما زالت لا تفهم الفارق بين ما يطرحه السيسي وما طرحه جميع الساسة السابقين منذ اتفاقية غزة-أريحا وبالتالي فهم لا يقدّرون بصورة كافية الجهود التي بذلتها مصر لتحقيق التفاهمات البينية الفلسطينية الأخيرة. كما أن عدداً كبيراً من نواب الكونغرس الديمقراطيين وبعض الجمهوريين يرون أن الحل النهائي للقضية الفلسطينية لا ينبغي أن يقدم على جدول الاهتمامات الأميركية قبل غلق ملفات سورية والعراق وليبيا، لأنها تمس مباشرة بالمصالح الأميركية الاستراتيجية. وبالتالي فهم يرون أن مصر لم تعد تلك الدولة المحورية التي بإمكانها التحكم في تلك الملفات، اللهم إلاّ التواصل مع مجموعة محدودة من المليشيات في ليبيا".

ويكشف المصدر أن الزيارة الأخيرة أثبتت ضعف الترويج السياسي والإعلامي للسيسي في الولايات المتحدة بسبب الارتباك الذي سيطر على تعاقدات الدولة ممثلة في الاستخبارات العامة مع شركات دعاية أميركية خلال العام الأخير. كما يشير إلى أن فريقاً من الخارجية والاستخبارات اجتمع خلال الزيارة بفريق فني من شركة "أدكو" التي تعاقدت معها الاستخبارات الشهر الماضي بقيمة مليون و200 ألف دولار سنوياً، بعدما فسخت شركة "فيبر شيندويك" الشهيرة عقدها مع مصر في وقت سابق بعد مرور أقل من 6 أشهر على إبرامه. وركز هذا الاجتماع على الطرق المناسبة لاختراق المجال الإعلامي ونشر موضوعات صحافية تساهم في تغيير فكرة الدوائر الأميركية التقليدية عن مصر والمشهد السياسي فيها، وتوضيح رسالة أساسية مفادها بأن مصر تقف على رأس الدول المحاربة للإرهاب في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت تحظى بإمكانات اقتصادية واعدة وحوافز استثمارية استثنائية بالنسبة لمنطقتها وحماية حكومية مطلقة لتلك الاستثمارات، وأن المواطن المصري في حاجة ماسة إلى إنعاش حقوقه الاقتصادية والاجتماعية في المقام الأول قبل الحديث عن تطوير حقوقه السياسية، فضلاً عن بعض الرسائل السلبية عن جماعة الإخوان بالتحديد.

وفي السياق نفسه، يصف مصدر دبلوماسي آخر في ديوان الخارجية المصرية زيارة السيسي الأخيرة إلى نيويورك بأنها "أقل نجاحاً من سابقاتها"، معتبراً أن النجاح الوحيد لها هو التصريح الذي أدلى به ترامب أخيراً عن بحث واشنطن استئناف بعض المساعدات المعلقة والمؤجلة، لكن هذا التصريح ليس كافياً –في رأيه- لتأمين المساعدات خصوصاً فيما تستعد مصر لمشهد ملتبس في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المفترضة واحتمالية إلغائها لصالح إجراء استفتاء تعديل دستوري.

ويشير المصدر إلى أن الزيارة لم تحقق المطلوب منها في المقام الأول وهو إقناع نواب الكونغرس وجماعات الضغط الأميركية بعدم المساس بالمساعدات، واتضح هذا فيما تداوله بعض الدبلوماسيين الذين حضروا لقاء السيسي وترامب عن حدة النقاش بين السيسي ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، فضلاً عن عدم تمتع حديث السيسي عن منجزاته في الملف الفلسطيني باهتمام إعلامي أو سياسي كاف على عكس توقعاته.

ويستطرد قائلاً: "على السيسي وخارجيته والشركة الدعائية الأميركية التي تعاقد معها أخيراً بذل مزيد من الجهد، وعدم المراهنة على الدوائر اليهودية وحدها، لأن ظهور تقارير فاضحة لتجاوزات تحدث في مصر قبيل وأثناء الزيارة يؤكد أن هناك دوائر بعينها تسعى للإجهاز على السيسي دولياً في أسرع وقت، وأن هناك مسؤولين في واشنطن ليسوا مرتاحين إطلاقاً للطريقة التي يحكم بها، ويدفعون البيت الأبيض لمزيد من الضغوط". ويرجح المصدر أن تكون المواقف المصرية الأخيرة من كوريا الشمالية هي السبب "الوحيد" لإدلاء ترامب بتصريحه الأخير وليس أية وعود أخرى بشأن فتح المجال العام أو معايير محاربة الإرهاب في شمال سيناء أو تحجيم الدور الاقتصادي للجيش، وهي جميعاً من المشاكل التي اتخذ على أساسها قرار تعليق وتأجيل المساعدات.

المساهمون