انتقادات عنيفة لبنك إنكلترا المركزي بسبب "سيناريو الرعب"

30 نوفمبر 2018
محافظ بنك إنكلترا مارك كارني (Getty)
+ الخط -

رسم بنك إنكلترا "البنك المركزي البريطاني"، صورة قاتمة للاقتصاد البريطاني في حال خروج بريطانيا من دون اتفاق من عضوية الاتحاد الأوروبي. جاء ذلك في تقرير للبنك المركزي البريطاني، مساء الأربعاء، وقبيل أيام فقط من موعد تصويت البرلمان البريطاني على اتفاق بريكست الذي وقّعته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مع قادة دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

وتوقّع التقرير أن يقود خروج بريطانيا من دون اتفاق إلى كارثة اقتصادية حقيقية، حيث سيتقلص حجم الاقتصاد البريطاني بنسبة 9.3%، خلال الـ15 عاماً المقبلة. كما سيؤدي إلى انكماش النمو البريطاني. 

كما أشار بنك إنكلترا، في تقريره، عن أسوأ سيناريو يمكن تحققه، لاحتمال خروج بريطانيا من دون اتفاق مع أوروبا، إلى أن معدل التضخم في البلاد سيرتفع، وربما يتجاوز 6.5%. متوقعاً أن يقود ارتفاع معدل التضخم إلى إجبار المركزي البريطاني على رفع معدل الفائدة ربما فوق نسبة 5.5%. وعادة ما ترتفع أسعار الفائدة المصرفية لمكافحة التضخم ودعم سعر صرف العملة.

وأشار التقرير إلى أن العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، ربما تتعرض لضغوط كبيرة في سوق الصرف العالمي وينخفض سعرها مقابل العملات الرئيسية. وانخفاض العملة البريطانية يعني عملياً ضعف قوتها الشرائية. كما توقّع التقرير، كذلك، انخفاض أسعار المساكن البريطانية في المتوسط بنسبة 30%، في حال خروج بريطانيا من دون ترتيبات تجارية مع الاتحاد الأوروبي.

وواجه التقرير انتقادات حادة من قبل مناصري "بريكست" الذين صوّتوا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن العديد من الصحف البريطانية التي أفردت له مساحات كبيرة في طباعتها، أمس الخميس. 

وقال سياسيون واقتصاديون، إن السيناريو الذي وضعه بنك إنكلترا يزرع "الرعب ويشيع الهستيريا والخوف" من مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. معتبرين التقرير دعماً صريحاً لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، التي مررت الاتفاق في أوروبا وتبحث عن سبل تمريره في البرلمان. ووصفوا التقرير، حسب صحيفة "ديلي تلغراف"، بأنه يمثل تدخلاً سافراً في السياسة البريطانية من قبل المصرف المركزي البريطاني الذي تفترض فيه الحيادية في القضايا السيادية.

ووسط هذه الانتقادات الحادة، سعى المحافظ مارك كارني، أمس الخميس، للرد على هذه الانتقادات، في لقاء مع برنامج "بي بي سي توداي". وقال كارني في رده قائلاً "إن توقعات حدوث أسوأ تدهور للاقتصاد البريطاني منذ الحرب العالمية الثانية، هو توقع للسيناريو الأسوأ، ولكن لا يعني أنه سيتحقق فعلاً".

وأضاف كارني "لا يعني التقرير أن هذا السيناريو سيتحقق في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون ترتيبات، ولكن ربما يحدث في حال ارتكبت كل الأخطاء". وقال كارني إن اتصالاتنا مع الأعمال التجارية تشير إلى أن أقل من 50% من الشركات البريطانية ليست لديها خطط طوارئ للتعامل مع بريكست من دون ترتيبات تجارية وجمركية.

ويذكر أن كارني قال، خلال شهادته في تقرير التضخم أمام لجنة اختيار الخزانة يوم 20 من نوفمبر/تشرين الجاري، إن توقعات البنك المركزي تفترض أن الفترة الانتقالية للبريكست ستمر بسلاسة. وحسب وكالة رويترز، أشار إلى أن بنك إنكلترا لا يعتزم تقديم تحليل إضافي لسيناريو البريكست بلا اتفاق.

علاوة على ذلك، فإنه قال إن لجنة السياسة النقدية في البنك ستنظر في السيناريو الخاص باتفاق الانسحاب. حيث إن اتفاق الانسحاب سيدعم اقتصاد بريطانيا. كما أكد كارني أن لجنة السياسة النقدية تدرس سيناريو البريكست بجدول زمني متسارع. فيما رفض كارني، في شهادته، القول إذا كان من الأرجح عدم التوصل إلى اتفاق بشأن البريكست أم لا. وشدد كارني على فكرة أنه واثق من أن بنك إنكلترا لديه كافة التدابير التي يمكن أن تحقق الاستقرار المالي.

وكانت دراسة أجريت بطلب من حملة تصويت الشعب "بيبولز فوت" التي تدعو إلى إجراء استفتاء ثان، خلصت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني سيتقلص بنحو 3.9% سنوياً.

كما قالت الدراسة التي نُشرت الأسبوع الماضي، إن اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) سيكلف بريطانيا 100 مليار إسترليني سنوياً بحلول عام 2030، وذلك بحسب دراسة للمعهد الوطني للدراسات الاقتصادية والاجتماعية. أي أنه سيكلف الاقتصاد البريطاني حوالى 10 مليارات إسترليني سنوياً. وأضافت: "هذا يعادل فقدان الناتج الاقتصادي لإقليم ويلز أو مدينة لندن".

ووافق قادة دول الاتحاد على الاتفاق، الأحد، الذي يوضح شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الـ39 مليار إسترليني "فاتورة الانفصال"، وحقوق المواطنين، و"دعم" أيرلندا الشمالية، وهي طريقة لإبقاء الحدود الأيرلندية مفتوحة إذا فشلت أو تعرقلت محادثات التجارة.

وطرحت الدراسة عدة سيناريوهات لخروج بريطانيا من الاتحاد، وتوصلت إلى أن النتيجة المفضلة للحكومة، وهي المغادرة في مارس/آذار 2019، والدخول في فترة انتقالية تستمر حتى ديسمبر/كانون الأول 2020، قبل الانتقال إلى اتفاقية للتجارة الحرة، ستؤدي إلى انخفاض كبير في التجارة والاستثمار.

وفي هذا الصدد، أشار إلى أن مغادرة السوق الموحدة سيخلق "عوائق أكبر" أمام تجارة الخدمات، وسيجعل بيع الخدمات من بريطانيا أقل جاذبية، حسب الدراسة. وقالت الدراسة: "هذا سيؤدي إلى عدم تشجيع الاستثمار في بريطانيا، وسيقود في النهاية إلى أن يصبح العمال البريطانيون أقل إنتاجية، مقارنة بحالهم في ظل بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد".

وفي خطوة أوروبية لدعم اتفاق بريكست، أعلن كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه، أمس الخميس، أن الاتحاد الأوروبي مستعد لـ"شراكة غير مسبوقة" مع بريطانيا بعد بريكست، إذا التزم الطرفان بالتعهدات التي قطعت خلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد.

وحسب وكالة فرانس برس، قال خلال جلسة للبرلمان الأوروبي "الاتفاق المطروح هو الوحيد وأفضل الممكن"، في إشارة إلى "معاهدة خروج" بريطانيا، وإطار علاقتها المقبلة مع الاتحاد الأوروبي، اللذين وافق عليهما، الأحد، القادة الأوروبيون، خلال قمة استثنائية.

وتحتاج هذه الاتفاقات أن تنال موافقة البرلمان الأوروبي، خصوصاً البرلمان البريطاني. وقال بارنييه "سأحترم فترة النقاشات البرلمانية الديمقراطية"، مع أن الاتحاد الأوروبي حذّر من أنه لن تكون هناك مفاوضات جديدة في حال رفضها البرلمان البريطاني.

وأعلن بارنييه، أمام النواب الأوروبيين في بروكسل، أن "مصلحتنا المتبادلة هي التوصل إلى شراكة طموحة" في العلاقة المقبلة، إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل "منظم"، أي في إطار اتفاق تم التفاوض بشأنه.

وأشار إلى الشراكة في تجارة "السلع والخدمات والرقمي والنقل والتنقل والأسواق والطاقة والأمن الداخلي، وبالطبع السياسة الخارجية لضمان استقرار قارتنا".

وقال بارنييه "الشراكة مع بريطانيا ستكون غير مسبوقة بسبب حجم مواضيع التعاون"، إذا ما احترمت بنود "الإعلان السياسي" حول العلاقات بعد بريكست. وأضاف "نظراً إلى الإرادة البريطانية بالخروج من الاتحاد الأوروبي والسوق الواحدة، لا يمكن أن يسود الجمود مستقبلاً، وواجبنا هو أن نقول ذلك خصوصاً للمؤسسات التي يجب أن تستعد".

من جهته، رأى النائب الأوروبي البريطاني نايجل فراج، الزعيم السابق لحزب استقلال المملكة المتحدة، أن اتفاق بريكست "جيد بالنسبة للاتحاد الأوروبي". وتابع "بالنسبة لبريطانيا، أعتقد أنه أسوأ اتفاق في التاريخ، كما قال ترامب"، متوقعاً ألا يصادق عليه البرلمان البريطاني. ورغم مفاوضات بريكست، أكد بارنييه، الخميس، مجدداً "احترامه" لبريطانيا.

وقال "بريطانيا بلد عظيم، بفضل ثقافتها وتاريخها وتضامنها، خصوصاً في المراحل المأساوية التي مرت بها أوروبا في القرن العشرين، وتضامنها التام واقتصادها ونوعية دبلوماسيتها".
المساهمون