انتفاضة لبنان صامدة: انتصار جديد للحراك

11 نوفمبر 2019
من الاعتصام أمام مصرف لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -
على وقع استمرار الحراك في الشارع اللبناني لليوم الـ26 للانتفاضة التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان المنتفضون يحققون انتصاراً جديداً بدفعهم لتأجيل جلسة البرلمان التي كانت مقررة غداً الثلاثاء، والتي سعى المتظاهرون لمنع عقدها عبر الدعوة لإغلاق الطرقات المؤدية إلى المجلس، قبل أن يعلن رئيسه نبيه بري اليوم الاثنين تأجيل الجلسة للأسبوع المقبل، لتمرير مشروع قانون العفو العام الذي تُظهر المعطيات أنه سيكون عفواً عن جرائم مالية وسياسية ترتبط بأزلام السلطة أساساً.
في المقابل، برز اليوم استنفار سياسي من أركان السلطة، عبر تصريحات مختلفة لهم، من بري إلى الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي لم يتحدث عن ملف تشكيل الحكومة لأن المفاوضات ما زالت مستمرة، وفق قوله، علماً أن وكالة "رويترز" كانت قد كشفت أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود. كذلك كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يعقد مؤتمراً صحافياً حاول خلاله تطمين اللبنانيين على استقرار العملة الوطنية (الليرة) وحماية الودائع في المصارف، معلناً أنه طلب من المصارف أن تعيد النظر بإجراءات اتخذتها منذ انطلاق الانتفاضة. ومقابل تطمينات سلامة، أعلن اتحاد نقابات موظفي المصارف الإضراب اعتباراً من يوم غد الثلاثاء لدواعٍ أمنية، وسط الاحتجاجات وغضب المودعين الذين يطالبون بسحب أموالهم.



وفيما كان اللبنانيون يواصلون الحراك في الشارع اليوم، أعلن رئيس البرلمان نبيه بري تأجيل جلسة البرلمان التي كانت مقررة غداً لمدة أسبوع. وكان المحتجون قد دعوا إلى تظاهرات في محيط البرلمان لمنع وصول النواب إليه، علماً أن النائب ياسين جابر، عضو كتلة "التنمية والتحرير" التي يترأسها بري، كان قد تقدّم باقتراح قانون لمنح العفو العام عن عدد من الجرائم المرتكبة. وأثار هذا الاقتراح انتقادات من ناشطين ومجموعات حقوقية، رأت فيه التفافاً على مطالب المتظاهرين بالإصلاح، ومحاولة لتحقيق مكاسب سياسية واستمالة فئات معينة تستفيد منه، خصوصاً في طرابلس شمالاً حيث مئات الموقوفين الإسلاميين، وفي منطقة البقاع، حيث آلاف المطلوبين بتهم زراعة الحشيش وترويج المخدرات وتعاطيها.
وقال بري، في مؤتمر صحافي اليوم بعد اجتماع لكتلته "التنمية والتحرير"، إنه "نظراً إلى الوضع السائد والوضع الأمني المضطرب، ولأن التمسك بالأمن قبل كل شيء، وانطلاقاً من هذا السبب دون غيره، قررتُ أن أرجئ جلسة يوم غد إلى الثلاثاء 19 الحالي بجدول الأعمال عينه". واعتبر أن "الوقوف ضد الجلسة التشريعية والضجة المفتعلة ليس بسبب اقتراح قانون العفو كما يُزعَم، أو اقتراح أي قانون آخر، فالحملة التي قامت تهدف لإبقاء الفراغ السياسي القائم حالياً، ولأنها ليست من مصلحة مخططي الفراغ هؤلاء".
وبعدها بوقت قليل، خرج الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في إطلالة تلفزيونية، ليقول: "في ما يتعلق ببحث الحكومة والتكليف والتأليف، اللقاءات متواصلة والنقاشات الدائرة في البلد. أنا لن أتحدث في أمر لسنا مضطرين الآن لكي ندلي بأي كلام عنه، وسنترك الباب مفتوحاً".
لكن كلام نصرالله يناقض الأجواء القائمة، فالرئيس اللبناني ميشال عون لم يبادر حتى اللحظة إلى تحديد موعد لبدء الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل حكومة جديدة، علماً أن رئيس الوزراء سعد الحريري قدّم استقالته في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينما الاتصالات في الكواليس من أجل التوافق على صيغة الحكومة المقبلة لا يبدو أنها تصل إلى نتيجة. وفي هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن "ثلاثة مصادر رفيعة" أمس أن المحادثات السياسية الرامية للتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة وصلت إلى طريق مسدود. وقالت المصادر إن اجتماعاً بين الحريري ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، وهو من حركة "أمل"، والمسؤول في "حزب الله" حسين الخليل، مساء السبت الماضي، انتهى من دون تحقيق أي انفراجة بشأن تشكيل الحكومة. وقال مصدر مطلع على موقف الحريري في المحادثات "الأزمة تتعمق". وقال مصدر رفيع آخر، مطلع على موقف "حزب الله" وحركة "أمل": "لم يتغير شيء. حتى الآن الطريق مسدود تماماً". وقال أحد المصادر إن خليل والخليل طرحا خلال الاجتماع موقف حزبيهما القائل إن الحريري يجب أن يعود على رأس حكومة "تكنوسياسية". لكن الحريري أعلن أنه يوافق فقط على ترؤس حكومة تكنوقراط غير حزبية. وقال المصدر "عملياً يريد حكومة خالية من حزب الله". وأضاف "لا شيء تغير حتى الآن. الطريق مسدود بالكامل. بعد مرور عشرة أيام لا بد أن تنحسم الأمور". وقال المصدر المطلع على موقف الحريري إنه يعتقد أن هناك مسعى من "حزب الله" وحركة "أمل" و"التيار الوطني الحر" لضم سياسيين مرفوضين من المحتجين إلى الحكومة. ومن بين هؤلاء رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية في الحكومة المنتهية ولايتها جبران باسيل. وقال المصدر إنه "إذا عادت هذه الوجوه إلى الحكومة سندفع الشارع للعودة للاحتجاج بطريقة أكبر".
في السياق نفسه، قال النائب إبراهيم كنعان، أمين سر تكتل "لبنان القوي" الذي يترأسه باسيل، بعد اجتماع للتكتل، اليوم إن طرح فريقه الأساسي هو "حكومة أخصائيين يوافق عليها المجلس النيابي لتستطيع أن تقلع، ويتمثل فيها الحراك"، آملاً "التوصل قريباً إلى ولادة حكومة تفتح الباب على الحل الاقتصادي المطلوب".
في غضون ذلك، استمر الحراك على الأرض، واعتصم متظاهرون أمام مصرف لبنان المركزي وقطعوا الطريق لبعض الوقت، وسط دعوات إلى رحيل سلامة. كما نفذ طلاب في عدد من الجامعات وقفات احتجاجية، فيما أعلن وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب إغلاق المدارس والجامعات غداً الثلاثاء. وفي بيروت، بات عشرات المتظاهرين ليلة الأحد-الاثنين في خيم نصبوها أمام مؤسسة كهرباء لبنان. وتجمّع المئات ليلاً وهم يقرعون الطناجر أمام المؤسسة مرددين "ثورة ثورة". كما أفادت وكالة "الأناضول" بأنَّ مسيرة تضمّ نحو 30 مركباً بحرياً لصيّادي الأسماك انطلقت من ميناء صيدا جنوبي لبنان، صباح اليوم، رافعةً الأعلام اللبنانية، بمُشاركة عدد من المحتجين، دعماً لحقوق الصيّادين، وتأييداً لمطالب الانتفاضة. ومساء تجمّع الآلاف في ساحات الاعتصام الرئيسية، لا سيما في ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت، وفي مدينة طرابلس الشمالية، وصيدا جنوباً.