28 أكتوبر 2024
انتصرت القدس
لم تنتظر القدس عودة الرئيس محمود عباس من الصين، وربما لم تسمع عن دعوته بعد العودة الميمونة إلى عقد اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينية في رام الله مساء الجمعة، بعد أكثر من أسبوع على إغلاق المسجد الأقصى، وبعد أن يكون أهل القدس، وإخوانهم في فلسطين كلها، قد أمضوا سحابة نهار آخر، بعد ليل طويل، في كرّ وكرّ على حواجز الشرطة الصهيونية في أرجاء فلسطين، لمنعهم من التوجه إلى القدس، حيث اعتصم من وصل منهم إلى شوارعها على مداخل الطرق المؤدية إلى الأقصى، بعد أن ملّوا من الفرّ والفرّ الذي برعت في ممارسته النُخب وأركان السلطة، ومن يدّعي النطق بلسان أجهزتها الأمنية، ودعواتهم إلى التعقل، وإيهامهم بقدرتهم على حل جميع ما هو عالق، من خلال الطريق الذي برعوا في السير في سراديبه، والغوص في دهاليز مفاوضاته، والاختباء وراء مبادرةٍ لم تأتِ، وصفقةٍ لن تُعقد، وهاتفٍ يُقرع بعد كل اعتداء، وكراسي ومواقع لن تدوم لأصحابها في وطنٍ عرف الطريق منذ صيرورته إلى الشهادة والحرية، وبرع في طرد أعدائه ومحتليه من جباله وروابيه.
للأقصى أربع عشرة بوابة تحرسه، أغلق العدو الصهيوني منها، في تدابيره أخيرا، عشرا منها، وأبقى على باب العمود مدخلًا خصّصه لاجتياحات المستوطنين الصهاينة المسجد، بحراسة حراب الجنود وبنادقهم، ووضع بوابات إلكترونية على ثلاث بوابات؛ خصّصها لعبور عشرات آلاف المصلين، في مواقيت الصلوات الخمس. ما يعني عمليًا عدم السماح إلّا لعشرات منهم بالولوج إلى المسجد، وإحكام سيطرته عليه.
منذ اللحظة الأولى، اجتمع شيوخ القدس وقساوستها، رجالها ونساؤها، شبابها وصباياها،
وقرّروا وحدهم، ومن دون الرجوع إلى أحد، الابتعاد عن النصائح المسمومة، والاقتراب من قلب الوطن والانصهار فيه. قرّروا عدم الانصياع لإرادة المحتل، والامتناع عن العبور عبر بواباته الإلكترونية، واعتبروا كل صلاة في الأقصى لمن يلج إليه عبر إجراءات العدو باطلة، فباتت القدس كلها مسجدًا، بعد أن قرّروا إغلاق مساجدها كلها، والإبقاء على الصلاة أمام بوابات المسجد الأقصى، وفي الشوارع المؤدية إليه. هناك وقف الجميع كتفًا بكتف، رجالًا ونساءً، مسلمين ومسيحيين، يؤدون صلاة واحدة يعلنون فيها أنّ القدس انتصرت على أعدائها.
انتصرت القدس عبر دماء الشهداء والجرحى من أبنائها الذين قضوا في شوارعها وساحاتها منذ أطلقت انتفاضتها وحتى يوم جمعة الغضب، على الرغم من إجراءات العدو الذي قام بتحويل القدس إلى ثكنة عسكرية، وزجّ فيها أكثر من خمسة عشر ألف جندي، ومنع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 52 عامًا من دخول البلدة القديمة، ونشر آلاف الجنود على امتداد فلسطين لمنع العرب من التوجه إليها.
انتصرت القدس، حين قرّرت مدنٌ عربية داخل الخط الأخضر إقامة صلاة الجمعة في القدس بدلًا من مساجدهم، حين توجهت جموعٌ من أهالي مدن الضفة الغربية، في محاولة للوصول إلى القدس، فأقامت صلواتها على الحواجز الصهيونية في مداخل المدن، وسرعان ما تحوّلت هذه الحواجز إلى نقاط اشتباك وتماس.
انتصرت القدس، حين استردّت قرارها، وعزلت النخب المتسلطة والمتسلقة على القرار
الوطني، ولم تستمع إلى نصائحهم، أو ترضخ لطلباتهم القاضية بعودة الهدوء وتسليم أمر القدس ومسجدها الأقصى لهؤلاء الذين سيحوّلونه إلى بندٍ في سجل مفاوضاتهم التي لا يعلم أحد متى تبدأ وأين تنتهي. كما لم تستمع لتهديداتهم التي ينطقون بها باسم الاحتلال، ولا لتحذيراتهم من عواقب التصعيد مع المحتل، وما سيجرّه هذا إلى تضييقٍ على القدس وأهلها، في ظلّ الصمت الرسمي العربي على ما يجري، وانشغال العرب بحروبهم، ولهاثهم وراء صفقة القرن المزعومة.
من البديهي أنّ الجماهير قد تسبق نخبها أحيانًا، فحسّ الجماهير لا يخطئ، وليس عيبًا أن تلتحق النخب بجماهيرها، بل وأن تسعى إلى تعميق حراكها وقيادته وتحقيق الإنجازات الممكنة منه. ولكن العيب، كل العيب، ألّا تلتقط النخب تلك اللحظات الثورية والهبّات المتعاقبة، بل وأن تسعى، بلا خجل، إلى الالتفاف عليها وإجهاضها، والحيلولة دون أن تتحول إلى فعل ثوري متراكم، عندها تصبح هذه النخب، وما تمثّله، عبئًا على الجماهير، وينبغي، وبوضوح، عدم الاعتماد عليها، أو التعويل على ما يمكن أن ينتج منها، وهو بإيجاز ما اكتشفته القدس، منذ اللحظات الأولى، وهو السر الذي إنْ تمسّكت به سيكون عنوانًا لانتصارها الكبير.
انتصرت القدس أيضًا حين حوّلت رئيس الوزراء الصهيوني إلى وسيطٍ بين أجهزته الأمنية المختلفة بشأن جدوى استمرار البوابات الإلكترونية، وهو انتصارٌ يكشف هشاشة النظام الصهيوني، والقدرة على دحره وإلحاق الهزيمة به. وانتصرت القدس، حين علت إرادة جماهيرها على إرادة النظام الرسمي العربي الذي زعم رئيس الوزراء الصهيوني أنّه أجرى اتصالاتٍ، مباشرة تارة، وعبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تارة أخرى مع عدد من رموزه، موحيًا بأنّه حصل على موافقات ورضىً على إجراءاته الخاصة بالمسجد الأقصى.
مع إرادة القدس الواضحة والجلية، لن يجرؤ أحد على موافقة نتنياهو على إجراءاته، بل وستتعثر مسيرة التطبيع التي كانت تسير بسرعةٍ غير مسبوقةٍ، نتيجة استبدال العدو الصهيوني بأعداء آخرين مفترضين، وعبر إشراك العدو الصهيوني في منظومات أمنٍ عربية.
انتصار القدس حتمي، ولن تمرّ مخططات العدو تجاهها، بل لعلنا نستبق الأحداث، فنقول إنّ ألسنة لهيب الانتفاضة التي تتوالى هباتها منذ سنتين، والتي بدأت من القدس، توشك أن ترتفع عاليًا، مؤشرة إلى مرحلةٍ جديدة في النضال الوطني الفلسطيني.
للأقصى أربع عشرة بوابة تحرسه، أغلق العدو الصهيوني منها، في تدابيره أخيرا، عشرا منها، وأبقى على باب العمود مدخلًا خصّصه لاجتياحات المستوطنين الصهاينة المسجد، بحراسة حراب الجنود وبنادقهم، ووضع بوابات إلكترونية على ثلاث بوابات؛ خصّصها لعبور عشرات آلاف المصلين، في مواقيت الصلوات الخمس. ما يعني عمليًا عدم السماح إلّا لعشرات منهم بالولوج إلى المسجد، وإحكام سيطرته عليه.
منذ اللحظة الأولى، اجتمع شيوخ القدس وقساوستها، رجالها ونساؤها، شبابها وصباياها،
انتصرت القدس عبر دماء الشهداء والجرحى من أبنائها الذين قضوا في شوارعها وساحاتها منذ أطلقت انتفاضتها وحتى يوم جمعة الغضب، على الرغم من إجراءات العدو الذي قام بتحويل القدس إلى ثكنة عسكرية، وزجّ فيها أكثر من خمسة عشر ألف جندي، ومنع الرجال الذين تقل أعمارهم عن 52 عامًا من دخول البلدة القديمة، ونشر آلاف الجنود على امتداد فلسطين لمنع العرب من التوجه إليها.
انتصرت القدس، حين قرّرت مدنٌ عربية داخل الخط الأخضر إقامة صلاة الجمعة في القدس بدلًا من مساجدهم، حين توجهت جموعٌ من أهالي مدن الضفة الغربية، في محاولة للوصول إلى القدس، فأقامت صلواتها على الحواجز الصهيونية في مداخل المدن، وسرعان ما تحوّلت هذه الحواجز إلى نقاط اشتباك وتماس.
انتصرت القدس، حين استردّت قرارها، وعزلت النخب المتسلطة والمتسلقة على القرار
من البديهي أنّ الجماهير قد تسبق نخبها أحيانًا، فحسّ الجماهير لا يخطئ، وليس عيبًا أن تلتحق النخب بجماهيرها، بل وأن تسعى إلى تعميق حراكها وقيادته وتحقيق الإنجازات الممكنة منه. ولكن العيب، كل العيب، ألّا تلتقط النخب تلك اللحظات الثورية والهبّات المتعاقبة، بل وأن تسعى، بلا خجل، إلى الالتفاف عليها وإجهاضها، والحيلولة دون أن تتحول إلى فعل ثوري متراكم، عندها تصبح هذه النخب، وما تمثّله، عبئًا على الجماهير، وينبغي، وبوضوح، عدم الاعتماد عليها، أو التعويل على ما يمكن أن ينتج منها، وهو بإيجاز ما اكتشفته القدس، منذ اللحظات الأولى، وهو السر الذي إنْ تمسّكت به سيكون عنوانًا لانتصارها الكبير.
انتصرت القدس أيضًا حين حوّلت رئيس الوزراء الصهيوني إلى وسيطٍ بين أجهزته الأمنية المختلفة بشأن جدوى استمرار البوابات الإلكترونية، وهو انتصارٌ يكشف هشاشة النظام الصهيوني، والقدرة على دحره وإلحاق الهزيمة به. وانتصرت القدس، حين علت إرادة جماهيرها على إرادة النظام الرسمي العربي الذي زعم رئيس الوزراء الصهيوني أنّه أجرى اتصالاتٍ، مباشرة تارة، وعبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تارة أخرى مع عدد من رموزه، موحيًا بأنّه حصل على موافقات ورضىً على إجراءاته الخاصة بالمسجد الأقصى.
مع إرادة القدس الواضحة والجلية، لن يجرؤ أحد على موافقة نتنياهو على إجراءاته، بل وستتعثر مسيرة التطبيع التي كانت تسير بسرعةٍ غير مسبوقةٍ، نتيجة استبدال العدو الصهيوني بأعداء آخرين مفترضين، وعبر إشراك العدو الصهيوني في منظومات أمنٍ عربية.
انتصار القدس حتمي، ولن تمرّ مخططات العدو تجاهها، بل لعلنا نستبق الأحداث، فنقول إنّ ألسنة لهيب الانتفاضة التي تتوالى هباتها منذ سنتين، والتي بدأت من القدس، توشك أن ترتفع عاليًا، مؤشرة إلى مرحلةٍ جديدة في النضال الوطني الفلسطيني.