13 سبتمبر 2015
انتشال "الحد الأدنى"
بديهي وطبيعي في مرحلة لا تتوفر فيها قيادة مرجعية موحّدة أن تتباين وتختلف وتفترق أساليب النضال، ووسائله وأدواته، وأن يتصاعد جدل داخلي صادق حول نجاعتها ودورها. وقد يفرض منطق الحرص على جميع الجهود أن تتغلب الدعوة إلى الاحتفاء بكل أشكال النضال، ودعمها، على النقد المستمر الموجه لها، إلا أن موجة تبرير أساليب نضالية جديدة بعينها تنطوي على مغالطات كثيرة، ومن الواضح أن تلك المغالطات غير موعى بها، ولا تصدر عن سبق إصرار، بل ترد في جملة سجالات واستدراكات للرد على الناقدين.
إن النظر إلى علاقة مجموع الفلسطينيين مع الأشكال النضالية المختلفة، منذ بدأ نضالهم، يحض على التوقف عند ما يعرف "بالحد الأدنى" من المشاركة النضالية، وهذا كان في حالات معينة إيواء الفدائيين والمناضلين وإسنادهم، وأصبح، في مراحل أخرى، التبرع بنصيب مقسوم من المال لصالح الثورة ومقاتليها، وبات، في مراحل لاحقة، مقاومة شعبية واسعة ومواجهات مع الاحتلال، ثم غدا مظاهرات لا تصل إلى الاحتلال ولا تواجهه. واستمر الحد الأدنى بالتغير، تبعاً لظروف موضوعية وغير موضوعية لكل مرحلة، إلا أن الملاحظة البسيطة لمساره تظهر تدهوراً مستمراً في فعاليته وطبيعة اتصاله بالعمل النضالي ككل.
وتتجلى المشكلة في الإقرار بأننا لا نقوى على المشاركة، إلا "بالحد الأدنى"، كأنه معطى ثابت وغير خاضع لموقف وقرار عملي ووطني، أو يسهل القول، إن لم تكن تريد المشاركة بهذه الطريقة، أو تلك، لتفعل كذا وهو "الحد الأدنى". ومن المهم التنبّه، هنا، إلى ما يفرض الحد الأدنى، فقد يكون مفهوماً أن تفرضه "القدرة"، لا "الكلفة"، أي أن انتهاج أسلوب نضالي ما قد تفرضه ظروف موضوعية، تتعلق بقدرة الفلسطيني على المشاركة بهذا الجانب من العمل النضالي دون غيره، كاقتصاره على النضال الثقافي والتبرع المادي، بسبب وجوده في المنفى مثلاً. أما أن يتم اختيار الأسلوب النضالي بمنطق أنه الأقل كلفة، ولا تبعات مترتبة عليه، فلا يبدو هذا منطقاً سليماً ولا نضالياً.
وفي هذا السياق، يتم التغافل عن أن "الحد الأدنى" هو الاستثناء لا القاعدة، وهو خيار الأقلية لا الأغلبية، وهذا غير حاصل فعلياً، فالحد الأدنى يطرح اليوم كخيار الأغلبية الساحقة، وتبدو الأشكال النضالية "الأكثر كلفة" من اختصاص الأقليّة الضيقة. ويتضح، اليوم، كيف بات فلسطينيون كثيرون ينظرون إلى المقاومة، أو الكفاح المسلح، وحتى المقاومة الشعبية، كمهمات من اختصاص فئات معينة، أو كفروض كفاية، تسقط عن الجميع، إن توفر من يؤديها.
واللافت المعبّر أن وجهة "الحد الأدنى" تشهد تغيّراً مستمراً، فبعد أن كان موجهاً للاحتلال وعلى مواجهة معه، بات موجهاً للعالم أو للفلسطينيين أنفسهم. وما أسهل التلاعب بالحد الأدنى وتوجيهه، وهذا ما أتقنته السلطة والأحزاب الفلسطينية، وتوفرت خطابيات كاملة شارحة مفصّلة لعلاقة هذا الحد الأدنى بالاحتلال وأثره عليه.
ومع الوقت، استدخل الفلسطينيون عباراتٍ من قبيل "حتى نظهر للعالم ونؤكد له ونخبره"، وبات كل عمل يندرج في هذا السياق نضالاً، ليس بالحد الأدنى فقط، بل يجد له من يضعه على رأس الأساليب النضالية، وفي مقدمتها، أو يستبدله بأساليب أخرى.
لا شك أن منظومة أساليب نضالية متكاملة ستجعل "الحد الأدنى" مدخلاً لأشكال نضالية أهم، لكن مراقبة الآلية "الكرنفالية" التي تحيي بها دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية ذكرى النكبة، تظهر في أي درك سحيق يقبع "الحد الأدنى" اليوم، وتُظهر أنه يحتاج من ينتشله، ويعيد إليه القليل من الاعتبار، لأن بقاءه على تلك الحال سيدفع كثيرين إلى فقدان الشعور بجدوى النضال برمّته، ولعل الاقتناع بجدوى الفعل النضالي ضمانة مهمة لفعاليته وعدم تدهوره.
و"الجدوى" هنا تدرك بالبداهة، ولا تحتاج شروحاً ومناوشات ومزايدات، لأن دخولها في دوامة السجال الواسع يشي إلى حدّ بعيد بعدم توفرها. لن يختلف أحد على أن رعاية أبناء أسير، وتمكينهم من الدراسة الجامعية، أو العمل، مثلاً، عمل ذو جدوى وطنياً وإنسانياً، لكننا قد نحتاج شرحاً طويلاً، حتى يفهم أسير معتقل منذ عشر سنوات، ومحكوم بعدة مؤبدات، ماذا يعني "هاشتاج"، ناهيك عن إقناعه بأن تحويله إلى "ترند" يشكّل دعماً للأسرى المضربين عن الطعام.
إن النظر إلى علاقة مجموع الفلسطينيين مع الأشكال النضالية المختلفة، منذ بدأ نضالهم، يحض على التوقف عند ما يعرف "بالحد الأدنى" من المشاركة النضالية، وهذا كان في حالات معينة إيواء الفدائيين والمناضلين وإسنادهم، وأصبح، في مراحل أخرى، التبرع بنصيب مقسوم من المال لصالح الثورة ومقاتليها، وبات، في مراحل لاحقة، مقاومة شعبية واسعة ومواجهات مع الاحتلال، ثم غدا مظاهرات لا تصل إلى الاحتلال ولا تواجهه. واستمر الحد الأدنى بالتغير، تبعاً لظروف موضوعية وغير موضوعية لكل مرحلة، إلا أن الملاحظة البسيطة لمساره تظهر تدهوراً مستمراً في فعاليته وطبيعة اتصاله بالعمل النضالي ككل.
وتتجلى المشكلة في الإقرار بأننا لا نقوى على المشاركة، إلا "بالحد الأدنى"، كأنه معطى ثابت وغير خاضع لموقف وقرار عملي ووطني، أو يسهل القول، إن لم تكن تريد المشاركة بهذه الطريقة، أو تلك، لتفعل كذا وهو "الحد الأدنى". ومن المهم التنبّه، هنا، إلى ما يفرض الحد الأدنى، فقد يكون مفهوماً أن تفرضه "القدرة"، لا "الكلفة"، أي أن انتهاج أسلوب نضالي ما قد تفرضه ظروف موضوعية، تتعلق بقدرة الفلسطيني على المشاركة بهذا الجانب من العمل النضالي دون غيره، كاقتصاره على النضال الثقافي والتبرع المادي، بسبب وجوده في المنفى مثلاً. أما أن يتم اختيار الأسلوب النضالي بمنطق أنه الأقل كلفة، ولا تبعات مترتبة عليه، فلا يبدو هذا منطقاً سليماً ولا نضالياً.
وفي هذا السياق، يتم التغافل عن أن "الحد الأدنى" هو الاستثناء لا القاعدة، وهو خيار الأقلية لا الأغلبية، وهذا غير حاصل فعلياً، فالحد الأدنى يطرح اليوم كخيار الأغلبية الساحقة، وتبدو الأشكال النضالية "الأكثر كلفة" من اختصاص الأقليّة الضيقة. ويتضح، اليوم، كيف بات فلسطينيون كثيرون ينظرون إلى المقاومة، أو الكفاح المسلح، وحتى المقاومة الشعبية، كمهمات من اختصاص فئات معينة، أو كفروض كفاية، تسقط عن الجميع، إن توفر من يؤديها.
واللافت المعبّر أن وجهة "الحد الأدنى" تشهد تغيّراً مستمراً، فبعد أن كان موجهاً للاحتلال وعلى مواجهة معه، بات موجهاً للعالم أو للفلسطينيين أنفسهم. وما أسهل التلاعب بالحد الأدنى وتوجيهه، وهذا ما أتقنته السلطة والأحزاب الفلسطينية، وتوفرت خطابيات كاملة شارحة مفصّلة لعلاقة هذا الحد الأدنى بالاحتلال وأثره عليه.
ومع الوقت، استدخل الفلسطينيون عباراتٍ من قبيل "حتى نظهر للعالم ونؤكد له ونخبره"، وبات كل عمل يندرج في هذا السياق نضالاً، ليس بالحد الأدنى فقط، بل يجد له من يضعه على رأس الأساليب النضالية، وفي مقدمتها، أو يستبدله بأساليب أخرى.
لا شك أن منظومة أساليب نضالية متكاملة ستجعل "الحد الأدنى" مدخلاً لأشكال نضالية أهم، لكن مراقبة الآلية "الكرنفالية" التي تحيي بها دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية ذكرى النكبة، تظهر في أي درك سحيق يقبع "الحد الأدنى" اليوم، وتُظهر أنه يحتاج من ينتشله، ويعيد إليه القليل من الاعتبار، لأن بقاءه على تلك الحال سيدفع كثيرين إلى فقدان الشعور بجدوى النضال برمّته، ولعل الاقتناع بجدوى الفعل النضالي ضمانة مهمة لفعاليته وعدم تدهوره.
و"الجدوى" هنا تدرك بالبداهة، ولا تحتاج شروحاً ومناوشات ومزايدات، لأن دخولها في دوامة السجال الواسع يشي إلى حدّ بعيد بعدم توفرها. لن يختلف أحد على أن رعاية أبناء أسير، وتمكينهم من الدراسة الجامعية، أو العمل، مثلاً، عمل ذو جدوى وطنياً وإنسانياً، لكننا قد نحتاج شرحاً طويلاً، حتى يفهم أسير معتقل منذ عشر سنوات، ومحكوم بعدة مؤبدات، ماذا يعني "هاشتاج"، ناهيك عن إقناعه بأن تحويله إلى "ترند" يشكّل دعماً للأسرى المضربين عن الطعام.