انتخابات لبنان 2018: تحالفات مصلحية لتقاسم البرلمان

27 مارس 2018
زحمة إعلانات انتخابية في بيروت أمس (حسين بيضون)
+ الخط -
انتهت المرحلة الثانية تقنياً من محطة الانتخابات النيابية اللبنانية، المقررة في 6 مايو/ أيار المقبل، عقب إقفال باب تسجيل اللوائح رسمياً في وزارة الداخلية بموجب القانون الجديد، منتصف ليل أمس الاثنين ـ الثلاثاء، لينصرف الجميع إلى التحضير لمعركة التحشيد الاعتيادية. واتضحت معالم المعركة الانتخابية بين التكتلات السياسية في لبنان، إلا أن تفصيلاً واحداً أظهر الفارق بين الانتخابات في لبنان ومنطق الانتخابات عالمياً: التحالفات الهجينة والغريبة وغير المبدئية ولا السياسية، أي الانتخابية البحتة، التي لا تهدف إلا إلى تقاسم النواب الـ128 بين الأحزاب والقوى السلطوية والطائفية.

وتُظهر خارطة التحالفات الانتخابية "على القطعة"، أي في كل منطقة بمنطقتها، كما أن هذه الدورة الانتخابية تجري بلا برامج سياسية، بدليل تحالف "الأعداء" في مناطق معينة، والتنافس بين الحلفاء في مناطق أخرى مثلاً. من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وفي داخل كل المعسكرات، والطوائف، بدت التحالفات وكأنها سوريالية في بعض الأحيان. مع العلم أنه في القانون النسبي، عليك انتخاب لائحة كاملة، ولا يحقّ لك التشطيب أو تشكيل اختيارك للمرشحين من لوائح متعددة، كما كان الأمر عليه في مختلف الانتخابات النيابية السابقة في لبنان. وعليه، فأن تنتخب لائحة تضمّ حزبك مع أحزاب كانت مصنّفة ضمن صفوف الخصوم لا بل "الأعداء" سابقاً، قد يُمكن استيعابه، أما أن تنتخب حزباً حليفاً لحزبك في دائرة ما، ثم على صديقك في دائرة أخرى الاقتراع ضد هذا الحليف بالذات، فهو أمر غريب، لأن التحالفات انتخابية ومناطقية، أي أن من تتحالف معه في دائرة ما، سيكون خصمك في دائرة أخرى، في انعكاس جديد لخلو هذه الانتخابات من البرامج السياسية، وفي استخفاف بعقول الناس. لكن القانون الانتخابي الجديد، الذي يستند على قاعدة نسبية مشوهة في هذه الدورة، قد يخلط أوراقاً عديدة في توقع خريطة الفائزين والخاسرين، لكن، يسود إجماع على أنّ الأحزاب الطائفية الكبرى ستكون "خسائرها" محدودة بفعل البند النسبي في القانون الجديد، ولأنها ستعوّض خسارة نائب في دائرة معينة، بالفوز بمقعد لم تكن لتناله لو ظل القانون أكثرياً بكامل بنوده مثلما كان عليه الحال منذ تأسيس لبنان. وكان كثيرون في لبنان متفائلين بإمكانية تشكيل لوائح معارضة لأحزاب السلطة باسم المجتمع المدني حيناً، واليسار أحياناً. إلا أنه ظهر جلياً أن أمراض الهوس بمقعد انتخابي منتشرة بقوة داخل هذه التيارات أيضاً، وهي التي تبلورت في لبنان خلال العامين الماضيين. هكذا، عجز هذا التيار العام عن لمّ صفوفه، فانقسم مرشحوه إلى لوائح متنافسة، وخلت أي دائرة من لائحة واحدة موحدة لما بات يسمى في لبنان بـ"المجتمع المدني"، والمقصود فيه تيار علماني خارج عن الاصطفاف الطائفي، أولوياته تتركز على محاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية ومفهوم الدولة وحصر السلاح بيدها.

اتضحت التحالفات رسمياً في الدوائر الانتخابية الـ15، وفقاً للقانون النسبي المشوَّه. في دائرة عكار (أقصى شمال لبنان، دائرة مختلطة مع غالبية إسلامية)، يتحالف تيار المستقبل (حزب رئيس الحكومة سعد الحريري) مع القوات اللبنانية (سمير جعجع) في مواجهة التيار الوطني الحرّ (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون) والجماعة الإسلامية (الفرع اللبناني في الإخوان المسلمين)، فيما يشكّل المردة (حزب سليمان فرنجية) لائحة ثالثة. في دائرة طرابلس ـ المنية ـ الضنية، (شمال، ذات غالبية إسلامية كبيرة)، تتصارع لوائح عدة في مواجهة بعضها البعض، أبرزها تيار المستقبل وتيار العزم (رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي) والجماعة الإسلامية ولائحة "8 آذار" (حلفاء النظام السوري وحزب الله وإيران) بقيادة فيصل كرامي. في دائرة بشرّي ـ زغرتا ـ الكورة ـ البترون (شمال، دائرة مسيحية بالكامل)، وهي دائرة المعركة الرئاسية لعام 2022، يتحالف تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ مع ميشال معوّض (الخصم اللدود للتيار الحر عادةً)، في مواجهة لائحة للكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية، ولائحة أخرى للمردة (حزب سليمان فرنجية الحليف للنظام السوري) والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب بطرس حرب (أحد أبرز شخصيات حركة 14 آذار المعارضة للنظام السوري ولحزب الله). وجعل ترشيح وزير الخارجية، صهر رئيس الجمهورية، جبران باسيل، في منطقة البترون، من المعركة محتدمة، وهو الطامح لرئاسة الجمهورية، رغم أنه سبق له أن خسر في معركتين انتخابيتين في 2005 و2009.



أما في دائرة كسروان ـ جبيل (شمال شرق بيروت، دائرة ذات غالبية مسيحية مع مقعد واحد شيعي)، وهي الدائرة التي مثلها عون قبل انتخابه رئيساً، فتتنافس فيها لائحة للتيار الوطني الحرّ تضمّ صهراً آخر لعون، هو العميد المتقاعد من الجيش شامل روكز، والذي سيخلف عمّه مبدئياً في أحد المقاعد النيابية لهذه المنطقة، في مواجهة لائحة غير مكتملة لحزب الله، ولائحة ثالثة تضمّ نواباً سابقين بقيادة النائبين السابقين فريد هيكل الخازن وفارس سعيد والكتائب، ولائحة رابعة للقوات اللبنانية، ولائحة خامسة للمجتمع المدني. 
في المتن (شرق بيروت، دائرة مسيحية صرف)، يشكّل التحالف بين التيار الوطني الحرّ وحزب الطاشناق (أرمن) والحزب السوري القومي الاجتماعي أساس المواجهة ضد الكتائب من جهة، وضد القوات اللبنانية من جهة أخرى، فضلاً عن لائحة للمجتمع المدني، ولائحة غير مكتملة للرقم الأصعب في تاريخ المتن بعد اتفاق الطائف (1990) ميشال المرّ، رجل العهد السوري في لبنان.

في بعبدا (شرق بيروت، دائرة مختلطة بين المسيحيين والمسلمين والدروز)، يتحالف حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ، ضد لائحة للقوات والحزب التقدمي الاشتراكي (حزب النائب وليد جنبلاط)، وضد لائحة للكتائب المتحالف مع المستقلين. أما في الشوف ـ عاليه، فيتحالف حزب القوات والاشتراكي والمستقبل، في مواجهة التيار الوطني الحرّ والجماعة الإسلامية والحزب الديمقراطي (حزب النائب طلال أرسلان) والحزب السوري القومي الاجتماعي، بينما يشكّل الكتائب ومستقلون لائحة ثالثة.

في العاصمة بيروت، التي قُسّمت إلى دائرتين (المعيار الأساسي للتقسيم هو طائفي)، يتحالف في الدائرة الأولى، وأغلب ناخبيها من المسيحيين، التيار الوطني الحرّ مع المستقبل والطاشناق، في مواجهة لائحة للقوات والكتائب، ولائحة للمجتمع المدني. وفي الدائرة الثانية في بيروت، ذات الغالبية السنية، تتواجه نحو 7 لوائح، أبرزها لائحة لتيار المستقبل، ولائحة لتحالف التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل والأحباش، ولائحة لفؤاد مخزومي (رجل أعمال ثري تُطرح علامات استفهام حول مصدر ثروته وحول طريقة حصد الأصوات للائحته)، وعدد من لوائح المجتمع المدني ومستقلين.



في دائرة صيدا ـ جزين (جنوب لبنان، وهي دائرة مسيحية ــ إسلامية تنقسم مقاعدها تقريباً بالتساوي)، يلعب الجميع بصورة فردية تقريباً: للمستقبل لائحة، وللقوات لائحة، وللتيار الوطني الحر لائحة، ولتحالف حزب الله وحركة أمل (نبيه بري) والتنظيم الشعبي الناصري لائحة. في دائرة صور ـ الزهراني (جنوب، غالبية إسلامية، وهي عقر دار نبيه بري)، يتحالف حزب الله وأمل في مواجهة لائحتين للمجتمع المدني ولليسار والشيوعيين، وللمستقلين. في دائرة بنت جبيل ـ مرجعيون ـ حاصبيا ـ النبطية (أقصى جنوب لبنان، ذات غالبية إسلامية، وهي عقر دار حزب الله وحركة أمل، وكانت سابقاً معقلاً لليسار اللبناني)، يتحالف حزب الله وأمل والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب القومي، في مواجهة لائحة تضمّ التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والحزب الديمقراطي، ولائحة ثالثة تضمّ اليسار وأساسها الحزب الشيوعي اللبناني، ولائحة رابعة للقوات اللبنانية ومستقلين ولائحة خامسة لمستقلين.

في راشيا ـ البقاع الغربي (جنوب شرق، مختلطة إسلامية مسيحية درزية)، يتحالف الحزب التقدمي الاشتراكي والمستقبل والقوات في مواجهة حزب الله وأمل والحزب السوري القومي الاجتماعي، وبغياب بارز للتيار الوطني الحرّ، فضلاً عن تنافس لوائح للمجتمع المدني في تلك الدائرة. في دائرة زحلة (شرق لبنان، دائرة مختلطة إسلامية مسيحية تقريباً بالتساوي)، يتنافس تحالف القوات والمستقبل والكتائب ضد لائحة للتيار الوطني الحر، ولائحة لحزب الله وأمل والنائب نقولا فتوش، ولائحة للكتلة الشعبية بقيادة ميريام سكاف، زوجة النائب الراحل الياس سكاف. وفي دائرة بعلبك ـ الهرمل (أقصى شرق لبنان على الحدود السورية اللبنانية، مختلطة ذات غالبية إسلامية وتشكل الخزان البشري لحزب الله ولحركة أمل)، يتحالف حزب الله وأمل ضد تحالف القوات والكتائب والمستقبل، فضلاً عن وجود لائحة للمجتمع المدني ومستقلين.

في كل تلك الدوائر، بدا التيار الوطني الحرّ "الأكثر حرصاً" على تنويع تحالفاته، بين جماعة إسلامية وتيار مستقبل وحزب الله وأمل، بينما لم يتحالف مع كل من المردة والكتائب والقوات، رغم أن القوات اللبنانية ساهمت بشكل كبير في إيصال ميشال عون إلى الرئاسة. أما المردة المؤيدون لحزب الله والنظام السوري، فيتحالفون مع بطرس حرب، وهو من صقور 14 آذار المؤيد لنزع سلاح حزب الله. كذلك الحال تحالف ميشال معوض الغريب مع التيار الحر، رغم أن الرجل (ابن رئيس جمهورية تم اغتياله ويُتهم النظام السوري بارتكاب الجريمة)، كان منذ 2005 خصماً لدوداً جداً للتيار الحر ولزعيمه ميشال عون. في المقابل، فإن حزب الله متحالف مع "أمل" فقط ومع التيار الوطني الحرّ في بعض الدوائر. الحزب السوري القومي الاجتماعي (الحليف بالكامل للنظام السوري)، يتحالف أيضاً مع التيار الوطني الحر في بعض الدوائر وكذلك مع أمل وحزب الله والمردة. كذلك القوات والمستقبل يتحالفان في بعض الدوائر ويتواجهان في أخرى. المعارك الأشرس انتخابياً ستكون في بعلبك ـ الهرمل وبشرّي ـ زغرتا ـ الكورة ـ البترون وزحلة وطرابلس. أما المعارك الأكثر هدوءاً فستكون في صور ـ الزهراني وبعبدا. وقد يكون أكثر ما يثير السخرية من هذه التحالفات اللبنانية أن عدداً كبيراً من المرشحين في لوائح سعد الحريري، كانوا قبل أشهر من أشدّ "أعدائه" (مثل محمد القرعاوي، ونعمة محفوض)، كذلك عدد بارز من مرشحي التيار الوطني الحر كانوا قبل أسابيع يكيلون له ولرئيسه الاتهامات لا بل الشتائم (مثل رياض رحال ومنصور البون وميشال معوض وعماد الحوت). أكثر من ذلك، تشهد هذه التحالفات انتقال نواب من حزب إلى آخر أو من لائحة إلى أخرى. على سبيل المثال، يترشح نائبان حاليان عن التيار الوطني الحر على لائحة مقابلة للتيار، هما يوسف خليل وجيلبرت زوين. كذلك، يترشح عدد من أبرز كوادر العونيين سابقاً في لوائح أحزاب منافسة للتيار الحر، مثل نعمان مراد وأنطون الخوري حرب وبسام الهاشم وإيلي الفرزلي...