انتخابات فلسطينية... قفزة لتعميق الانفصال

26 يناير 2019
محاوف من تكريس الأزمة الفلسطينية (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
عام جديد يضاف إلى عمر الانقسام في القضية الفلسطينية، تتسع فيه المسافات بين الفرقاء وتحديداً "حماس" و"فتح"، وتتسع معه حالة التراشق الإعلامي ورفض العودة إلى طاولة الحوار، والتلويح بمزيد من العقوبات والإجراءات ضد غزة. ولا يبدو مع كل هذا الاحتقان والابتعاد الداخلي أن الإعلان عن فكرة إجراء انتخابات تشريعية في غضون ستة أشهر ممكن، لا سيما وقد سكت الإعلان عن إجابة سؤال: ماذا عن الانتخابات الرئاسية؟ فبدا إعلان الذهاب للانتخابات التشريعية كما لو جاء فقط من أجل حل المجلس التشريعي، الذي ذهب هو الآخر لإنهاء ولاية الرئيس محمود عباس، فبدت الانتخابات كما لو أنها أداة لتعميق الانقسام بدلا من تحقيق المصالحة والاستقرار.
ظاهر الدعوة إلى الانتخابات مظهر ديمقراطي، لكنه يمر في بيئة من التحديات، فالذهاب لها يبدو كما لو كان فرضا تفرضه الرئاسة والرئيس محمود عباس من دون أي توافق أو اتفاق فلسطيني وطني، بل تبدو التبعات بعيدة وعميقة وقد تفضي إلى انفصال إذا ما منع مثلاً إجراء الانتخابات في غزة أو في القدس، وكل هذه السيناريوهات واردة وحاضرة. بينما يبقى السيناريو الأوفر حظا هو تأجيل الانتخابات من دون العودة للوراء، أي ما قبل حل المجلس التشريعي، ما يعني عمليًا خروج النظام السياسي الفلسطيني من مكوناته، واختصار السلطات كلها واقتصارها على السلطة التنفيذية ممثلة في شخص الرئيس. الأمر الذي سيؤثر على موقع السلطة وواقعها، لا سيما وقد أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه من هذا السيناريو، ما يعني أن الأمر لن يبقى حكراً على الساحة الفلسطينية الداخلية، لكنه قابل للتدويل أيضا.
إنّ المعطيات الحاصلة بمتغيراتها تدفع إلى بلورة انطباع بأن طرفي الانقسام لم يصلا، على ما يبدو، بعد إلى قناعة بضرورة إنهاء الانقسام وتقديم تنازلات تفضي إلى اختراق الانقسام واجتراح المصالحة الوطنية. فتح لا تريد أن تشاركها حماس في السلطة، وحماس لا تريد تسليم القطاع للسلطة. وما بين هذا وذاك، تبقى المصالحة تراوح مكانها، بل تتعمق أسباب الانقسام وتُمؤسس بشكل متسارع وخطير قد يفضي إلى مخاطر أكبر.
كل من "فتح" و"حماس" تناوران وتريدان كسب مزيد من الوقت في عملية رهان بأن الوقت سيفضي إلى تغيير الظروف، لكنه تغير على ما يبدو على حساب القضية الفلسطينية ومكوناتها، لا تغير لإنهاء الانقسام، ما يعني أن تبقى المصالحة مجرد حلم أو أمنية. وكلاهما يغيّب صورة الشعب وحاجاته ومتطلباته، ولا أحد يريد تحمّل المسؤولية. ولا أحد يستحضر ردة الفعل الشعبي إذا ما استمر الانقسام وتآكلت الحاضنة الشعبية لكل من حركتي فتح وحماس.
غيّب الانقسام المشروع الوطني الفلسطيني وغابت معه كل الخطوط الحمراء، وبدا الأمر تنظيميا فصائليا ضيقا على حساب الوطني والنضالي، الأمر الذي أسهم بشكل واضح في عدم القدرة على التصدي لممارسات الاحتلال وإجراءاته، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن استمرار الانقسام لم ينل من قدرة الفلسطينيين على الصمود في وجهة الاحتلال والتصدي له، لكنه نال من مؤسساتهم ومن مشروعهم الوطني ومن مقومات الحركة الوطنية الفلسطينية، ومن ممثلهم الشرعي منظمة التحرير، ولم يفلح الفرقاء في اجتراح مصالحة وطنية. والسؤال الأهم اليوم هل يفلح الفلسطينيون في ظل ما سبق في مواجهة صفقة القرن، التي تأتي لتدوس فلسطين وقضيتها وسلطاتها المختلفة؟
المساهمون