لكن بعد سنوات عصيبة عاشتها روسيا على إثر الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية وتراجع أسعار النفط والتدخّل العسكري المباشر في سورية، لا يسعى بوتين للفوز فقط، وإنّما أيضاً إلى إضفاء شرعية على فوزه بتحقيق المعادلة 70/70 (أي 70 في المائة من الأصوات مع نسبة المشاركة 70 في المائة أيضاً) التي اقترحها مسؤول السياسة الداخلية في الكرملين سيرغي كيريينكو.
نتائج محسومة
يرى نائب مدير "مركز المعلومات السياسية" في موسكو، مكسيم لافنيتشينكو، أن نتيجة الانتخابات محسومة سلفاً، مع بقاء بعض التساؤلات حول نسبة التصويت لصالح بوتين والمرشحين الآخرين، مقللاً في الوقت نفسه من واقعية تحقيق المعادلة 70/70. ويقول لافنيتشينكو في مقابلة مع "العربي الجديد": "النتيجة واضحة سلفاً، لكن السؤال هو، هل سيتمكّن بوتين من الفوز وفقاً للمعادلة 70/70؟ أتوقّع أن يحصل بوتين على ما بين 66 و70 في المائة من الأصوات، ولكنني لا أعتقد أن المشاركة ستزيد عن 65 في المائة".
وحول عامل إجراء الانتخابات في ذكرى ضم القرم، يوضح لافنيتشينكو أنّ "هذه الانتخابات هي في الواقع تكرار لاستفتاء انضمام القرم. وللمرة الأولى، يصوّت سكّان القرم في الانتخابات الرئاسية، وفي حال زادت نسبة المشاركة والتأييد فيها عن 90 في المائة، سيكون ذلك بمثابة دليل أمام العالم على اندماجها في روسيا". وكانت روسيا قد ضمت القرم قبل أربع سنوات، بعد موجة من الاضطرابات في أوكرانيا وموافقة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي على طلب بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا، وإجراء استفتاء تقرير المصير في شبه الجزيرة ذات الغالبية الناطقة بالروسية.
التنافس على المرتبة الثانية
إلى جانب بوتين، يخوض سباق الانتخابات سبعة مرشحين يتنافسون على المرتبة الثانية، وهم مرشح الحزب الشيوعي، بافيل غرودينين، وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، فلاديمير جيرينوفسكي، وأحد مؤسسي حزب "يابلوكو" (تفاحة)، غريغوري يافلينسكي، والإعلامية كسينيا سوبتشاك، ورئيس حزب "روست" (النمو)، بوريس تيتوف، ومرشح حزب "شيوعيو روسيا"، مكسيم سورايكين، ومرشّح "اتحاد عموم الشعب الروسي"، سيرغي بابورين، الذي سبق له أن شغل مناصب رفيعة في المجالس التشريعية السوفييتية ثمّ الروسية.
ورغم استمرار اللغز حول من سيأتي في المرتبة الثانية بعد بوتين، يعتبر لافنيتشينكو أن "جيرينوفسكي أصبح المرشح الأكثر حظاً، على أن يليه غرودينين، ثمّ سوبتشاك ويافلينسكي". ويقول في هذا السياق: "أصبحت فرص جيرينوفسكي أفضل من غرودينين بعد أن تعرّض الأخير لحملة تشهير وخسارته رأسماله السياسي على إثر اكتشاف امتلاكه أرصدة في الخارج إضافة إلى إبداء إعجابه بالدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين".
وبحسب آخر استطلاعات الرأي، فإن بوتين الذي يخوض الانتخابات مرشحاً مستقلاً، قد يحصل على أصوات 69 في المائة من الناخبين، ويليه غرودينين (7 في المائة) وجيرينوفسكي (5 في المائة) وسوبتشاك (2 في المائة) ويافلينسكي (1 في المائة) وبابورين (1 في المائة أيضا).
تأييد شمال القوقاز
ثمة مفارقة أنّ المدن الروسية الكبرى، وعلى رأسها موسكو وسان بطرسبورغ، هي الأقل تأييداً لبوتين وحزب "روسيا الموحدة" الحاكم، وهي تضم أكبر عدد من الشباب من أنصار المرشح المستبعد من سباق الرئاسة، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد" أليكسي نافالني. إلا أنّ لافنيتشينكو يوضح أن "نسب المشاركة والتأييد التي سيخسرها بوتين في موسكو، ستعوّض بالقرم وجمهوريات شمال القوقاز، وفي مقدمتها الشيشان، حيث يكاد يصوت السكان لبوتين بالإجماع".
ورغم أن الشيشان عرفت بنزعتها الانفصالية في التسعينيات من القرن الماضي، إلا أنها تحوّلت اليوم إلى أبرز معاقل مؤيدي الكرملين و"روسيا الموحدة" نظراً لنفوذ زعيمها، رمضان قديروف، الذي لا يكفّ عن تأكيد ولائه لبوتين واستعداده للموت من أجله. وخير دليل على ذلك، نيل بوتين تأييد 99.76 في المائة من الناخبين في الشيشان، مقابل أقل من 50 في المائة في موسكو، في انتخابات عام 2012 التي أسفرت عن عودته إلى الكرملين بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام. وسبق لبوتين أن اعتبر أنّ الإجماع عليه خلال الانتخابات الماضية في شمال القوقاز يعود إلى العادات والتقاليد المحلية، بينما اعتبرت المعارضة الروسية تلك النسب العالية نتيجة لتوجيه الناخبين.
انتخابات زائفة
رغم انعدام المنافسة السياسية في روسيا، يسعى الكرملين لإجراء الانتخابات دون فضائح تزوير وبمشاركة عدد لا بأس به من المرشحين للتظاهر بالديمقراطية، ولو إجرائية، أمام الرأي العام داخل البلاد وخارجها. وفي هذا الإطار، يشير أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأوروبية في سانت بطرسبورغ، غريغوري غولوسوف، إلى أن "آلية الانتخابات تهدف إلى محاسبة أو تحفيز السلطة، ولكنها في روسيا لا تؤدي هذا الدور". ويقول غولوسوف في حديث لـ "العربي الجديد": "لا تؤدي الانتخابات الروسية مهمتها الرئيسية، وبالتالي، فهي زائفة. إلاّ أنها من جهة ثانية، تؤدي مهامّ أخرى، وهي التعبئة السياسية وإظهار الولاء وشرعنة السلطة وحتى التعبير عن انفعالات السكان. يعتبر كثيرون أن التصويت هو عمل ظريف وطريقة جيدة لقضاء الوقت يوم الأحد".
يذكر أن بوتين يتولّى قيادة روسيا منذ عام 2000، سواء بصفته رئيساً للدولة أو رئيساً للوزراء. ولما كان الدستور الروسي يحظر شغل منصب الرئيس لأكثر من ولايتين متتاليتين، تمكّن بوتين من الاحتيال على هذه المادة، عبر تسلّمه رئاسة الوزراء في مقابل تنصيب رجله دميتري ميدفيديف رئيساً بين عامي 2008 و2012، قبل أن يعود إلى الرئاسة من جديد بعد تعديل الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات.