نجح رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، في الانتصار في المعركتين الرئيسيّتين اللتين خاضهما منفرداً خلال الجولة الثانية من الانتخابات البلدية التي جرت في أقضية جبل لبنان. الانتصار الأبرز كان في بلدية مدينة جونيه (قضاء كسروان)، التي فازت بها اللائحة المدعومة من عون بـ14 مقعداً من أصل 18، في مقابل 4 أعضاء للائحة المدعومة من البيوت السياسية الإقطاعية والتاريخية. وكان عون قد استبق هذه بالإشارة إلى كون "جونيه عاصمة المسيحيين في الشرق"، فزارها، قبل ساعات من بدء عملية الاقتراع، ووضع ثقله السياسي والشعبي فيها، مع العلم أنه انتُخب نائباً عن كسروان ولم يزر عاصمتها جونيه طوال السنوات السبع الماضية، أي منذ الانتخابات النيابية عام 2009. كما أنّ عون لم يفرّط بأي أسلوب لتحقيق الانتصار في هذه المدينة، بما فيه اللجوء إلى الرشوة الانتخابية التي تمّ توثيقها بالصوت والصورة، وكانت لائحة عون تدفع 200 دولار أميركي مقابل الصوت الانتخابي.
وما ساهم في انتصار عون، بشكل كبير، وقوف حزب القوات اللبنانية على الحياد في معركة جونيه، فتركت الخيار لمناصريها ولو أنّ هؤلاء صوّت القسم الأكبر منهم لصالح اللائحة المنافسة، إلا أنه كان من شأن دخول القوات في معركة جونيه بشكل مباشر ليغيّر الكثير من المعادلة، على اعتبار أنّ أيّ تكليف حزبي لم يصدر عن قيادة القوات، التي جاء موقفها منسجماً مع دعواتها إلى تكريس التفاهم السياسي القائم مع عون على المستوى المسيحي. ويكمن الخلوص إلى القول، إنّ عون لا يزال يتقدّم على منافسيه على الساحة المسيحية، ولو أنّ الفارق يتقلّص بينهم على الرغم من تحالفه مع القوات اللبنانية.
لكن هذا التفاهم بين عون والقوات، كان بعيداً عن الترجمة في المعركة الانتخابية التي حصلت في بلدة الحدث (قضاء بعبدا)، حيث وقع التنافس بين لائحة مدعومة من عون وأخرى مدعومة من القوات اللبنانية. وكانت النتيجة اكتساح لائحة عون للأعضاء الـ18 للمجلس البلدي في هذه البلدة وبفارق كبير عن منافستها.
في حين نجح التحالف بين القوات اللبنانية وعون مع الحزب التقدمي الاشتراكي بالحصول على ثلثي أعضاء المجلس البلدي في بلدة دير القمر (قضاء الشوف)، في مواجهة لائحة مدعومة من الوزير السابق، ناجي البستاني، والنائب دوري شمعون. كما حقّق التحالف العوني ـ القواتي انتصارات عدة في بلدات جبل لبنان، لكن الانتكاسة الفعلية كانت في سنّ الفيل (قضاء المتن)، حيث كانت الغلبة لصالح تحالف حزب الكتائب مع الوزير السابق ميشال المرّ.
كما كانت الساحة المتنية، شاهدة على تكرار الانقسام الداخلي في التيار الوطني الحرّ (الإطار التنظيمي الذي أسسه عون ومنح رئاسته صهره الوزير، جبران باسيل)، فلم يختلف مشهد الانقسام بين قيادات التيار خلال الجولة الأولى للانتخابات البلدية التي حصلت في بيروت قبل أسبوع، وكان عنوان الانقسام العوني، هذا الأسبوع، الاختلاف بين الهيئة التنظيمية للتيار والنائب نبيل نقولا حول الموقف الرسمي في بعض بلدات ساحل المتن.
ولم تشهد الساحات الانتخابية في جبل لبنان مفاجآت كبرى، فأكد كل من حزب الله وحركة أمل سيطرتهما على بلدات ساحل بعبدا (المختلط بين المسيحيين والشيعة)، وذلك بالتنسيق والتحالف مع عون. كما حافظت القيادات السياسية التقليدية، كالحزب الاشتراكي بزعامة النائب، وليد جنبلاط، والحزب الديمقراطي اللبناني بزعامة النائب، طلال ارسلان، على مكانتهما في قرى الشوف وعاليه.
لكن اللافت في هذا الإطار، أنّ مجموعة من الحملات المدنية خاضت الاستحقاق الانتخابي في جبل لبنان وكانت قريبة من تسجيل الخروقات بلوائح الزعماء التقليديين والأحزاب المسيطرة، وذلك تحديداً في بلدة بعقلين الشوفية، حيث كادت المرشحة المستقلة والمدنية، سارة بو كامل، أن تخترق تحالف جنبلاط ـ أرسلان والنائب مروان حمادة، فخسرت بفارق خمسة أصوات فقط عن آخر الرابحين على تلك اللائحة. كما لم يبعد المرشح الخاسر الثاني سوى ثلاثين صوتاً عن آخر الخاسرين أيضاً.
لكن الخرق الذي تمّ، كان في مدينة الشويفات (قضاء عاليه)، وتمكّنت اللائحة المدنية المدعومة من الحزب الاشتراكي من اختراق اللائحة المحسوبة على النائب أرسلان، بثلاثة مقاعد من أصل 18 مقعداً. مع العلم أنّ المرشحين المدنيين لجأوا في الكثير من المحطات إلى التحالف مع أحزاب سياسية صغيرة، تسعى لاختراق هيمنة الأحزاب الطائفية على الانتخابات، مثل التحالف مع الحزب الشيوعي. وتكرّر مشهد التقارب في النتائج بين اللوائح المدنية من جهة والأحزاب من جهة أخرى، في أكثر من بلدة في جبل لبنان، ليشير إلى أنّ قسماً لا بأس به من المقترعين وجد خياراً جديداً بعيداً عن الزعامات التقليدية والحزبية لتمثيله، وهو ما سبق وتمّت ترجمته في الانتخابات البلدية في بيروت وبعلبك والهرمل، حيث كانت للوائح المدنية نسب تصويت متفاوتة لكن لا تقلّ عن أربعين في المائة من النسب الكاملة للاقتراع.