انتخابات النمسا اليوم: شبح عودة الفاشية يحوم فوق أوروبا

22 مايو 2016
آمال أوروبية في أن يقلب بيلين الطاولة (Getty)
+ الخط -

 

يدلي النمساويون بأصواتهم، اليوم الأحد، لاختيار رئيس جديد للبلاد، وسط توقعات بفوز مرشح اليمين المتطرف، نوربرت هوفر، ما يثير الخشية في عموم أوروبا من عودة شبح الفاشية.

النتيجة التي ستظهرها الجولة الثانية من الانتخابات، سواء كسب فيها هوفر أم الاقتصادي الأقرب لليسار ألكسندر بيلين، ستقلب حال أوروبا رأساً على عقب. وهو ما بدأت تتلمسه عواصم أوروبية منذ الجولة الأولى في إبريل/ نيسان الماضي.

أطراف اليسار، ويسار الوسط، في فيينا وبقية العواصم الأوروبية، مصابة بالذهول لارتفاع أسهم اليميني القومي في هذه الانتخابات.

وقد ظهرت قوة اليمن، نهاية صيف العام الماضي 2015، إذ بدأت أوروبا تتغير، مع تفشي الحالة الشعبوية والفاشية في الخطاب السياسي، من إسكندنافيا شمالاً مروراً بألمانيا وحتى اليونان جنوباً.

ويربط متابعون ومحللون للتحولات اليمينية، ما يجري بما يطلقون عليه "أزمة اللاجئين"، لكن عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية عدة تلعب دورها في الفصل بين "أوروبا القديمة والجديدة".

وبحسب هؤلاء المحللين، فإن "الاجتماعيسن الديمقراطيين، وجزءاً من اليسار التقليدي، يدفعون اليوم، وربما في الأيام المقبلة، ثمن هذه التحولات".

ويبدو حزب "الحرية"، وهو من اليمين المتطرف، أبرز مثال عن ارتفاع حدّة الخطاب المتطرف، إذ إن هذا الحزب بات أكثر تشدداً وقساوة تجاه المهاجرين والاتحاد الأوروبي.

وبلا شك، فإن هوفر (45 عاماً)، لا يريد أن يصبح زعيماً شرفياً للنمسا، بحسب ما يصرّح به للإعلام، بل يقدّم نفسه حامياً لما يسميه "القيم النمساوية"، عبر تحالف فاشيي الصرب وحزب البديل الألماني.

ويحذر يسار، ويسار الوسط، النمساوي والأوروبي، من أن مشاريع هوفر، والذي حصل على 35 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، تشرعن لإطلالة نازية جديدة.

كما أن كثيرين يحذرون من تسلط هوفر على الجيش، باعتباره يتحدث عن نفسه كـ"قائد عام".

ورغم أن الاستطلاعات، حتى ظهر أمس، كانت متقاربة، لكن أي تحول في البلاد، بعيداً عن نتيجة الانتخابات، سيحكم بشعارات "النمسا تتعرض لغزو مهاجرين ولاجئين"، "الوضع الاقتصادي مزر والبطالة مرتفعة جداً".

يشار هنا إلى وجود 90 ألف طالب لجوء في النمسا منذ العام الماضي، أي ما يصل إلى 1 في المائة فقط من السكان.

ويبدو أن النمسا التي تقاسم فيها المحافظون والاجتماعيون الديمقراطيون الحكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في طريقها نحو التغيير، مهما كانت نتائج انتخابات اليوم.

ملامح هذه التغيير تأتي على وقع هزيمة التيار الاجتماعي الديمقراطي غير المسبوقة، والتي تعتبر فشلاً ذريعاً لسياساته التي تطالب القواعد الشعبية بمراجعتها، وخصوصاً بعد كشف النقاب عن "انتقال الناخبين" التقليديين إلى اليمين، وقسم آخر نحو "الخضر" (الذي انطلق كحزب احتجاجي في تاريخ السياسة النمساوية).

قلق أوروبي 

ما يأمله الأوروبيون ألا يجدوا أنفسهم في مواجهة هوفر، على طريقة هايدر (زعيم حزب التحالف من أجل مستقبل النمسا). فمقاطعة النمسا لتقدم اليمين المتطرف وتصاعد الدعوات للخروج من الاتحاد الأوروبي، ستقوي من شوكة التطرف في بلادهم.

لذا، كل الآمال، الأوروبية، الفردية والجماعية في الاتحاد، أن يقلب بيلين الطاولة والتوقعات وينجح في جذب الخائفين من إطلالة فاشية جديدة في بلدهم.

في ألمانيا، ستكون المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، في حال فوز هوفر، أمام مشكلة مع حزب "البديل لأجل ألمانيا" وجرأته في طرح سياسات يمنية متشددة، لا ترتبط فقط باللاجئين، بل بسياسات اقتصادية واجتماعية داخلية.

فانتصار هوفر يعني انتصاراً لـ"البديل"، وكذلك لـ"الجبهة الوطنية" في فرنسا وتعزيزاً لخطاب ومكانة رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، وبقية ساسة أوروبا الشرقية المتحالفين مع الروس في خطابهم المعادي تجاه الاتحاد الأوروبي وسياساته.

ويتجاوز الأمر ذلك إلى صداع ممتد نحو دول الرفاهية في الشمال، حيث تتقدم في السويد والنرويج والدنمارك وحتى فنلندا قوى اليمين المتطرف.

وقد باتت بعض الحركات والأحزاب ذات الفكر النازي الجديد تطرح علنا بدائلها، بينما لم يكن الأمر كذلك قبل الجولة الأولى لانتخابات النمسا في إبريل/ نيسان الماضي.

الأوروبيون يراقبون انتخابات النمسا اليوم، وسط مخاوف من أزمة في حال لم يستطع بيلين حسم النتيجة. وحتى لم حسم الأخير الأمر، فإن الأمور لن تكون مريحة مع تثبيت التطرف شعبيته وأقدامه في النمسا، وكذلك في دولهم.

لقد تعايش هؤلاء مع المستشار السابق للنمسا، فيرنر فايمان، رغم الاختلافات حول سياسة اللجوء. وما يأمله الأوروبيون، ومعهم يسار الوسط، أن تكون مرحلة المستشار الجديد كريستيان كيرن هي مرحلة إعادة الناخبين إلى التصويت مجدداً للاجتماعيين الديمقراطيين في الانتخابات البرلمانية بعد عامين، لقطع الطريق على اكتساح "حزب الحرية" اليمني لتلك الانتخابات، إذا ما استطاع الانتصار اليوم.

آخرون، يرون بأن هوفر، السياسي الشاب صاحب الأفكار اليمينية المتشددة، إذا ما فاز اليوم سيجد نفسه أمام مواجهة ما يطلقون عليه "ريال بوليتك"، بحيث يكون مضطراً للتعاون مع بقية دول الاتحاد، إذا ما أراد تنفيذ وعوده، بإيجاد "حل مشترك لأزمة اللاجئين".

لكن مشكلة حقيقية تواجه السياسة النمساوية، وبالتالي الأوروبية، إذا ما انتصر هوفر، وقام باستخدام صلاحياته في حل الحكومة الحالية واستبق الانتخابات العامة بدعوة مبكرة لها تحت شعار "وقف الهجرة"، مثلما وعد في حملته، وهو ما يعني باختصار بأننا سنكون أمام جمهورية أخرى غير تلك التي نعرفها اليوم.