انتخابات الكنيست.. هل انتهت حقبة نتنياهو؟

19 سبتمبر 2019

نتنياهو لدى تصويته في القدس المحتلة (17/9/2019/ فرانس برس)

+ الخط -
أشار فرز أكثر من 90% من الأصوات في انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي جرت في 17 أيلول/ سبتمبر 2019 إلى التعادل تقريبًا في عدد المقاعد التي حصل عليها الحزبان الكبيران؛ الليكود برئاسة رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو (31 مقعدًا)، و"كاحول لفان" (أبيض أزرق) برئاسة رئيس الأركان السابق الجنرال بيني غانس (33 مقعدًا) مع احتمالات أن تتبدّل الصورة بشكل طفيف بعد فرز بقية الأصوات. 
فشل نتنياهو
تعد هذه النتيجة بمنزلة هزيمةٍ شخصيةٍ لرئيس الحكومة نتنياهو، وفشلٍ في تحقيق هدفه الذي حدّده، عندما قرّر حل الكنيست في حزيران/ يونيو الماضي، وإجراء انتخابات جديدة؛ وهو حصول معسكر اليمين واليمين المتطرّف الذي يقوده على 61 مقعدًا على الأقل (من دون أفيغدور ليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا")، كي يتمكّن من تشكيل حكومةٍ تواصل نهجه السياسي، وتكون قادرةً على اتخاذ القرارات اللازمة، لمنع تقديمه للمحاكمة بتهم فساد وسوء استخدام السلطة. ولكن عدد مقاعد معسكر اليمين المتطرّف الجاهز للتحالف مع نتنياهو تراجع إلى 55 مقعدًا في الكنيست، بعد أن حاز في انتخابات نيسان/ أبريل الماضي 60 مقعدًا؛ ما قد يعني انتهاء حقبة نتنياهو التي استمرت بشكل متواصل عقدا كاملا، وربما انتهاء مستقبله السياسي، بإزالة العوائق أمام تقديمه للمحاكمة في ثلاثة ملفات فساد قد تقود إلى إدانته وسجنه.
اتسمت هذه الانتخابات بطول مدة الحملة الانتخابية فيها، وبحدّة المنافسة وكثرة الأنباء الكاذبة التي تخللتها، وعدم مناقشة برامج الأحزاب، والتحريض العنصري الممنهج ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل الذي قاده نتنياهو شخصيًا. وخلافًا للانتخابات السابقة، شكلت شخصية نتنياهو ومسألة استمراره في الحكم، في ضوء توجيه لوائح اتهام ضده في قضايا فساد، موضوعًا رئيسًا في هذه الانتخابات. ويمكن القول إن هذه الجولة الانتخابية كانت بمنزلة استفتاء على استمرار حكم نتنياهو لدى قطاعاتٍ واسعة في المجتمع الإسرائيلي. وخلافًا لبعض التوقعات التي أشارت إلى احتمال انخفاض نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، زادت نسبة المشاركة بنحو 0.5% عن الانتخابات السابقة، فبلغت نحو 69% من مجموع الناخبين. وبلغت نسبة مشاركة العرب فيها نحو 60%؛ أي بزيادة 10% مقارنةً بالجولة السابقة.
وفي ضوء ضعف أحزاب اليسار الصهيوني، وتلاشيها من الخريطة الحزبية الإسرائيلية، كانت المنافسة الأساسية بين معسكر اليمين المتطرّف الذي يقوده نتنياهو، بشقيه العلماني والديني، واليمين العلماني بقيادة بيني غانس.
الاصطفافات الانتخابية ونتائجها
شهدت الانتخابات الحالية تحالفاتٍ واصطفافات جديدة، أبرزها محاولة الأحزاب اليمينية المتطرّفة 
والفاشية تنظيم نفسها، كي تتجنب الخسارة التي منيت بها في انتخابات الكنيست السابقة، إذ فشلت ثلاثة أحزاب يمينية متطرّفة في اجتياز عتبة الحسم؛ ما أفقدها نحو سبعة مقاعد في الكنيست. وبذل نتنياهو جهودًا كبيرة لإعادة تنظيم معسكر اليمين المتطرّف، فأبرم اتفاقًا بين الليكود وحزب "كلنا" بقيادة موشيه كحلون، خاض بمقتضاه "كلنا" الانتخابات في قائمة الليكود الانتخابية، وجرى إدخال أربعة أعضاء من الكنيست لحزب "كلنا" في أماكن مضمونة في قائمة حزب الليكود الانتخابية. كما اتفق نتنياهو مع حزب "زيهوت" (هوية) بقيادة موشيه فيجلين، على انسحاب الأخير من المنافسة والتصويت لحزب الليكود، مقابل وعد نتنياهو لفيجلين بأن يعيّنه وزيرًا في حكومته، إذا تمكن من تشكيلها بعد الانتخابات.
ومع ذلك، حصل حزب الليكود في هذه الانتخابات على 31 مقعدًا في الكنيست في مقابل 39 مقعدًا في الانتخابات السابقة (35 مقعدًا لحزب الليكود وأربعة لحزب "كلنا") إلى جانب الأصوات التي دعمت حزب زيهوت والتي تقدر بثلاثة مقاعد؛ أي إن تجمع الليكود وحزبا "كلنا" و"زيهوت" خسر أكثر من عشرة مقاعد مقارنة بانتخابات الكنيست السابقة. أما حزب "أزرق أبيض" فقد حصل على 33 مقعدًا في الانتخابات الحالية، في مقابل 35 مقعدًا في انتخابات الكنيست السابقة؛ أي إنه تراجع بمقعدين. في حين حصل حزب "شاس" الديني الحريدي على تسعة مقاعد بدلًا من ثمانية في الانتخابات السابقة. وزاد كذلك حزب "يهدوت هتوراه" الديني الحريدي عدد مقاعده إلى ثمانية مقابل سبعة في الانتخابات السابقة. وقد خاضت هذه الأحزاب الثلاثة هذه الانتخابات بالقائمة الانتخابية السابقة نفسها.
أما بالنسبة إلى أحزاب اليمين المتطرّف والفاشي، فقد شكلت أحزاب "البيت اليهودي" و"الوحدة الوطنية" و"اليمين الجديد"، قائمة انتخابية موحدة حملت اسم "إلى اليمين"، حصلت على سبعة مقاعد. وكانت أحزاب "البيت اليهودي" و"الوحدة الوطنية" و"عوتسماه يهوديت" (جماعة كهانا)، قد خاضت انتخابات الكنيست السابقة تحت اسم "اتحاد أحزاب اليمين"، وحصلت على خمسة مقاعد. أما حزب "اليمين الجديد" فلم يتمكّن من اجتياز عتبة الحسم في الانتخابات السابقة، فخسر أربعة مقاعد. وقد فشلت جهود ضم حزب "عوتسماه يهوديت" الفاشي إلى قائمة "إلى اليمين"، بسبب الخلاف على المقاعد، فخاض هذا الحزب الانتخابات بقائمة منفصلة، وفشل في اجتياز عتبة الحسم. ارتفع، إذًا، تمثيل اليمين الاستيطاني المتطرف بمقعدين من خمسة مقاعد إلى سبعة.
وخاض حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يقوده ليبرمان هذه الانتخابات بالقائمة نفسها التي خاض فيها الانتخابات السابقة. وحصل على ثمانية مقاعد مقابل خمسة حصل عليها في انتخابات الكنيست السابقة. وعلى الرغم من انتماء حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان إلى اليمين المتطرّف، فإنه شدّد، في حملته الانتخابية، على استمرار رفضه الانضمام إلى ائتلافٍ بقيادة نتنياهو، حيث يمكن أن يشكلا معًا أغلبية مريحة في البرلمان، لأنه يرفض التحالف مع الأحزاب الدينية الحريدية المتشددة في قضايا الدين والمجتمع. ودعا خلال حملته الانتخابية إلى إقامة حكومة وحدة وطنية يمينية علمانية، تستند إلى أحزاب الليكود و"أبيض أزرق" و"إسرائيل بيتنا"، وتستثني الأحزاب الدينية اليهودية.
أما حزب العمل الذي رفض رئيسه، عمير بيرتس، تشكيل قائمة مشتركة بين حزبي العمل وميرتس، كما رفض عودة إيهود باراك إلى الصفوف الأولى في قيادة حزب العمل، فقد أبرم اتفاقًا عشية الانتخابات مع حزب غيشر، بقيادة أورلي ليفي أبو كسيس الذي فشل في اجتياز عتبة الحسم في الانتخابات السابقة. واحتفظ حزب العمل – غيشر بالمقاعد الستة التي حصل عليها في الانتخابات السابقة التي خاضها من دون تحالفات.
واتفق حزب ميرتس مع "الحزب الديمقراطي" الذي كان إيهود باراك قد أسسه قبل فترة وجيزة،
 ومع عضو الكنيست ستاف شفير التي انشقت عن حزب العمل، على تأسيس قائمة "المعسكر الديمقراطي" التي حصلت على خمسة مقاعد في هذه الانتخابات، في حين حصل حزب ميرتس في انتخابات الكنيست السابقة على أربعة فقط.
أما الأحزاب العربية التي خاضت الانتخابات السابقة بقائمتين انتخابيتين، فقد أعادت تشكيل القائمة المشتركة، وشملت كلًا من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي يقودها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية الجنوبية، والحركة العربية للتغيير. وقد حصلت القائمة المشتركة على 12- 13 مقعدًا في هذه الانتخابات، في حين حصلت هذه الأحزاب العربية، عندما خاضت انتخابات الكنيست السابقة على عشرة مقاعد.

نتنياهو يفرض الأجندة
هيمن نتنياهو على أجندة الانتخابات، ليس بسبب القرارات التي اتخذها بوصفه رئيسًا للحكومة ووزيرًا للأمن فحسب، وإنما أيضًا بسبب التكتيكات التي استخدمها خلال الحملة الانتخابية، بدءًا بالتحريض ضد العرب و"اليسار" وصولًا إلى قضايا الأمن ومصير المناطق الفلسطينية المحتلة، ومكانة العرب في إسرائيل، وحكم القانون، وهي قضايا رئيسة في الانتخابات.
شدّد نتنياهو على ثلاثة أخطار أساسية، زعم أن إسرائيل تصدّت لها تحت قيادته؛ وهي الملف النووي الإيراني، والوجود العسكري الإيراني في سورية والعراق، ومسألة تصنيع حزب الله اللبناني صواريخ بعيدة المدى. وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات لم تتأثر كثيرًا بمحاولات نتنياهو الاستثمار في العمليات العسكرية (العدوانية) التي قامت بها إسرائيل في سورية والعراق ولبنان، فإن تخليه عن سياسة الغموض التي اتبعتها إسرائيل، وإبرازه دوره في اتخاذ هذه القرارات، جعلا هذه القضايا مركزيةً في الحملة الانتخابية، كما لم يستفد داخليًا من عمليات التطبيع مع دول خليجية.
ولأن هذه المحاولات لم تفضِ إلى النتائج التي كان يتوخّاها، ذهب نتنياهو، مع نهاية الحملة الانتخابية، إلى الإعلان عن توجهه إلى ضم جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة إلى جانب ضم غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت، في حال فوزه في الانتخابات. وتعد هذه محاولة لاستقطاب اليمين المتطرّف واليمين الفاشي وعامة المستوطنين. وقد استوجبت هذه الخطوة تنديدًا فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا.
وشن نتنياهو حملةً تحريضيةً عنصريةً غير مسبوقة ضد المواطنين العرب والأحزاب العربية، ليس بهدف نزع شرعية الناخب العربي فحسب، وهو هدفٌ مهم في حد ذاته لنتنياهو، وإنما أيضًا من أجل قطع الطريق أمام إمكانية حصول حزب "أزرق أبيض" على تأييد القائمة المشتركة للأحزاب العربية في الكنيست، سواء في ما يخص التوصية لرئيس الدولة بتسمية الشخص الذي يكلف بتشكيل الحكومة، أو في ما يخص منح الثقة أو حجبها عن الحكومة التي قد يشكلها غانس. وقد اتهم نتنياهو غانس بأنه تحالف مع الأحزاب العربية، لتشكيل كتلة مانعة في الكنيست، تهدف إلى منعه من تشكيل الحكومة. ووصل نتنياهو، في تحريضه على العرب، إلى اتهامهم بأنهم
 سرقوا الانتخابات السابقة وزيّفوها، وحاول سنّ قانونٍ في الكنيست لنصب كاميرات في مراكز الاقتراع في البلدات العربية، آملًا أن يردع ذلك العرب عن المشاركة في الانتخابات، ولحشد أكبر مشاركةٍ ممكنةٍ من جمهوره. كما اتهم نتنياهو العرب بأنهم يسعون إلى تدمير إسرائيل وقتل سكانها اليهود الأطفال والشيوخ والرجال. وقد انقلب هذا التحريض عليه، فكان أحد العوامل المهمة في زيادة مشاركة العرب في الانتخابات، وتصويتهم لصالح القائمة العربية المشتركة.

السيناريوهات المتوقعة
قد يكون فشل نتنياهو في الحصول على 61 مقعدًا في الكنيست لمعسكره اليميني المتطرّف أنهى فرصه لتشكيل حكومة ائتلافية، فإثر اتخاذ المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، قرارًا بتوجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو في ثلاثة ملفات فساد، التزمت جميع أحزاب المعارضة بعدم المشاركة في ائتلاف حكومي يقوده. أما ليبرمان، وهو الذي حال في المرة السابقة دون تشكيل حكومة بقيادة نتنياهو، فمن غير المحتمل أن يغير موقفه، بعد أن كرّر رفضه الجلوس في حكومة واحدة مع الأحزاب الدينية الحريدية والأحزاب اليهودية الدينية المتزمتة.
في المقابل، تبدو فرص بيني غانس لتشكيل الحكومة صعبة جدًا، وإن لم تكن مستحيلة، فهو يسعى إلى إقامة ائتلاف حكومي يستند إلى حزبه وحزبي الليكود و"إسرائيل بيتنا" وأحزاب أخرى. ومن المتوقع أن يرفض نتنياهو التجاوب مع سعي غانس هذا. فنتنياهو يعرف جيدًا أنه من المقرّر أن يعقد مندلبليت جلسة استماع له في الثاني والثالث من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ومن المتوقع أن يقرّر مندلبليت توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو في ملفات الفساد بعد جلسة الاستماع بأيام أو أسابيع، الأمر الذي يمنع نتنياهو من أن يكون وزيرًا في الحكومة. ولا يمنحه منصب وزير في الحكومة حصانة في قضايا الفساد. ومن المتوقع أن يحاول نتنياهو فرض شروط صعبة مقابل موافقته على تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة غانس بين حزب "أزرق أبيض" والليكود، كالمطالبة بتناوب على رئاستها بينه وبين غانس؛ فهو يدرك أن الأخير يرفض الجلوس في حكومة يرأسها نتنياهو، حتى لو كانت حكومة تناوب. وتقتضي مصلحة نتنياهو إفشال تشكيل حكومة برئاسة غانس، كي يقود ذلك إلى إعادة إجراء الانتخابات مرة أخرى.
وبالفعل، شرع نتنياهو في التصدي لسعي خصمه إلى تشكيل ائتلاف حكومي؛ إذ قاد اجتماعًا لقادة 
أحزاب معسكره حصل فيه على تفويضٍ للتفاوض مع مختلف الأحزاب لتشكيل حكومة برئاسته، أو تشكيل حكومة بالتناوب على رئاستها. ومن الصعب أن ينجح غانس في تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبه وحزب الليكود وأحزاب أخرى، من دون مشاركة نتنياهو فيها، فمن غير المتوقع، على الأقل في هذه المرحلة، أن يتجرّأ أحد من قادة حزب الليكود أن يطلب من نتنياهو التنحي من رئاسة حزب الليكود، لتسهيل عملية تشكيل حكومة تناوب من دونه.
وثمّة احتمال أن يسعى غانس إلى تشكيل حكومة أقلية، في حال أصر حزب الليكود والأحزاب الحريدية واليمينية المتطرفة على رفض المشاركة في ائتلاف يقوده، تستند إلى أحزاب "أبيض أزرق" و"العمل" و"المعسكر الديمقراطي" و"إسرائيل بيتنا"، وتحظى بدعم القائمة العربية المشتركة من خارج الحكومة، غير أن هذا الاحتمال مستبعدٌ في هذه المرحلة. أما الاحتمال الأخير فهو أن يذهب الجميع الى انتخابات جديدة، إذا فشلت أي من الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة خلال فترة 84 يومًا التي يحددها القانون.
خاتمة
دخل المشهد السياسي في إسرائيل حالة من الغموض، في ضوء تضاؤل فرص نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي برئاسته، في حين أن فرص غانس لا تبدو أفضل كثيرًا. وسوف يعتمد نجاح أي منهما على عوامل ظرفية عديدة، مثل استمرار حزب الليكود ومعسكر نتنياهو في الالتفاف حوله والتمسّك به، خصوصا إذا ما وجه المستشار القضائي للحكومة لائحة اتهام ضده في الأسابيع المقبلة، فقد يعني ذلك نهاية حقبة نتنياهو، وقد يسهل ذلك عملية تشكيل الحكومة.
لم نجر تقييمًا سياسيًا للحزبين الرئيسين المتنافسين، فلم يكن هذا موضوع الورقة، ولا موضوع التنافس الانتخابي، واكتفينا بالقول إنه كان تنافسًا بين يمين متطرّف وتحالف قومي - ديني من جهة، ويمين علماني عسكرتاري من جهة أخرى. ويحتاج التفصيل إلى أوراق أخرى.