حقق بيبي غريللو ما كان يطمح إليه منذ عام 2009، حين أسس "النجوم الخمس"، بلعبه على وتر الهجرة والمهاجرين. نجح خليفته، لويجي دي مايو، في قيادة الشعبويين الجدد إلى السلطة، في انتخابات أرادها الحزب الديمقراطي اليساري الحاكم، فرصة جديدة لماتيو رينتزي للنجاة بجلده وإنقاذ اليسار من هزيمة سياسية محققة. هزيمة لم تأتِ إلا بفعل فشل سياسات رينتزي الاقتصادية، خصوصاً لجهة تأمين الملاءة المالية المناسبة لحماية الاقتصاد الإيطالي، فضلاً عن فشله في معالجة مسألة النفايات في نابولي وروما، بالإضافة إلى عدم قدرته على الجمع بين القرارات الأوروبية في شأن الهجرة، خصوصاً مع تكدس اللاجئين في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وبين المتطلبات الإيطالية اقتصادياً. ملفات دفعته لتسليم الحكومة إلى باولو جنتيلوني، والعمل على إعادة الثقة بالحزب الديمقراطي، لكن انتخابات الأحد، أظهرت فشله.
"النجوم الخمس" تصدّرت الترتيب العام منفردة، فحصلت على 32.5 في المائة من أصوات الناخبين، لكن ذلك لن يتيح لها التفرّد بتشكيل الحكومة، في ظلّ حصول أحزاب الائتلاف اليميني: "رابطة الشمال" بقيادة ماتيو سالفيني على 17.6 في المائة، و"فورزا إيطاليا" بقيادة سيلفيو برلسكوني على 14 في المائة، و"فراتيللي ديتاليا" بقيادة جيورجيا ميلوني على 4.4 في المائة، و"نحن مع إيطاليا" بقيادة رافاييلي فيتو على 1.3 في المائة.
ومع حصول التحالف اليميني على نحو 37 في المائة من الأصوات والتحالف اليساري على 23 في المائة من الأصوات، باتت "النجوم الخمس" بيضة قبّان فعلية في أي تشكيلة حكومية. فالقانون الإيطالي واضح: على أي حزب أو تحالف الحصول على 40 في المائة من أصوات الناخبين لتشكيل الحكومة. وبما أن كل الأطراف لم تصل إلى نسبة الـ40 في المائة، تبقى هناك احتمالات التحالفات أو تبدّلها.
من الصعب حصول تحالف بين "رابطة الشمال" و"النجوم الخمس"، وفقاً لتصريحات قيادييهما الأخيرة، خصوصاً سالفيني ودي مايو، ومع أن البعض يدرج ذلك في سياق رفع سقف التفاوض، إلا أنهما غير قادرين على التحاور حالياً. كما أنه من الصعب حصول تحالف بين اليسار و"النجوم الخمس" لكون الحركة قامت على مهاجمة اليسار، خصوصاً رينتزي. تبقى من بين الاحتمالات إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية، بين "فورزا إيطاليا" والحزب الديمقراطي بزعامة رينتزي، خصوصاً بعد أن صوّر برلسكوني نفسه كـ"حامٍ لأوروبا داخل الائتلاف اليميني"، ومع أنه احتمال صعب، لكنه الأقرب إلى الحصول من إمكانية تحالف "النجوم الخمس" مع أحدهما. مع ذلك، لا يُمكن لـ"فورزا إيطاليا" التحرّك، قبل رفع "رابطة الشمال" الراية البيضاء في احتمال تشكيل الحكومة.
هل يمكن بقاء الوضع معلقاً؟ في المبدأ نعم، ففي وسع الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريللا، ترك حكومة باولو جنتيلوني في السلطة، ريثما يحين موعد الانتخابات المقبلة. وسيكون على الرئيس الإشراف على قيادة المفاوضات الحكومية، قبل الإعلان عن نجاحها أو فشلها. في المقابل، تحاول أوروبا الضغط باتجاه تشكيل حكومة ائتلافية كبيرة، تشبه تلك التي شُكّلت أخيراً في ألمانيا، لكن الأمر دونه عقبات. الفارق الوحيد بين البلدين هو في تصدّر "النجوم الخمس" لانتخابات إيطاليا، فيما تضافرت جهود الجميع لكسر صعود "البديل لأجل ألمانيا" إلى السلطة في برلين. تدرك إيطاليا ومن خلفها أوروبا، أن أي انتخابات مبكرة بالصورة الحالية، ستمهّد الطريق لحركة "النجوم الخمس" في تخطي حاجز الـ40 في المائة، في حال استقطبت مناصري الأحزاب الصغيرة، وتشكيل حكومة بمفردها. أما الحلّ، فهو إطالة أمد المفاوضات قدر الإمكان، وجرّ "النجوم الخمس" إليها، لإضعافها، ثم تشكيل تحالف ما بين "فورزا إيطاليا" و"الحزب الديمقراطي" أقلّه، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد إنهاك "النجوم الخمس" و"رابطة الشمال"، تكون فيها الغلبة لوسط اليمين ووسط اليسار.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)