انتحر القانون

27 يونيو 2014
+ الخط -

سلوك الفرقة الانقلابية في مصر في تعاملها مع القانون عجيب حقاً، فهي من مكَّن في البداية رئيس أعلى هيئة قضائية في البلاد، المحكمة الدستورية، من الوصول إلى سدة الرئاسة الانتقالية، وإنْ بروتوكوليّاً فقط، على الرغم من مخالفة هذا اختصاصاته، وبما بني عليه من انقلابٍ على مسار الشرعية. لا ينحصر الانقلاب في احتجاز الرئيس المنتخب، محمد مرسي، وعزله، واعتقال قيادات من تياره السياسي، بل أيضاً تعطيل الدستور. تم اعتقال عديدين من قيادات الدولة، ثم تمت صياغة التهم التي وُجِّهَتْ لهم عقب الانقلاب، على أمور ادَّعت جهات التحقيق قيامهم بها قبل الانقلاب.

وصل عدد المعتقلين إلى عشرات الآلاف، بتهم غريبة، ومتشابهة ومن دون أدلة في الغالب الأعم، خلا تحريات الشرطة التي استقر قضاء محكمة النقض المصرية عبر عقود على عدم الاعتداد بها، إن لم تكن مشفوعة بالأدلة المادية والشهود. لكنها صارت، الآن، محل اعتبار، ويُحْكَم بموجبها على المعتقلين سنوات طوالاً، ويحُضُّ قانون الإجراءات الجنائية القاضي على ذلك، حين ينص على أن لا تتقيد المحكمة بما هو مدون في التحقيق الابتدائي، أو في محاضر جمع الاستدلالات، إلا إذا وجد في القانون نص على خلاف ذلك.

رأينا قضايا، لا يستغرق صدور الحكم فيها عدد جلساتٍ، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولا يتجاوز مجموع أوقاتها سويعات قليلة، ربما لا تكفي لتبيان أسماء المتهمين فيها، الذين يبلغ عددهم أكثر من خمسمائة، أو ستمائة، متهم، فلا يُنادى عليهم، ولا يستمع إلى طلباتهم، ولا طلبات محاميهم إن تمكنوا من حضور الجلسة، بل إن بعض المتهمين لا يُمَكَّنون من حضور الجلسات، على الرغم من أنهم محبوسون، ويصدر الحكم حضوريًّا على متهمين في غياب محاميهم، فضلاً عن عدم الترافع، أصلاً، أمام المحكمة التي تعتبر الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها، متى أبدى الخصوم أقوالهم وطلباتهم الختامية في جلسة المرافعة، ولا يجوز للمحكمة في أثناء المداولة أن تسمع أحد الخصوم، أو وكيله، إلا بحضور خصمه، أو أن تقبل أوراقاً أو مذكرات من أحد الخصوم، من دون اضطلاع الخصم الآخر عليها؛ وإلا كان العمل باطلاً.

ولضمان حق المتهم؛ فإن كل قول يثبت أنه صدر من أحد المتهمين، أو الشهود، تحت وطأة الإكراه، أو التهديد، يهدر ولا يعول عليه، وهذا حسب المادة 302 إجراءات. بيد أننا نرى مشاهد مسجلة لاعترافات بعض المعتقلين، يبدو من هيئة المعتقل أنها صادرة بعد تعذيب شديد، تبدو آثاره على الوجوه، فكيف تُعَوِّلُ المحكمة عليه، وتعتبر اعترافه الناشئ عن الإكراه والتعذيب منتجاً في الدعوى.

وفقاً للقانون، يجب إذا كانت المتهمة أنثى، في الأحوال التي يجوز القبض فيها قانوناً على المتهم، أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى. لكن، هناك إناث معارضات للانقلاب، يتم القبض عليهن على يد رجال أمن ذكور، لا يراعون للبيوت حرمة، ولا للإنسانية سبيلاً. هذه مجرد أمثلة قليلة مما تغصُّ به الساحة المصرية من إغفال للدستور وتغييب للقانون، فيبدو أن القانون انتحر؛ من هول ما رأى، ولم يخبرنا أحد؛ حفاظاً على حياة الانقلاب.

أحمد خلف (مصر)
أحمد خلف (مصر)