انتبهوا أيها العرب من المستقبل

01 فبراير 2018
نفط العرب يتجه للغرب ووارداتها من الشرق (GETTY)
+ الخط -


صدر حديثاً عن مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية كتاب متميز، يحتوي على 18 بحثاً تحت عنوان شامل "التحديات السياسية والاقتصادية للطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وقد عالجت البحوث التي تضمنها الكتاب قضايا مثل الميول الإقليمية بعد اختفاء الأنظمة القديمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى موضوع مثل النظام الجديد لمحور الطاقة – الأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا) وتقييم أدوار الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.

يستحق الكتاب قراءة متأنية لكل ما ورد فيه. وتؤكد خلاصة البحوث الواردة فيه على تغيير شمولي في التركيبة السياسية الاجتماعية في الأقطار العربية، خصوصاً في دول النفط والدول المعتمدة عليها.

أما الأسباب الرئيسية لهذا التحول في الوطن العربي فتعود إلى أن الدول، سواء كانت مصدّرة للنفط أو الغاز أو الطاقة المتجددة، ستجد نفسها، بعد تغير المعادلات، في عرض الطاقة والطلب عليها سيؤدي تدريجياً إلى صعود بعض الدول، وتأثر بعضها الآخر سلباً. ولهذا، وجب عليها أن تتخلى عن الحصرية في تسيير الأمور، وتوسع قاعدة المشاركة في صنع القرار.

والسبب الثاني هو التغيير في بنية الطلب، فالقارة الأميركية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، وصلت بمجموعها إلى حالة الاكتفاء الذاتي من الطاقة.

ولهذا، فإن فائض العرض الناجم عن تناقص مستورداتها من منطقة "المينا" يجب أن يستوعب من مناطق أخرى، مثل الصين والاتحاد الأوروبي وبعض دول آسيا. وهذا يعني أن دول آسيا وإفريقيا العربية، وخصوصاً النفطية منها، سوف يتغير عليها ديناميك العلاقات السياسية من أميركا إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي والصين.

أما السبب الثالث فهو تغير بنية الطلب على الطاقة، حيث بدأ الطلب يتزايد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجدّدة، وعلى الغاز بصفة أن الأولى نظيفة، والثانية أكثر نظافةً من النفط السائل.

وبما أن النفط يُعزى إليه تلوث البيئة وارتفاع درجة حرارة الأرض، واحتمالات الكوارث الطبيعية، فإن اتفاقاً، مثل اتفاق باريس لحماية البيئة، يطالب الدول، وخصوصاً الصناعية والملوثة، بإنقاص نسبة الانبعاث الغازي السام بنسب معينة خلال فترة محدودة.

ولم تعد البيئة وحدها مسؤولية عدد من الدول التي تتبنى نظاماً بيئياً رومانسياً، وإنما أصبح مسؤولية عالمية يجب أن يتصدّى لها أهل الكرة الأرضية بوسائل مشتركة. ولهذا السبب، سوف يقل الطلب على المشتقات النفطية لصالح مصادر الطاقة الأنظف أو النظيفة.


السبب الرابع هو ارتفاع نسب استهلاك الدول النفطية من النفط الذي تنتجه، فالطلب العالمي يرتفع بنسب ضئيلة، بينما يرتفع الطلب المحلي في دول الخليج والجزائر وإيران والعراق بوتيرة أعلى بكثير.

وإذا استمر الحال على هذا المنوال مدة طويلة، فلن يبقى الكثير الذي تصدره هذه الدول المنتجة للنفط لتصدّره إلى الخارج. ولذلك، كان لا بد أن تتبنى الدول إصلاحات مالية جديدة، تتخلى فيها عن النظم الريعية السائدة، وتسعى إلى مزيد من الحكم الرشيد والشفافية. وإن لم تفعل، فإنها تعرّض نفسها لمزيد من احتمالات العنف والاحتجاج عليها.

ويشرح الكتاب بعد ذلك التحولات الجديدة في الوطن العربي، لكن الأوراق البحثية الواردة في الكتاب لم تتحدث عن صوابية التحولات التي تجري داخل الأقطار العربية، لكنها تحدثت بعلمية عن أسبابها وطبيعتها.

ولم ينس الباحثون، أو المشرفون على الأبحاث، أن يعالجوا نتائج الحرب الدامية والاحتجاجات العارمة التي غزت الوطن العربي. ولم يحدّدوا مقادير الأكلاف التي نجمت عن الخسائر المادية الفادحة، بسبب العنف والحرب والاقتلاع، فالدول التي شهدت صراعات دامية، أو التي نجحت في التعامل معها وفق نماذج معالجة الأزمات، عانت من تغيرات سكانية وديمغرافية. وصارت الهجرة والعنف متلازمتين.

وقد أدت الهجرات إلى ارتفاع الطلب على الطاقة في الدول المستقبلة للاجئين والمهجّرين، وتراجع قليلاً في الدول المرسلة اللاجئين.

يتحدث الكتاب، إذن، عن التغيرات الشاملة، نتيجة تغير أنماط وهيكلية الطلب على الطاقة والمعروض منها. وهذا إنجاز كبير، لكن الأمر لن يقف عند الطاقة نفسها، بل امتد إلى نواح اقتصادية كثيرة. وإذا استمرت دول الخليج في اعتمادها الأساسي على صادرات النفط من دون سعي جاد وحثيث إلى تنويع اقتصاداتها، وإيجاد فرص عمل جديدة، فإنها لن تفلح. فهل ستنجح سياسات التنويع؟

ولا ننسى كذلك سرعة ذوبان جبل الدولارات النفطية، والذي يتآكل بسرعة كبيرة بسبب ثلاثة أمور. أولها بقاء سعر النفط عند أسعارٍ لا تزيد عن سبعين دولاراً، وهذا سيأتي بموارد أقل. لكن الحروب وتراجع عائدات الاستثمار الخارجية، وعدم قدرة الدول النفطية على سحب أموالها من البنوك العالمية سيجعل طلبها محصوراً في هذه الدول على الأغلب.


وهكذا نتوقع أن تجد الدول العربية نفسها في معضلة ناجمة عن أن أسواقها الجديدة هي آسيا وإفريقيا، وإلى حد ما أوروبا، بينما نرى أموالها تستثمر وتودع في الولايات المتحدة وأوروبا. وبينما تقع معظم الدول النفطية في دائرة النفوذ الغربي، فإن تعاملها النفطي سيكون مع دول الجنوب.

قد تخلق هذه المفارقة مستقبلاً إشكاليات للدول المصدرة مع الدول المستوردة. ويتوقع الأفارقة والآسيويون مزيداً من الاستثمارات العربية فيها.. وهكذا ستصبح إدارة هذه الأزمة أمراً مطلوباً في المستقبل.
المساهمون