امتحان الإعلام في الانتخابات التونسيّة

19 أكتوبر 2014
حركة "النهضة" الأقوى في الحملات الانتخابية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس، ترتفع حدة المعركة السياسية، وترتفع معها حدة المعركة الإعلامية بموازاة معركة مشابهة على مواقع التواصل. ولعلّ الامتحان الأكبر هو ذاك الذي تخضع له "الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري" المكلفة مراقبة الأداء الإعلامي.
مشاكل كثيرة ظهرت، وحاولت الهيئة حلّها، وإن لم تكن هذه الحلول ناجحة دائماً.
من جهة أخرى، أصدرت الهيئة تقريراً يرصد بالأرقام نشاط الأحزاب السياسية والنساء وغيرها خلال الحملات الانتخابية، في تقرير يعكس مؤشرات كثيرة ربما عن سير المعركة.
"النهضة" تنجح في امتحان الإعلام
تصدرت حركة "النهضة" التغطية الإعلامية للحملات الانتخابية. هذه هي خلاصة التقرير الذي أصدرته "الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري". فقد حظيت حركة "النهضة" بنسبة حضور في القنوات التلفزيونية وصلت إلى 9.51 في المائة. أما في المرتبة الثانية فحلّت حركة "نداء تونس" بنسبة حضور تلفزيوني بلغ 6.3 في المائة. المرتبة الثالثة كانت من نصيب "الحزب الجمهوري" بنسبة حضور وصلت إلى5.57 في المائة، في حين لم تحظَ القائمة البورقيبية التي تذيلت الترتيب بأي حضور في القنوات التلفزيونية.
كما تصدرت حركة "النهضة" جدول الحضور في المحطات الإذاعية وصل إلى 8.8 في المائة، تليها "الجبهة الشعبية" بنسبة 7.03 في المائة. المرتبة الثالثة كانت من نصيب حركة "نداء تونس" بنسبة 6.7 في المائة، في حين احتل "الحزب التونسي" المراتب الأخيرة في الحضور على المحطات الإذاعية بنسبة لم تتجاوز 0.08 في المائة. ويُرجع بعض المختصين هذا الحضور اللافت لحركتي "النهضة" و"نداء تونس" إلى أن هذين الحزبين هما الأكثر نشاطاً وتنظيماً للفعاليات الانتخابية. وهو ما يجبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على مواكبة نشاطهما. كما أن هذين الحزبين رسما لنفسيهما استراتيجية إعلامية جعلتهما لا يغيبان تقريباً عن البرامج التلفزيونية والإذاعية، من خلال اعتمادهما على خبرات في مجال الاتصال السياسي، تمكّنهما من الحضور الفاعل في المشهد السمعي البصري.
نساء تونس: أين أنتنّ؟
ومن ضمن التقرير نفسه، الذي أصدرته الهيئة، حاولت رصد حجم حضور المرأة في الحملات الانتخابية، والنتيجة كانت مخيّبة للآمال. إذ يبدو غياب المرأة التونسية فاضحاً جداً. ويحصل هذا الغياب رغم مبدأ التناصف الذي نصّ عليه القانون الانتخابي التونسي، ورغم أن دليل الصحافيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية أكّد على ضرورة مراعاة التوازن بين الجنسين. إذ اعتبر الدليل هذا التوازن حافزاً نحو الديمقراطية. كما يبدو هذا الغياب مستغرباً بعد المشاركة الفاعلة للمرأة التونسية في أحداث الثورة وفي الحياة السياسية. لكن كل ذلك لم يشفع للتونسيات، فجاء التقرير الذي أصدرته الهيئة ليبيّن ضعف حضور المرأة التونسية فى التغطية الإعلامية للانتخابات.
وقد بلغ هذا الحضور حدّه الأقصى في تغطية قناة "تونسنا" التلفزيونية، حيث بلغ 23.6 في المائة. لتأتي قناة "نسمة" في المرتبة الثانية بنسبة 19 في المائة، في حين لم يتعدَّ هذا الحضور في القناة التي ترفع شعار التقدمية، وهي قناة "الحوار التونسي"، الـ6.3 في المائة. أما حضور المرأة في القنوات الرسمية العمومية فقد وصل إلى 5.3 في المائة في قناة "تونس 1". ووصلت نسبة الحضور إلى 6.3 في قناة "تونس 2".
أما أضعف نسب الحضور النسائي فانفردت به قناة "الزيتونة"، إذ لم تتجاوز نسبة حضور المرأة 0.4 في المائة. وفي ما يتعلّق بحضور المرأة في التغطية الانتخابية بالمحطات الإذاعية التونسية، فكانت نسبها تتقارب مع نسب الحضور في الشاشات، إذ وصلت أعلى نسبة إلى 20.6 في المائة في إذاعة "موزاييك إف إم"، و17.6 في المائة في إذاعة "إكسبراس إف إم"، في حين لم يتعدّ الحضور النسائي في المحطات الإذاعية الرسمية حاجز الـ 8.2 في المائة في "الإذاعة الوطنية"، و 3.3 في المائة في إذاعة "الشباب". أما أضعف نسبة حضور فقد كانت من نصيب الإذاعة الخاصة "جوهرة إف إم" حيث لم تتجاوز نسبة حضور المرأة 1 في المائة.
"نسمة" تهزّ عرش سليم الرياحي
لكن عمل الهيئة لا يقتصر على إصدار الإحصاءات. إذ إنها تسعى إلى تأطير عمل الإعلام. ولعلّ مشكلتها الأساسية حالياً هي قضية رجل الأعمال التونسي، المرشح للانتخابات الرئاسية، سليم الرياحي والقناة التلفزيونية الخاصة "نسمة". فما هي سبب هذه القضية؟ وكيف تعاملت "الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري" معها؟
بدأت القضية عندما قامت قناة "نسمة"، لصاحبها نبيل القروي، بعرض تحقيق استقصائي بعنوان "حقيقة رجل الأعمال سليم الرياحي"، تعرضت فيه إلى الحياة الشخصية لرجل الأعمال، وإلى الحديث عن مصادر ثروته. وهاجمت وعوده بإنجاز مشاريع وهمية في عدد من المناطق التونسية، إلى جانب ما قالت إنه "تلاعبه بمشاعر عائلة تونسية وعدها بسفر ابنتها للعلاج في الخارج على نفقته الخاصة". لكنه وفقاً للتحقيق نكث بوعوده، ما أدى إلى وفاة الطفلة التي لا يتجاوز عمرها سبع سنوات.
هذا العمل الاستقصائي اعتبره نوري اللجمي، رئيس الهيئة، تحقيقاً "لا يمت للصحافة الاستقصائية بصلة، ومخالف للفصل 52 من القانون الانتخابي التونسي الذي يمنع كل أشكال التشهير أو التعرض لأعراض المترشحين". إلا أن قناة "نسمة" تعتبر أن ما قدمته عملاً إعلامياً لا يخالف أخلاقيات المهنة الصحافية. ورأت أطراف أخرى أن توقيت عرض هذا التحقيق، أي قبل الانتخابات التشريعية، هو خدمة لحزب سياسي على علاقة جيّدة بالقناة، ولرجال أعمال منافسين، فيما أكد القروي أن القناة تعرّضت لتهديد من قبل "الاتحاد الوطني الحرّ"، وهو الحزب الذي أسسه الرياحي.
أما الرياحي فقال، من جانبه، إن الغاية من بث البرنامج في هذا التوقيت هو تشويه صورته، مشيراً إلى أنه تعرّض إلى الابتزاز من قبل العائلة المالكة للقناة المذكورة. وأكّد أن هذه العائلة طلبت منه مبلغاً مالياً قدره أربعة ملايين دينار مقابل العدول عن بث البرنامج.
لكن في ظل هذا الصراع، يبقى المهم هو: كيف تعاملت "الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري" مع هذه القضية؟ النوري اللجمي أعلن لـ "العربي الجديد" أن الهيئة تابعت هذه القضية باهتمام كبير، وقد عقدت اجتماعاً لأعضائها بشكل عاجل، قرّرت على إثره إرسال تنبيه قانوني لقناة "نسمة". وفي حال عدم استجابتها لهذا التنبيه فستتخذ الهيئة إجراءات، وفق ما ينص عليه المرسوم 116 الذي يمنح الهيئة الصلاحيات القانونية لمعاقبة كل من لا يلتزم بقواعد العمل الصحافي، ويخالف القوانين المعمول بها في تونس. لكن هشام السنوسي عضو "الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري" يرى أن الهيئة تتحمل تبعات وضع سياسي معقد في تونس الآن، "وهي تعيد تشكيل المشهد الإعلامي. لكن المشكلة الأساسية تتمثل في ضعف الدولة الذي لا يساعد على تنفيذ القوانين، وهو ما يضع الهيئة أمام صعوبات كثيرة".


دلالات
المساهمون