خلّفت التصريحات حول الاستعمار الفرنسي للجزائر، التي أدلى بها المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية مانويل ماكرون، خلال زيارته الجزائر جدلاً كبيراً في فرنسا. وتعالت أصوات عديدة في صفوف اليمين المحافظ والمتطرف، لإدانة توصيف ماكرون للحقبة الاستعمارية بالجزائر بـ"الجريمة ضد الإنسانية".
واعتبر مرشح حزب "الجمهوريون" فرانسوا فيون، بأن تصريحات ماكرون "هي عار على شخصية مرشحة لرئاسة الجمهورية". وقال خلال تجمّع انتخابي في مدينة كامبيان، شمال فرنسا أمس الأربعاء "إن ماكرون أطلق تصريحات سابقة، يشيد فيها بالجوانب الإيجابية للحقبة الاستعمارية، وها هو الآن يقول العكس. إنه ببساطة يقول ما يحب أن يسمعه مضيفوه".
وذلك، في إشارة إلى تصريحات كان أدلى بها ماكرون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لصحيفة "لوبوان"، أشاد فيها بالجوانب الإيجابية التي طبعت الفترة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر. وقال ماكرون حينها "نعم في الجزائر حصل تعذيب، لكن قامت أيضاً دولة وطبقات متوسطة، هذه حقيقة الاستعمار. هناك عناصر حضارة وعناصر وحشية". وخلقت هذه التصريحات جدلاً ساخناً حينها في صفوف الاشتراكيين واليسار، الذين عابوا عليه تبني أفكار يروجها اليمين المحافظ والمتطرف، بشأن التاريخ الاستعماري الفرنسي.
وإذا كان فيون سباقاً إلى انتقاد تصريحات ماكرون، فلأنه تحديداً يتبنى وجهة نظر خاصة للظاهرة الاستعمارية الفرنسية، ولا يرى فيها سوى جوانب إيجابية يعتبرها "مشرقة وحاملة لرسالة حضارية". وكان قد ألقى خطاباً في أغسطس/آب الماضي، دعا فيه إلى ضرورة إعادة النظر في تناول الاستعمار الفرنسي في المقررات التعليمية.
كما أكد أن "فرنسا ليست مذنبة، لأنها أرادت اقتسام ثقافتها مع شعوب أفريقيا وآسيا وأميركا الشمالية" وهي التصريحات التي تسببت بالكثير من الانتقادات يساراً.
يذكر أن ماكرون، أدلى الثلاثاء الماضي، بتصريحٍ لقناة "الشروق التلفزيونية" الخاصة أثناء زيارته بداية الأسبوع للجزائر، وقال "إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي، الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الفظاعات".
بدوره، اعتبر رئيس الوزراء اليميني السابق جان بيار رافاران، أن ماكرون يستغل انتقاد الحقبة الاستعمارية الفرنسية لغايات انتخابية. وقال "إن خلق تعارض بين الفرنسيين وإخراج هذه القصص بغرض التقسيم أو إعادة التعبئة، أرى فيه أغراضاً انتخابية. ليس جديراً برئيس دولة أن ينبش جراحاً لا تزال مؤلمة جداً".
إلى ذلك، توالت شخصيات من حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، التي تقوده المرشحة للرئاسيات مارين لوبان، إلى انتقاد تصريحات ماكرون بشدة. واتهم واليران دو سان جوست، المسؤول في الجبهة الوطنية، ماكرون "بطعن فرنسا من الخلف"، في حين اعتبر دافيد راشلين، المتحدث باسم لوبان أن "ماكرون يقوم بتبخيس فرنسا في الخارج، ومع ذلك يتمنى أن يحكمها".
ويعكس الهجوم اليميني على تصريحات ماكرون الاختلاف الجوهري في التعامل مع الظاهرة الاستعمارية الفرنسية في الطبقة السياسية الفرنسية. اليمين بشقيه المعتدل والمتطرف، يرفض أن يدين الجرائم التي ارتكبتها فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية للجزائر من عام 1830 حتى 1962، في حين أن اليسار قام بمراجعة نقدية في السنوات الأخيرة لهذه الحقبة.
وكان الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند، قد أقرّ في آخر زيارة له للجزائر بأن "استعمار فرنسا للجزائر كان وحشياً وظالماً" غير أنه لم يذهب حد تقديم اعتذار للجزائر.