توحي تصريحات بعض سياسيي اليمين المتشدد في أوروبا، بعد الاعتداءات التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس، بأن هؤلاء يعيشون سعادة على وقع الجثث والانفجارات الدامية، ويستغلون ذلك بدعوات إلى عدم استقبال اللاجئين الهاربين من الموت.
وسارعت زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف في فرنسا، مارين لوبين، إلى انتقاد أداء الحكومة الاشتراكية، معتبرة أن "التحرك القوي الصارم هو الذي يحمي الفرنسيين ويديم الوحدة، غير أن فرنسا والفرنسيين لم يعودوا في أمان، وأصبح اتخاذ إجراءات عاجلة أمراً يفرض نفسه". وأضافت "لقد تم إضعاف فرنسا وعليها أن تعيد تسليح نفسها، وحظر المنظمات الإسلامية وغلق المساجد المتشددة وطرد الأجانب الذين يدعون إلى الكراهية على أرضنا وأيضاً (المهاجرين) غير الشرعيين الذين ليس لديهم ما يفعلون هنا".
وترافق ذلك مع موقف بولندي بعدم استقبال لاجئين من سورية بعد الآن، ثم جاء الإعلان عن وجود جواز سفر سوري إلى جانب جثة أحد المهاجمين المفترضين في باريس، ليفتح باب الجدل واسعاً. وهو باب ظل اليمين الأوروبي، وحتى يمين الوسط يستغله، سواء في شرق أوروبا أو غربها، للحديث عن "نفاذ إرهابيين بين اللاجئين".
وذهب وزير العدل الدنماركي من حكومة أقلية اليمين سورن بيند، للقول تعليقاً على اعتداءات باريس: "هذا يثبت للأسف ما تخوّفنا منه". واعتبر بيند "أننا تركنا سورية تنتج قوافل اللاجئين إلى أوروبا ونحن ندفع الآن ثمن سلبيتنا بثمن باهظ جداً".
كذلك ذهب حزب الشعب اليميني المتشدد في الدنمارك، عبر عضو البرلمان سورن اسبرسن المؤيد لإسرائيل بلا حدود، إلى الدعوة غير المباشرة لدولة بوليسية مع المهاجرين، قائلاً: "لقد أثبتت هجمات باريس الحاجة إلى مزيد من الأمن والشرطة وإقامة نقاط حدود تراقب الداخلين والخارجين وتحقق معهم".
أما اليمين السويدي فهاجم سياسات الانفتاح على المهاجرين، مشيراً إلى استقبال السويد لأعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين في العام الأخير. وقال اليمين المتشدد في السويد: "ها أنتم ترون نتيجة سياسة الانفتاح والتساهل معهم (اللاجئين والمهاجرين)". بل إن "ديمقراطيو السويد" طالبوا باستقالة حكومة يسار الوسط بزعامة ستيفان لوفين، كردٍ على ما جرى في فرنسا، من دون توضيح كبير للرابط بين الأمرين.
اقرأ أيضاً: المدعي العام الفرنسي:ارتفاع عدد قتلى اعتداءات باريس الى 129
وبات اللاجئون، من سوريين وغيرهم، يخشون من انعكاسات هذه الهجمات عليهم، وبعضهم قال لـ"العربي الجديد": "لقد هربنا من داعش وبشار الأسد ليلحقوا بنا منغصين حياتنا حتى حين نبحث عن أمان لأطفالنا". وأضاف محمد مارديني اللاجئ في أحد معسكرات اللجوء: "لا أفهم كيف يقفز بعضهم فوراً إلى اتهام اللاجئين، فهل اللاجئون الذين تعرضوا لخطر الغرق وجاؤوا مع أطفالهم، يخاطرون بحياتهم من أجل هذه الأفعال المشينة؟".
ويتخوّف رجال ونساء ينتظرون في معسكرات اللجوء للمّ شمل عوائلهم، من "كيفية تعامل المجتمعات معنا"، كما قالت فاطمة لـ"العربي الجديد"، مضيفة: "لم أعد أثق بأن زوجي سيصل إلى هنا بعد كل الذي حدث، فالشبهة يريدونها أن تسري على الجميع".
وليس اللاجئون وحدهم من باتوا في عين العاصفة، بل حتى هؤلاء الذين ولدوا وكبروا في مجتمعاتهم الغربية، وبات بعضهم يطلق عليهم "تهديداً".
وانجر مواطنون غربيون في دول الشمال الأوروبي، يوم السبت، إلى حد إرسال أسئلة تحريضية إلى صحافتهم المحلية منها: "لقد جرت مشاهدة شبان يرفعون عبر نوافذ السيارات أعلام داعش بعد ما جرى في باريس، فماذا تفعل الشرطة؟". واضطرت الصحف حتى اليمينية للإجابة: "لقد اتصلنا بالشرطة وليس هناك من حوادث كالتي تسألون عنها".
بعض ممثلي الجاليات الإسلامية اعتذر عن الحديث، وقال آخرون: "لماذا في كل مرة يحدث شيء يُقدم عليه مسلمون، علينا أن نوضَع تحت سقف التهمة ونُقدّم للصحافة والسياسيين بيانات وتصريحات إدانة واعتذار؟ نحن نفهم الزلزال الأوروبي، لكن عليهم أن يفهموا بأن مشكلتهم أيضاً داخلية مع جيل أوروبي يشعر بأنه منبوذ وغير مقبول". بتلك العبارات الغاضبة علّق أحد أئمة مساجد دولة إسكندنافية على ما سماه "حملة منظّمة تذكّر المسلمين بتاريخ أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي... اليوم نحن وفي الماضي غيرنا". ثم ختم: "هذا ليس من مصلحة أوروبا وليس من مصلحة مواطنيها المسلمين، ماذا يريدون أن يقولوا للأجيال التي وُلدت هنا؟ بأن 500 مقاتل أوروبي فرنسي يمثّلون ملايين المسلمين الفرنسيين؟ و120 دنماركياً يمثلون مئات آلاف مسلمي إسكندنافيا؟".
بالمجمل يذهب اليمين مع بعض صحافة دول الشمال الأوروبي إلى الادعاء بأنه "زمن آخر الذي نعيشه، غير زمن الذئاب المنفردة، فنحن الآن أمام عودة مقاتلي سورية الغربيين بشكل جدي، وعلينا أن نتوقع المزيد من التنسيق بين تلك المجموعات وهجمات أخرى مفاجئة وصادمة"، كما قالت صحيفة "بيرلنغسكا" أمس الأحد في تعقيبها على الحملات الأمنية والانتشار الأمني في شوارع ومدن أوروبية، وخصوصاً في الشمال حيث لم يعتد المواطنون على مثل تلك المشاهد.
اقرأ أيضاً: تداعيات اعتداءات باريس: اللاجئون والجاليات العربية يخشون دفع الثمن