14 نوفمبر 2024
اليمن.. مواطنون لا مجرمون
يوماً بعد آخر، تضيق حياة اليمنيين، وقد تتضاعف معاناتهم ربما أكثر من كل ما عانوا منه منذ اندلاع الحرب في بلادهم قبل ثلاثة أعوام، إذ تؤكد التطورات العسكرية بعد مقتل الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، على يد حليفه جماعة الحوثي، أن العام الجديد سيكون بداية لتوسع خريطة الصراع بين أطرافه اليمنية وحلفائهم الإقليميين، وقد يمتد سير المعارك إلى مدينة صنعاء ومدنٍ غيرها ظلت محيّدة طوال الحرب، وما يطرحه تصعيد القتال من تعقيد إضافي في التحديات التي يواجهها اليمنيون، وأولها كيفية إدارة حياتهم في ظل الانهيار المأساوي للاقتصاد اليمني، وتفاقم الأزمة الإنسانية في شتى مناحي الحياة، إلا أن أطراف الصراع اليمني وحلفاءهم لا يتعاطون بإنسانيةٍ حيال الوضع الكارثي الذي أوجدوه في اليمن طوال الحرب، بل يتعمّدون، وبشتى الوسائل والطرق، تضييق خيارات الحياة أمام اليمنيين، وتجريدهم من حقوق المواطنة.
منذ بدء الحرب، تدور سردية حياة اليمنيين في الداخل في مربع ضيق من الحياة، تقل فيه الخيارات الممكنة للعيش والنجاة، وتكاد تنعدم كلما طال أمد الحرب، وتوسّعت جغرافيتها، إذ يفتقر اليمنيون لسلطةٍ سياسيةٍ، تضمن لهم الحد الأدنى من الحماية والأمن، في ظل تغوّل الجماعات المسلحة التي نهضت على ما تبقى من جسد الدولة اليمنية، فضلاً عن مواجهة اليمنيين تبعات الحرب كضحايا محتملين لأطراف الصراع وحلفائهم الإقليميين، أو محاولة
تسيير حياتهم بمشقةٍ في ظل استمرار تدهور أوضاعهم الإنسانية، إلا أن أكثر ما يفتقده اليمنيون اليوم في حياتهم اليومية هو الأمن والحرية، وتعرّضهم لأشكالٍ جائرة من القهر والظلم وحرمانهم حقهم الطبيعي والأصيل بالمواطنة، وما يترتب على ذلك من واجبات السلطة نحوهم، وعليهم من مهام؛ ومهما بدا واقع الحرب الذي يعيش فيه اليمنيون مختلاً، على الرغم من تكييف حياتهم وفقه، إلا أنهم ظلوا يراهنون، بحسن نيةٍ، أن لا تتعمد سلطات الحرب المتعددة التي يخضعون لها التنكيل بهم، لكن سلطات الحرب التي آخر ما يعنيها حال المواطنين لم تكتفِ بإدارة مناطقها بعقلية أخلاق العصابات، بل تتعاطى مع اليمنيين باعتبارهم مجرمين خطرين مجرّدين من المواطنة، وبالتالي لا بد من شرعنة انتهاكهم بطرق مختلفة.
منذ إزاحتها صالح، في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وحسمها رأس السلطة في صنعاء، ومعظم المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتحت ذريعة اتخاذها إجراءات أمنية لتكريس سلطتها المطلقة، تبنّت جماعة الحوثي حزمة إجراءاتٍ قاهرةٍ لا تكرّس سلطتها، وإنما تهدف بالمحصلة إلى نزع مواطنة اليمنيين في مناطق سيطرتها، فضلاً عن تضييق الخناق عليهم، وبدأت جماعة الحوثي أولى خطواتها في السلطة بتجفيف ما تبقى من مصادر الدخل التي يعتمد عليها اليمنيون، إذ وجهت البنوك اليمنية ومكاتب الصرافة باتباع تعليماتٍ جديدةٍ لإخضاع الحوالات المالية القادمة من الخارج إلى مناطقها بتقييداتٍ مضاعفة، ليشكل هذا الإجراء ضربة قاصمة ليمنيين كثيرين، إذ تجاهلت سلطة الحوثيين أن معظم اليمنيين اعتمدوا، مدى الأعوام الماضية، لإدارة احتياجاتهم اليومية على المساعدات المالية التي يتحصلونها من ذويهم في الخارج، وذلك بعد عجز سلطات الحرب، بما فيها سلطة الأمر الواقع في صنعاء، عن سداد رواتب موظفي الدولة، إلا أن جماعة الحوثي لم تكتفِ بسد معظم المنافذ التي ظل اليمنيون يتنفّسون من خلالها، وإنما انتهجت أيضا وسائل أخرى لمعاقبة المواطنين في مناطق سيطرتها، بتقييد حركة تنقلهم، خصوصا في مدينة صنعاء، حيث أصدرت سلطة الحوثي توجيهاتٍ أمنية لشركات النقل البري الداخلي، لتعقب حركة الداخلين والخارجين من العاصمة، وأسهمت هذه الإجراءات بانتهاك الحرية الفردية للمواطنين، وتكريس كونهم مجرمين، فضلاً عن تضرّر المواطنين الذين اعتمدوا على النقل تجارةً لتسيير حياتهم.
لم تعمل سلطة الحوثيين في مناطقها بالحد الأدنى مما يتوجب على سلطة الأمر الواقع القيام به لتسهيل حياة المواطنين، أو على الأقل كفّ شرورها عنهم، إذ عمدت إلى حرمانهم من الحق في الأمان والعيش بسلام، إذ لا يخضع المواطنون في مناطق جماعة الحوثي لسلطة أمنية واحدة، بحيث يستطيعون التعاطي معها، وإنما لمليشيات متعدّدة. وبالتالي أصبح المواطنون، أكثر من أي وقت مضى، عرضةً للاعتقال والإخفاء بالنسبة للمعارضين للجماعة، وللابتزاز للمواطنين البسطاء. في المقابل، حرصت سلطة الحوثيين على جباية الأموال، إذ فرضت ضرائب متعددة على التجار في مناطقها، فبعد سيطرتها على صنعاء أخيرا، أقامت منفذا جمركيا جديدا في مدينة إب، إضافة إلى المنافذ الجمركية في مدينتي ذمار وعمران، التي اعتمدت عليها الجماعة لضمان سيولةٍ ماليةٍ لإدارة حروبها، ومن ثم فالتاجر الذي يأتي ببضاعةٍ من خارج اليمن، يدفع رسوما متعدّدة في جميع المنافذ الجمركية الداخلية التي استحدثتها جماعة الحوثي، إضافة إلى رسوم الجمارك في مدينة عدن، وهو ما يعني مضاعفة أسعار المواد الأساسية التي تصل إلى المواطنين.
تجريد اليمنيين من المواطنة، بأبسط مفاهيمها، جعلهم كائناتٍ بلا حقوق، عرضةً للأذى والتنكيل من سلطات الحرب المختلفة، وكذلك من الجماعات المسلحة التي تحتمي بهذه السلطات، هذا ما يواجهه اليمنيون، سواء في مناطق سيطرة جماعة الحوثي أو في مناطق سيطرة السلطة الشرعية وحلفائها، إذ تسقط مواطنة اليمني المولود في المناطق الشمالية بمقتضى سياسة السلطة الإماراتية في جنوب اليمن، فلا يمكن للمواطنين الهاربين من جحيم الحرب والخوف في مناطق الشمال أن يجدوا مكاناً يستضيفهم في الجنوب، إلا في حالات معينة، وبعد إذلالٍ لا يوصف من سلطة الحزام الأمني الموالية للإمارات.
عام آخر من الحرب في اليمن من دون أفق سياسي أو عسكري واضح، عدا عن سقوط مزيدٍ من الضحايا المدنيين بغارات التحالف العربي وقذائف المليشيات، والموت جوعاً؛ فعام آخر من الحرب، ومن المعاناة، والخوف، واللا مواطنة، يفوق قدرة اليمنيين على الاحتمال، لتغدو حياة اليمنيين في الداخل أشبه بحياة سجينٍ منهكٍ من قدره السيئ، إذ يقضي سنوات سجنه في ذمة قضيةٍ لا يعرف عنها شيئاً، ولا يعرف متى يطلق سراحه، لكنه يدرك أن حياته ومصيره ومستقبله رهن بمزاج السجان وتقديراته. لذلك يتحلّى بصبر العاجز الذي ينتظر، عاماً تلو آخر، أمل الإفراج عنه، أو إطلاق رصاصة الرحمة على رأسه.
منذ بدء الحرب، تدور سردية حياة اليمنيين في الداخل في مربع ضيق من الحياة، تقل فيه الخيارات الممكنة للعيش والنجاة، وتكاد تنعدم كلما طال أمد الحرب، وتوسّعت جغرافيتها، إذ يفتقر اليمنيون لسلطةٍ سياسيةٍ، تضمن لهم الحد الأدنى من الحماية والأمن، في ظل تغوّل الجماعات المسلحة التي نهضت على ما تبقى من جسد الدولة اليمنية، فضلاً عن مواجهة اليمنيين تبعات الحرب كضحايا محتملين لأطراف الصراع وحلفائهم الإقليميين، أو محاولة
منذ إزاحتها صالح، في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وحسمها رأس السلطة في صنعاء، ومعظم المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتحت ذريعة اتخاذها إجراءات أمنية لتكريس سلطتها المطلقة، تبنّت جماعة الحوثي حزمة إجراءاتٍ قاهرةٍ لا تكرّس سلطتها، وإنما تهدف بالمحصلة إلى نزع مواطنة اليمنيين في مناطق سيطرتها، فضلاً عن تضييق الخناق عليهم، وبدأت جماعة الحوثي أولى خطواتها في السلطة بتجفيف ما تبقى من مصادر الدخل التي يعتمد عليها اليمنيون، إذ وجهت البنوك اليمنية ومكاتب الصرافة باتباع تعليماتٍ جديدةٍ لإخضاع الحوالات المالية القادمة من الخارج إلى مناطقها بتقييداتٍ مضاعفة، ليشكل هذا الإجراء ضربة قاصمة ليمنيين كثيرين، إذ تجاهلت سلطة الحوثيين أن معظم اليمنيين اعتمدوا، مدى الأعوام الماضية، لإدارة احتياجاتهم اليومية على المساعدات المالية التي يتحصلونها من ذويهم في الخارج، وذلك بعد عجز سلطات الحرب، بما فيها سلطة الأمر الواقع في صنعاء، عن سداد رواتب موظفي الدولة، إلا أن جماعة الحوثي لم تكتفِ بسد معظم المنافذ التي ظل اليمنيون يتنفّسون من خلالها، وإنما انتهجت أيضا وسائل أخرى لمعاقبة المواطنين في مناطق سيطرتها، بتقييد حركة تنقلهم، خصوصا في مدينة صنعاء، حيث أصدرت سلطة الحوثي توجيهاتٍ أمنية لشركات النقل البري الداخلي، لتعقب حركة الداخلين والخارجين من العاصمة، وأسهمت هذه الإجراءات بانتهاك الحرية الفردية للمواطنين، وتكريس كونهم مجرمين، فضلاً عن تضرّر المواطنين الذين اعتمدوا على النقل تجارةً لتسيير حياتهم.
لم تعمل سلطة الحوثيين في مناطقها بالحد الأدنى مما يتوجب على سلطة الأمر الواقع القيام به لتسهيل حياة المواطنين، أو على الأقل كفّ شرورها عنهم، إذ عمدت إلى حرمانهم من الحق في الأمان والعيش بسلام، إذ لا يخضع المواطنون في مناطق جماعة الحوثي لسلطة أمنية واحدة، بحيث يستطيعون التعاطي معها، وإنما لمليشيات متعدّدة. وبالتالي أصبح المواطنون، أكثر من أي وقت مضى، عرضةً للاعتقال والإخفاء بالنسبة للمعارضين للجماعة، وللابتزاز للمواطنين البسطاء. في المقابل، حرصت سلطة الحوثيين على جباية الأموال، إذ فرضت ضرائب متعددة على التجار في مناطقها، فبعد سيطرتها على صنعاء أخيرا، أقامت منفذا جمركيا جديدا في مدينة إب، إضافة إلى المنافذ الجمركية في مدينتي ذمار وعمران، التي اعتمدت عليها الجماعة لضمان سيولةٍ ماليةٍ لإدارة حروبها، ومن ثم فالتاجر الذي يأتي ببضاعةٍ من خارج اليمن، يدفع رسوما متعدّدة في جميع المنافذ الجمركية الداخلية التي استحدثتها جماعة الحوثي، إضافة إلى رسوم الجمارك في مدينة عدن، وهو ما يعني مضاعفة أسعار المواد الأساسية التي تصل إلى المواطنين.
تجريد اليمنيين من المواطنة، بأبسط مفاهيمها، جعلهم كائناتٍ بلا حقوق، عرضةً للأذى والتنكيل من سلطات الحرب المختلفة، وكذلك من الجماعات المسلحة التي تحتمي بهذه السلطات، هذا ما يواجهه اليمنيون، سواء في مناطق سيطرة جماعة الحوثي أو في مناطق سيطرة السلطة الشرعية وحلفائها، إذ تسقط مواطنة اليمني المولود في المناطق الشمالية بمقتضى سياسة السلطة الإماراتية في جنوب اليمن، فلا يمكن للمواطنين الهاربين من جحيم الحرب والخوف في مناطق الشمال أن يجدوا مكاناً يستضيفهم في الجنوب، إلا في حالات معينة، وبعد إذلالٍ لا يوصف من سلطة الحزام الأمني الموالية للإمارات.
عام آخر من الحرب في اليمن من دون أفق سياسي أو عسكري واضح، عدا عن سقوط مزيدٍ من الضحايا المدنيين بغارات التحالف العربي وقذائف المليشيات، والموت جوعاً؛ فعام آخر من الحرب، ومن المعاناة، والخوف، واللا مواطنة، يفوق قدرة اليمنيين على الاحتمال، لتغدو حياة اليمنيين في الداخل أشبه بحياة سجينٍ منهكٍ من قدره السيئ، إذ يقضي سنوات سجنه في ذمة قضيةٍ لا يعرف عنها شيئاً، ولا يعرف متى يطلق سراحه، لكنه يدرك أن حياته ومصيره ومستقبله رهن بمزاج السجان وتقديراته. لذلك يتحلّى بصبر العاجز الذي ينتظر، عاماً تلو آخر، أمل الإفراج عنه، أو إطلاق رصاصة الرحمة على رأسه.