يفتقر اليمنيون لثقافة الأمن والسلامة والأساليب المناسبة لمواجهة الكوارث والحروب، وهذا ما يجعل الكثير منهم عرضة للأذى والموت الذي ما كان ليصيبهم، لو أنهم اتخذوا بعض إجراءات الأمن والسلامة البسيطة، والتي في العادة لا تكلف مجهوداً أو تكلفة عالية.
ولا يتردد الكثير من اليمنيين في الذهاب لمتابعة عملية سطو، أو لمشاهدة اشتباكات مسلحة أو تفكيك عبوات ناسفة، الأمر الذي يتسبب في ارتفاع عدد الضحايا والمصابين، كحصيلة ناتجة من هذه الاشتباكات أو انفجار العبوات الناسفة. وهي أحداث وقعت كثيراً في اليمن خلال الفترة الماضية، كان آخرها مقتل أربعة مدنيين وإصابة آخرين بعد انفجار عبوة في محافظة ذمار وسط اليمن في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتُعزى أسباب ارتفاع عدد ضحايا هذه العبوة على الرغم من اكتشافها مبكراً، إلى أن الكثير من الموجودين حرصوا على متابعة عملية تفكيكها، ورفضوا مغادرة المكان على الرغم من التحذيرات.
ويؤكد علي إسماعيل، وهو صاحب محل تجاري يقع بالقرب من موقع العملية الانتحارية التي أودت بحياة ثلاثة أشخاص، في يوليو/تموز 2013 في منطقة الحصبة شمال صنعاء، أن الكثير من اليمنيين لا يعيرون اهتماماً لحياتهم، إذ اندفع الموجودون بالقرب من الانفجار مباشرة للتجمع حول قطع السيارة المتفجرة على الرغم من تحذيرات الموجودين من الاقتراب والخوف من وجود عبوات أخرى لم تنفجر بعد.
ويضيف إسماعيل، الشاهد على واحد من أحداث العنف في اليمن، بأن مئات اليمنيين التفوا حول موقع الانفجار بعد وقوعه بثوانٍ، مرجعاً أسباب ذلك إلى عدم وجود ثقافة تعرفهم بأن التجمهر حول مواقع الكوارث خطر وبإمكانه أن يودي بحياتهم.
اقرأ أيضاً: "الحزم 2": اتّساع الحرب نحو الحدود و"مبادرة" لصالح
غياب التثقيف
بمجرد اشتداد القصف الجوي ضمن "عاصفة الحزم"، على مواقع مختلفة في بعض المدن اليمنية، بما فيها العاصمة صنعاء، يلجأ البعض إلى أسطح المنازل لمتابعة رد الدفاع الجوي بـ"مضاد الطائرات"، أو الخروج إلى الشوارع للنقاش، الأمر الذي يجعلهم عرضة لبقايا المتفجرات التي كانت تحاول اصطياد الطائرات.
ويعزو الخبير في أساليب الأمن والسلامة محمد الحبشي، أسباب عدم امتلاك اليمنيين ثقافة الحرص على النفس وتجنب المخاطر، إلى عدم قيام الحكومات المتلاحقة بتبني عمليات التوعية المستمرة، لافتاً إلى أنه "لا توجد وسيلة إعلامية على الأقل تتبنى عملية تثقيف الناس حول أهمية السلامة الشخصية وأدواتها"، مشيراً إلى أنه يعتقد بأن 95 في المائة من الشعب اليمني لا يعرف عن السلامة شيئاً.
ويقول الحبشي إن الكثير من الدول تفرض "قوانين تُلزم المواطنين باتخاذ إجراءات السلامة في حياتهم في كل مكان"، ما يساعدهم على اكتساب هذه المهارات بحيث يتعودون على التعامل بها في كل مكان وزمان، بحسب قوله.
ويضيف: "المواطن اليمني لا يضع حزام الأمان حين يقود سيارته، ولا يمتلك في منزله جهاز إنذار خاصاً بالحرائق، أو جهاز إنذار خاصاً بالغازات السامة مثل غاز أول أكسيد الكربون الناتج من عوادم المولدات الكهربائية المنزلية، والذي قتل الكثير من اليمنيين أخيراً".
ويشير الحبشي إلى تقصير مؤسسات الدولة خلال هذه المرحلة، كونها لا تشرح للمواطنين عبر وسائل الإعلام الخطوات التي يجب القيام بها لحماية أنفسهم من الغارات الجوية أو الهجمات بغازات سامة، وتدريبهم وإرشادهم للطرق الصحيحة لارتداء واستخدام أدوات الوقاية الشخصية كالأقنعة والكمامات، لافتاً إلى عدم امتلاك اليمن صفارات إنذار أو ملاجئ يحتمي بها الناس في الحروب.
ويكتفي بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الفترة، بتناقل بعض النصائح والإرشادات التي تساعد في تخفيف أضرار قصف الطيران على المدنيين.
أطفال الحروب
يجهل كثير من الأهالي في اليمن الأساليب الصحيحة لمواجهة الانعكاسات النفسية على أطفالهم، بسبب سماعهم لأصوات الانفجارات وإطلاق النار ومشاهدة الضحايا عبر وسائل الإعلام، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على شخصية الطفل، منها شعوره بالإحباط والقلق والاكتئاب وضعف الذاكرة والتركيز، أو الإدراك بحسب دراسات طبية.
ويشكو صادق الأصبحي في حديث لـ"العربي الجديد"، من توتر طفلته لجين (10 سنوات) كلما سمعت أصوات الانفجارات الناتجة من قصف طيران التحالف الذي يشن غارات على مواقع عسكرية، تسيطر عليها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) مساء كل يوم. ويقول: "نحاول أن نجبرها على النوم باكراً كي لا تسمع أصوات الانفجارات أو الضرب من الدفاعات الجوية المنتشرة حول المدينة، لكنها غالبا ما تصحو في منتصف الليل لتبكي خوفاً من أصوات الانفجارات".
ولا يستطيع صادق تبديد خوف ابنته كل يوم مع سماع دوي الانفجارات، الأمر الذي يدفعه للجوء إلى التلفاز. ويشرح أنه "يضطر إلى فتح قناة مسلسلات أطفال ورفع مستوى الصوت للتغطية على أصوات الانفجارات".
وحذّر الاستشاري النفسي محمد المقرمي، من مغبة مشاهدة الآباء للقنوات التلفزيونية "المصورة والمنقولة مباشرة من مكان الأحداث الصادمة، كالتفجيرات الإرهابية أو مشاهد الحرب" أثناء تواجد الأطفال، كونها تسبب للأطفال فيما بعد اضطرابات نفسية وعصبية.
وأشار المقرمي، في مقال تناقلته وسائل إعلام أخيراً، تحت عنوان "اقتراحات عملية للأسرة للتعامل مع الأطفال في أوقات الطوارئ"، إلى أهمية تشجيع الطفل ومساعدته على "تنفيذ الأنشطة الاعتيادية والبرنامج اليومي الطبيعي له وللأسرة"، مؤكداً بأن هذا يساعده على "الشعور بالأمان والاطمئنان".
من جهتها، تؤكد الاخصائية النفسية هند ناصر، أن الكثير من الأطفال في اليمن يعانون من مشاكل نفسية تصيبهم بسبب سماعهم للانفجارات القوية ومتابعتهم لوسائل الإعلام الإخبارية، مشيرة إلى أن هذه المشاكل بسيطة وسهلة الحل لكن الأهل يجهلون ذلك.
وتشدد ناصر، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أهمية اطلاع الآباء على مثل هذه "الأساليب البسيطة والتي لا تستغرق وقتاً"، موضحة أن "الآثار النفسية السلبية التي تصيب الأطفال أثناء فترة الحروب ستؤثر على حياتهم بأكملها".