باتت مدينة "دمت"، شمال الضالع، في الأيام الأخيرة، محور المواجهات الأبرز في اليمن، إذ شهدت معارك عنيفة وبشكل متواصل خلال الأسبوع الماضي، بين "المقاومة" من جهة، ومليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، من جهة أخرى، في ظل محاولات المليشيات لإعادة الدخول إلى محافظة الضالع التي تُعدّ أول محافظة بدأت تنهزم فيها المليشيات. ويبدو هجوم المليشيات على "دمت" ضمن توجّه واضح بإبقاء المناطق الحدودية في المحافظات تحت سيطرتها كما هو حاصل في مديريات حدودية مع محافظات لحج وشبوة وأبين.
وشنّ الحوثيون وقوات صالح أكثر من ستة عشر هجوماً على مدينة "دمت" خلال سبعة أيام، ومن عدة محاور، هي من رداع في البيضاء، ومن الرضمة والنادرة والسدة من محافظة إب، لكن "المقاومة" تمكّنت حتى اللحظة من صد كل الهجمات التي لم تتوقف. كما حاولت المليشيات فتح جبهة جبن، شمال شرق الضالع، من خلال مهاجمتها عبر محافظة البيضاء، ولكن كل محاولاتها فشلت، وفق قيادات في "المقاومة" لـ"العربي الجديد".
وفي أول بيان صحافي لمكتب إعلام "المقاومة"، أعلن فيه "أن قوات المقاومة تخوض في مديريات جبن ودمت، شمال وشرق الضالع، معارك بطولية يصنعها أبطالها، بمختلف توجهاتهم ومستوياتهم، ويسطرون ملاحم كبيرة في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض والدين، ويمثّل الوطن فيها جامعاً لكل هذه البطولات والتضحيات، في سبيل استعادة الشرعية، وإسقاط الانقلاب، وبتعاون مع دول التحالف العربي، التي هبّت لنصرة الشعب اليمني، ولحماية الأمن الإقليمي للدول العربية".
وطمأن البيان "أن المقاومة في دمت وجبن وقعطبة صامدة، وتحقق تقدّماً على الجبهات، لا سيما في دمت التي كسرت المقاومة فيها شوكة مليشيات الانقلاب الإجرامية، التي تحاول منذ أسبوع مهاجمة دمت وجبن، وتركز بشكل كبير على دمت من الجهة الغربية والشمالية لها، ولا زالت المقاومة تتمسك بمواقعها في ظل تقاطر المقاتلين من كل المناطق إلى جبهات دمت". كما أكد أن "الانكسارات التي تتعرّض لها مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح تجعلها في هستيريا نفسية تجعلها تلجأ إلى حرب الشائعات التي ملّ منها الشعب اليمني".
وتُعدّ "دمت" محور الاهتمام راهناً لدى مليشيات الحوثيين وصالح، نظراً لأهمية هذه المدينة الواقعة في الضالع جغرافياً. فمدينة دمت كانت تتبع الشمال وتحديداً محافظة إب، وكانت من ضمن ما سُمي المناطق الوسطى، التي أعلنت الحرب ضد الرئيس المخلوع، في أول سنة من توليه الحكم، إلى جانب مريس وقعطبة وجبن، والتي تكبّد صالح فيها خسائر كادت تطيح بحكمه لولا تدخّل دول عربية. وتقع "دمت" شمال الضالع، وبدأت كمدينة اقتصادية سياحية، وانتقلت إليها الحركة بعد توتر الأوضاع في الضالع، مركز المحافظة، بعد عام من انطلاق الحراك الجنوبي. وتحدها من الشرق جبن ومن الشمال الرضمة، ومن الغرب السدة في إب وأجزاء من العود، ومن الجنوب مريس.
في العام 1998 أُعلنت الضالع محافظة، وتم ضم "دمت" وقعطبة ومريس إليها من إب، وجبن من البيضاء، والحشاء من تعز، إضافة إلى مديريات الضالع والأزارق والحصين والشعيب وجحاف من لحج.
ومع الحرب الحالية احتلت المليشيات "دمت" من دون مواجهة، وكانت تجري فيها مناوشات بين الفترة والأخرى، وكان هدف المليشيات الضالع العاصمة، لذلك أهملت تعزيزاتها في دمت. ومع سقوط معسكر الصدرين في منطقة مريس، المحاذية لدمت من الجهة الجنوبية، انعكس الأمر على المليشيات في دمت، التي ما إن دخلت "المقاومة" اليها، حتى هربت المليشيات باتجاه الرضمة ويريم في إب، ومنذ ذلك الحين بدأت "المقاومة" إجراءاتها في دمت.
اقرأ أيضاً: مقتل 25 حوثياً في تعز واشتباكات قرب الضالع
وكان لافتاً منذ هزيمة الحوثيين وحلفائهم وانسحابهم من المحافظات الجنوبية، في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، حرصهم على البقاء في المناطق الحدودية للمحافظات، واستماتتهم فيها، على الرغم من القصف الجوي المكثف الذي طال مواقعهم والمعارك التي دارت مع "المقاومة". ففي محافظة لحج، حرص الحوثيون والقوات المتحالفة معهم على البقاء في منطقة كرش الحدودية مع محافظة تعز، وتراجعوا أخيراً مع استمرار المعارك.
ومن جهة تعز أيضاً، توسّع الحوثيون في الشهرين الماضيين باتجاه مديريات حدودية مع محافظة لحج، وتحديداً مديرية الوزاعية التي تشهد مواجهات بصورة شبه يومية، وتكبّد الحوثيون فيها خسائر كبيرة سواء في المعارك أو الغارات الجوية.
وفي الحدود بين محافظتي أبين والبيضاء، كانت مديرية مكيراس ساحة لمواجهات عنيفة وغارات مكثفة منذ تحرير محافظة أبين، إذ حرص الحوثيون والقوات المتحالفة معهم على الحفاظ على سيطرتهم في مكيراس، التي تحتل موقعاً مهمّاً، إذ كانت في السابق مديرية تتبع محافظة أبين، وتنبع أهميتها من كونها طريقاً للتقدم في أبين، المدخل الشرقي لعدن. وفي محافظة شبوة، لا يزال الحوثيون والقوات المتحالفة معهم يسيطرون على مناطق في مديريتي عسيلان وبيحان، وهما من المناطق المحاذية لمحافظة مأرب. وكانت بيحان محل اهتمام، بعد الهجوم الصاروخي الذي استهدف قوات التحالف في مأرب، ونتج عنه مقتل أكثر من 60 شخصاً، وذكرت مصادر تابعة للشرعية أن الصاروخ انطلق من بيحان.
ويثير تمسّك الحوثيين وحرصهم على المناطق الحدودية بين المحافظات، تساؤلات حول سر ذلك. ووفقاً لآراء مراقبين ومحللين عسكريين استقتها "العربي الجديد"، فإن حرص الحوثيين وحلفائهم على تلك المناطق، يعود لدوافع عديدة، أبرزها حرصهم على البقاء في مناطق تُمكّنهم من تهديد المحافظات التي خسروها، وكذلك في محاولة لمنع انتقال المعارك لعمق المناطق التي لا تزال تحت سيطرتهم، فضلاً عن أهداف سياسية، من خلال جعل تلك المناطق ورقة مفاوضات.
اقرأ أيضاً: اليمن: تعزيزات لتحرير تعز وتجدد الاشتباكات في إب والضالع