اليمن: شركات النفط بحضرموت في مرمى النهب

16 سبتمبر 2015
ميناء المكلاء في حضرموت اليمنية (أرشيف/Getty)
+ الخط -

تصاعدت، خلال الأسابيع الماضية، وتيرة أعمال النهب والسلب التي طاولت شركات نفطية في محافظة حضرموت شرق اليمن، وسط صمت رسمي واستنكار شعبي واسع.

ومنذ 17 أبريل/نيسان الماضي باتت الشركات النفطية تحت حماية حلف قبائل حضرموت بعد انسحاب كتيبة حماية الشركات التابعة للواء 27 الذي تشتت بفعل سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا.

ومحافظة حضرموت هي كبرى محافظات الجمهورية اليمنية وأغناها بالثروة النفطية وينتشر فيها عدد من الشركات الأجنبية التي تعمل في التنقيب عن النفط.

وبعد أيام من انسحاب الجيش، كلف اجتماع قبلي الشيخ العميد محمد عبدالله بن ضوبان قائداً للكتيبة الأولى والخاصة بحماية شركة بترومسيلة (الحكومية) وشركة "دي إن أو" النرويجية وشركة كنديان نكسن الذين يعملون في قطاع 51، كما أقر الاجتماع تكليف لجنة إشرافيه ترفع تقريراً حول أيّ خروقات داخل الشركات من أي اتجاه آخر، والرفع بها إلى رئاسة الحلف ليتخذ القرار الجماعي تجاهه، إلا أن هذه القرارات لم تفعل على ما يبدو.

وعلى الرغم من أن حلف قبائل حضرموت هو المعني بحماية شركات النفط التي تتوزع على الهضبة الجبلية في المحافظة إلا أن معظم حالات النهب والسلب قام بها عناصر قبليون بعضهم من أفراد الحراسة وسط صمت من قيادة الحلف، الذي اكتفى ببيان صحافي وحيد صدر، في يونيو/حزيران الماضي، قال فيه: "إن من يقومون بهذه الأعمال لا يمثلون الحلف وتوجهاته".

واستبشر المواطنون بداية بتولي قوة حضرمية حماية شركات النفط بعد أن ظلت سنوات تحت إمرة قيادات عسكرية موالية لنظام صالح وبعض القوى المتنفذة إلا أن هذه الفرحة اصطدمت بأكثر من خمس حالات نهب تسببت في فقدان الثقة لدى قطاع واسع من أبناء المحافظة في حلف القبائل.

وبدأ مسلسل النهب والعبث في الشركات النفطية، في 22 من أبريل/نيسان، بقيام مجموعة من المسلحين بسرقة كميات من البنزين وقطع غيار بعض المولدات من شركة بترومسيلة الحكومية، بحسب إفادة مصادر محلية لـ "العربي الجديد". وعلى الرغم من محدودية المسروقات إلا أنها شكلت بداية عمليات أكبر مستقبلاً.

وفي مايو/ أيار، قام مسلحون قبليون بنهب ثلاث سيارات تابعة للشركة الحكومية تحت تهديد السلاح، فضلاً عن تعرض عمال ومقاولين في بترومسيلة للتهديد، الأمر الذي دفع بالشركة لإصدار بيان تهدد فيها بإيقاف العمل وتوقيف ضخ مادة الديزل التي تغذي كهرباء وادي حضرموت.

وفي مطلع يوليو/ تموز الماضي، أقدم قائد إحدى النقاط التابعة لحلف القبائل والمكلفة حمايةَ الشركات باحتجاز 11 ناقلة ديزل مخصصة لكهرباء وادي حضرموت، وقام ببيعها وسرقة مخصصاتها، واعترف حلف القبائل بهذه الحادثة، معتبراً أن ذلك ناتج عن أشخاص ليس لهم أي علاقة أو ارتباط بالحلف، وهي أعمال فردية قام بها أشخاص خارجون عن إدارة وإرادة الحلف، بحسب بيان أصدره الحلف آنذاك.

وفي الخامس عشر من الشهر ذاته، أقدم القائد نفسه بصحبة مسلحين باقتحام الشركة وسرقة ما لا يقل عن 9 سيارات وأثاروا الفوضى وأطلقوا النار في الهواء، ما حدا بالشركة إعلان وقف العمل إلا أن تدخلات مشايخ قبائل حالت دون ذلك واستمرت الشركة في عملها بشرط محاسبة المتورطين في الحادثة بعد إجازة عيد الفطر وهو ما لم يحدث.

وفي الأيام القليلة الماضية قام مسلحون بعملية تخريب طاولت مولداً كهربائياً بقدرة 80 كيلو وات خاص بتشغيل محطة معالجة النفايات بشركة بترو مسيلة ـ القطاع (14).

إلى ذلك فشل مسلحون في نهب مركبات من شركة بترومسيلة، خلال الأيام الماضية، وتعرض أحدهم لإصابة نُقل على أثرها لمستشفى سيئون، بحسب مصادر تعمل في الشركة.

وخلال الأشهر الأربعة الماضية تكررت، أيضاً، عمليات التقطع لناقلات البنزين المخصص لكهرباء مناطق وادي حضرموت والذي يتم إنتاجه في شركة بترومسيلة، فضلاً عن سرقة كميات أخرى من شركتي توتال ودوف.

وانطلقت في 21 من ديسمبر 2013 هبة شعبية في المحافظة إثر مقتل زعيم قبلي، وكان أهم مطالبها إسناد حماية الشركات النفطية لأبناء المحافظة، إلا أن السلطات الحكومية ماطلت ولم تتنفذ هذه المطالب لتعود الحرب الحالية لتضع المطلب كأمر واقع.

نتائج سلبية

جراء عمليات السلب والنهب المستمرة لشركات وناقلات النفط تضرر المواطن كثيراً، خصوصاً في تشغيل التيار الكهربائي، حيث تسببت هذه الحوادث في انقطاع التيار الكهربائي أكثر من 16 ساعة، يومياً، في فترات طويلة.

اقرأ أيضاً: اليمن: شركات النفط تتعامل مع الشرعية

وبحسب مصدر قبلي فإنه لا تزال كثير من ناقلات النفط متواجدة بالشركة، ولم تتحرك إلى محطات توليد الكهرباء نظراً للاختلالات الأمنية المتكررة، الأمر الذي يهدد بتوقف التيار الكهربائي نهائياً عن وادي حضرموت الذي يضم 20 مديرية.

مصدر خاص قال لـ "العربي الجديد" إن أحد أكبر المقاولين في شركة نكسن يحاول، حالياً، إخراج معداته حفاظاً عليها من عمليات النهب.

ومن المتوقع أن تلقي عمليات النهب بظلالها على عمل الشركات النفطية مستقبلاً، والتي رحل عنها جميع الأجانب منذ بداية الحرب التي تشهدها البلاد، ومن المرجح ألا يعود هؤلاء في ظل حماية قبلية غير منظمة، الأمر الذي يتطلب سرعة إعادة تشكيل المنطقة العسكرية الثانية لتتولى حماية الشركات، حفاظاً على ثروة نفطية تغذي ميزانية البلاد بأكثر من 50% من الإجمالي العام.

في السياق ذاته، حذر رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، من أن استهداف منشآت النفط سواء من مليشيات الحوثي أو من جماعات مسلحة وقبلية سيؤثر سلباً على أهم مورد اقتصادي في اليمن، ويوسع دائرة العنف بين المتصارعين على هذه الثروة مستقبلاً.

وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن النفط يشكل ما نسبته 75% من حجم الموارد الاقتصادية لليمن، لذا فإن العبث بهذا القطاع يعني تدمير ثلثي الاقتصاد الوطني.

ولفت إلى أنه بعد سيطرة مليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، كانت أولى الشركات التي سعت للسيطرة عليها، شركة صافر التي تدير أهم قطاع نفطي قبل أن تنتشر فضائح الفساد بما يتجاوز 45 مليون دولار.

وأوضح أن دخول اليمن في حالة الفوضى جراء اقتحام مليشيات الحوثي المدن اليمنية جعل الشركات النفطية تغادر على الرغم من حجم الاستثمارات الكبيرة التي أنفقت على قطاعات، كما هو الحال مع شركة الغاز المسيل التي استثمرت ما يقرب من 5 مليارات دولار على مشروع تصدير الغاز.

حلول الحد من الظاهرة

في محاولة إيجاد حد لهذه الظاهرة، تعهد زعماء قبائل في اجتماع قبلي، عقد الأربعاء الماضي، بمنع أي اختراق أمني في مواقع الشركات النفطية وكلفوا لجنة ستتواجد على مدار الساعة لمراقبة الوضع، وذلك بحسب إفادة مصدر قبلي.

وقال المصدر لـ "العربي الجديد" إن الاجتماع الذي عقد بحضور رئيس حلف قبائل حضرموت، عمرو بن حبريش، أقر تشكيل لجنة مهمتها التواصل مع قائد المنطقة العسكرية الثانية لمعرفة ما إذا كان مستعداً لتحمل ملف حماية الشركات لتخرج من مسؤولية القبائل إلى قوات الجيش.

كما تعهد زعماء القبائل الذين حضروا الاجتماع بإرجاع كل المعدات والمركبات التي نهبت من الشركات النفطية، خلال مدة لا تزيد عن 10 أيام.

ولاقت عمليات النهب استياء واسعاً لدى سكان المحافظة، خصوصاً وأن المواطنين كانوا يعولون على هذه القبائل في حماية الشركات وضمان استمرار عمل جزء منها لتأمين الاحتياجات الضرورية للمحافظة.

في السياق أوضح عضو سكرتارية حلف قبائل حضرموت الوادي، الأستاذ عبدالهادي التميمي، أن انسحاب وحدات الجيش فجأة، في أبريل/نيسان الماضي، تسبب في حالة من الارتباك ألقت بظلالها على تنظيم حراسات الشركات بالشكل المطلوب.

وأشار في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أنهم يستنكرون مثل هذه الظواهر بشدة وينتقدون المتورطين فيها، لكنه أرجع هذه الظاهرة لحالة الإهمال التي تعرض لها منتسبو الحراسة من القبائل والذين ظلوا، طيلة أربعة أشهر، بدون أدنى حافز أو راتب على الرغم من قيامهم بالواجب، وهذا جهد يشكرون عليه حسب قوله.

ولفت "التميمي" إلى أن الحلف ككيان ليس هو المسؤول على ما يحصل من اختلالات أمنية، فالواقع أن القبائل المجاورة للشركات النفطية، هي من تولت حماية القطاعات الموجودة في أراضيها، وليس الحلف كما هو مشاع لدى المواطنين.

ولم يستبعد التميمي، أن تكون هناك جهات مرتبطة بالنظام السابق تقف وراء ما يحدث لتولد قناعة لدى المواطنين بفشل أبناء المحافظة في إدارة أنفسهم.

وأكد التميمي، أن هناك تواصلاً مع قيادة المنطقة العسكرية الثانية لإيجاد حل جذري وتشكيل حراسة تابعة للدولة، داعياً كل الخيرين إلى التعاضد لمواجهة هذه الاختلالات.

وانتقد التميمي إهمال الدولة لموضوع بحجم الشركات النفطية، لافتا إلى أن القيادات العليا أطلقت عدداً من الوعود لحل المشكلة، لكن لم تنفذ أياً منها على أرض الواقع.


اقرأ أيضاً:
اليمن يستأنف إنتاج النفط بحماية التحالف
الحظر البحري يحاصر تجّار اليمن

دلالات
المساهمون