اليمن: خطوات متسارعة لمفاوضات الحل

20 نوفمبر 2018
تعرّضت الحديدة لقصف سعودي إماراتي (فرانس برس)
+ الخط -
تظهر التطورات المتسارعة في اليمن والمواقف الصادرة عن الطرفين المحليين للصراع، أي الحوثيين والحكومة الشرعية، أن المساعي الأممية والدولية لعقد جولة المفاوضات اليمنية ومحاولة وقف الحرب باتت تمتلك حظوظاً أكثر من أي وقت سبق. وتعززت المؤشرات الإيجابية مع إعلان جماعة أنصار الله (الحوثيين)، عن مبادرة لوقف إطلاق الصواريخ البالستية وضربات الطائرات المسيرة، ضد كلٍ من قوات التحالف السعودي الإماراتي وقوات الجيش اليمني الموالي للشرعية، مساء الأحد، في الوقت الذي يستعد فيه المبعوث الدولي مارتن غريفيث للقيام بجولة جديدة في المنطقة تضع اللمسات الأخيرة، التي تسبق إطلاق جولة رسمية من المفاوضات في السويد، التي أعلنت الحكومة الشرعية موافقتها على المشاركة فيها. وتزامنت هذه التطورات أيضاً مع طرح بريطانيا مشروع قرار دولياً بشأن اليمن على طاولة مجلس الأمن الدولي تضمن عدداً من النقاط، أبرزها المطالبة بهدنة فورية في مرفأ الحديدة ويحدد أمام المتحاربين مهلة أسبوعين لإزالة كافة الحواجز التي تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية، فيما كان الملف اليمني حاضراً في مباحثات وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، في طهران، أمس أيضاً، وقال للصحافيين "نحن حريصون جداً جداً على المضي قدماً نحو السلام في اليمن".

وأعلن رئيس "اللجنة الثورية العليا"، القيادي البارز في جماعة الحوثيين محمد علي الحوثي، مبادرة تشمل دعوة جماعته لوقف إطلاق الصواريخ وضربات الطائرات المسيرة، تلبية لطلب من غريفيث ولقطع الطريق أمام ما وصفه بـ"العدوان الأميركي السعودي الإماراتي" باستمرار الحرب. 
وحمل بيان الحوثي إشارات متقدمة بالتعاون مع الجهود الدولية للسلام، من خلال التأكيد على استعداد الجماعة لوقف العمليات العسكرية بشكل كلي في جميع جبهات المواجهات في البلاد، وصولاً "إلى سلام عادل ومشرف إن كانوا فعلاً يريدون السلام للشعب اليمني"، الأمر الذي يمثل خطوة مهمة في طريق جهود تثبيت وقف إطلاق النار، بصورة مؤقتة على الأقل.
من جهته، رحّب غريفيث على صفحته على موقع "تويتر" بالخطوة، معرباً عن أمله بـ"أن تواصل جميع الأطراف ممارسة ضبط النفس لإيجاد بيئة ملائمة لعقد المشاورات".

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه على الفور موقف حكومي رسمي بشأن مباردة الحوثيين، بدا المتحدث باسم التحالف السعودي الإماراتي
تركي المالكي، في مؤتمره الصحافي أمس، متشككاً تجاهها، خصوصاً بعدما 
 اتهم الحوثيين بأنهم أطلقوا، أمس، صاروخاً بالستياً من محافظة حجة، شمال اليمن، باتجاه السعودية إلا أنه سقط في الأراضي اليمنية. كما أشار المالكي، في المؤتمر الصحافي الأسبوعي، إلى أن العمليات العسكرية في مدينة الحديدة مستمرة، لكن ما يحدث هو الاختلاف في وتيرتها حسب ما تقتضيه الظروف. وأوضح أن قوات الجيش اليمني المدعومة من التحالف باتت تطوق مدينة الحديدة وصارت على بعد 4 كيلومترات من ميناء المدينة و3 كيلومترات من وسطها.
ولم ينس أن يعلن أن التحالف العربي يدعم جهود المبعوث الأممي في الوصول إلى حل سلمي للأزمة في اليمن، وهو الأمر الذي كرره العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه السنوي أمام مجلس الشورى، أمس، عندما أعلن تأييد المملكة للحل السياسي في هذا البلد وإن ربطه بالقرار 2216 ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.

من جانبها، أعلنت الحكومة اليمنية، في بيان لها أمس الاثنين، أنها "سلّمت المبعوث الأممي موافقة على المشاركة في جولة المفاوضات المقبلة، المقرر أن تستضيفها السويد"، وقالت إن "توجيهات من الرئيس عبدربه منصور هادي، الموجود في الولايات المتحدة، قضت بتأييد جهود المبعوث الأممي ودعمه لعقد المشاورات المقبلة وإرسال وفد الحكومة للمشاورات بهدف التوصل لحل سياسي للأزمة مبني على المرجعيات الثلاث المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن رقم 2216". كما طالبت المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين للتجاوب مع الجهود الأممية والحضور إلى المشاورات دون قيدٍ أو شرط.

وبصرف النظر عن مدى التزام أي من الطرفين بالتهدئة والحضور إلى المشاورات، يمثل الموقف المعلن من الحوثيين تحديداً خطوة متقدمة تتباين التقييمات بشأنها، إذ إنها المرة الأولى التي يصدر فيها إعلانٌ من هذا النوع، منذ تصاعد الحرب في البلاد، في مارس/ آذار 2015، وتعكس تعاوناً غير مسبوق من الجماعة، مع المبعوث الدولي المدجج بدعم دولي غير مسبوق، وخصوصاً من قبل مجلس الأمن الدولي، الذي كثف جلساته في الأشهر الأخيرة، لمناقشة الأوضاع في اليمن.



في المقابل، بدا موقف التحالف السعودي الإماراتي أضعف في ظل الضغوط الدولية التي تتعرض لها الرياض وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على وجه التحديد، بعد جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول الشهر الماضي، ويربط يمنيون بين تبعات الحادثة ذات الأصداء العالمية وبين الحراك الدولي الرامي لوقف الحرب في اليمن.

وترافق التطوران مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية على أكثر من جبهة في البلاد، فقد أفادت مصادر محلية وأخرى تابعة لقوات الشرعية لـ"العربي الجديد"، بـ"استمرار التهدئة في مدينة الحديدة وجبهات الساحل الغربي بشكل عام، مع تحليق مكثف لمقاتلات التحالف السعودي الإماراتي بين الحين والآخر. وخلافاً لذلك، تواصلت المواجهات بالمناطق الحدودية مع السعودية (حجة وصعدة)، من جهة اليمن، واستمرت المواجهات والضربات الجوية بوتيرة يومية". وذكرت قوات الشرعية أنها "تمكنت الأحد الماضي، من انتزاع السيطرة على منطقة مثلث عاهم، بمحافظة حجة، التي تحتل أهمية استراتيجية بالنسبة لمعركة حجة والأجزاء الشمالية من الساحل الغربي".

ومن المقرر أن يبدأ غريفيث جولة في المنطقة، الأسبوع الحالي، تشمل زيارة العاصمة صنعاء واللقاء بزعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، بالإضافة إلى محافظة الحديدة، التي تمثل محور التصعيد العسكري والضغوط الدولية. وتأتي الزيارة قبيل الإعلان الرسمي عن موعد المفاوضات المقرر إقامتها في السويد ومن المتوقع أن تنطلق، وفقاً لمصدر في الخارجية اليمنية طلب عدم تسميته، لـ"العربي الجديد"، بحلول نهاية الشهر الحالي أو الأسبوع الأول من الشهر المقبل.

وفشلت جولة المفاوضات الأولى التي رعاها غريفيث في جنيف السويسرية في السادس من سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد تعذر مغادرة وفد الحوثيين لصنعاء. ويبدو أن المبعوث الأممي يسعى إلى استدراك الأخطاء المرافقة للموعد السابق للجولة، من خلال إعلانه عن أنه ينوي اصطحاب أعضاء وفد الحوثيين من صنعاء خلال زيارته المقبلة، للحيلولة دون تكرار الملابسات التي أدت لتعثر الجولة السابقة. وكان غريفيث قد أعلن أمام مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الماضي، أنّ "الحكومة اليمنية والحوثيين أظهروا التزاماً متجدداً بالعمل على حل سياسي، وقدّموا ضمانات مؤكدة بأنهم سيشاركون في المحادثات".