اليمن: حوارات الدوحة والانتصارات الميدانية تمهّد لحلّ سياسي

05 اغسطس 2015
قوى الشرعية تتولى "تطهير جيوب المليشيات" في لحج(فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الترجمة السياسية للانتصارات الميدانية لـ"المقاومة" والجيش الموالي للشرعية، بدعم من التحالف العربي، في جنوب اليمن، لن تتأخر خصوصاً بعد الأجواء التي سادت حوارات الدوحة قبل يومين. 

وفي موازاة استمرار قوات الجيش الموالي للشرعية و"المقاومة" في "تطهير" محافظة لحج من جيوب مليشيات الحوثيين والقوات المؤيدة للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، في أعقاب تحرير قاعدة العند الجوية، والحشد لحسم الوضع في أبين والضالع على أقل تقدير في الأيام المقبلة، يظهر أن اجتماعات الدوحة السياسية قد منحت زخماً كافياً لعودة الحديث عن استكمال العملية السياسية في اليمن، بما يعكس الوقائع الميدانية العسكرية، التي تشهد على تقهقر معسكر تحالف الحوثيين ــ علي عبد الله صالح. وكانت الأزمة اليمنية قد حضرت كملف أساسي في اجتماعات الدوحة بين المسؤولين الخليجيين ووزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف إلى جانب الملف السوري، وتم التوافق على استكمال العملية السياسية، التي يتولى جزء منها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، فيما تتولى دول التحالف الجزء الثاني.

خيار تفعيل العملية السياسية كان واضحاً أيضاً من سلسلة اللقاءات التي عقدت مع المسؤولين الإماراتيين على مدى الأيام الماضية استباقاً لاجتماعات الدوحة، سواء من قبل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أو نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اليمني، خالد بحاح، أو المبعوث الأممي.

اقرأ أيضاً: حوارات الدوحة... يوم شرق أوسطي طويل بتطمينات وتوافقات

وفيما لم تصدر أية مؤشرات حول أجواء اللقاءات خلال الأيام الماضية، كان لافتاً أنّ التصريحات الإيجابية بدأت عقب اجتماع الدوحة. المتحدث باسم الأمم المتحدة، أحمد فوزي، نقل أمس الثلاثاء، عن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قوله إنه يعتقد أنّ خطته لإنهاء الصراع المستمر، منذ أربعة أشهر، تجتذب المزيد من المؤيدين من بين الأطراف المتحاربة، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز". هذا "التفاؤل" جاء بعد فشل محادثات جنيف التي قادتها الأمم المتحدة مع المكونات السياسية اليمنية في يونيو/حزيران الماضي، فضلاً عن إجهاض المليشيات الهدنة التي حاولت الأمم المتحدة إرساءها في يوليو/تموز الماضي. وأكد فوزي أن المبعوث الأممي التقى خلال زيارته القاهرة أيضاً قبل أيام، مع الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يدعم صالح، في إشارة إلى عارف الزوكا، فيما كان لافتاً إعلان السكرتير الخاص لصالح، حمد يحيى الفقيه، أن "السلام سيعود إلى أرض السلام اليمن وبيد زعيم اليمن"، في إشارة إلى الرئيس المخلوع. وهو نفس الموقف الذي كان قد لفت إليه القيادي المؤتمر، ياسر العواضي، قبل ثلاثة أيام، في تغريدة على حسابه على "تويتر" بقوله إنّ "جهود المؤتمر الخارجية خلال أكثر من شهر تتكلل بالنجاح. هبوط تدريجي للسلام بدأ". ووضعت مصادر سياسية يمنية لـ"العربي الجديد" تعمد القيادات المؤتمرية التركيز على الأجواء الإيجابية، في إطار سعي حزب المؤتمر هذه المرة إلى الترويج لمبادرة سياسية يحاول من خلالها الحد من خسائره بعد التحولات في الميدان، لكنها أشارت إلى أن المبادرة لم تنضج بعد.

وفي السياق نفسه، نفى فوزي أن يكون ولد الشيخ أحمد قد بحث إمكانية التفاوض على خروج صالح من اليمن، ولا سيما في مباحثاته مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، وذلك في ظل إصرار فريق الشرعية على أن أية تسوية لا بد أن تتضمن خروج صالح من اليمن. كما أشار فوزي إلى أنّ العربي أبلغ ولد الشيخ أحمد أن الجامعة العربية "ستكون مستعدة لبحث مسألة المراقبين في حالة الاتفاق على وقف لإطلاق النار".

في موازاة ذلك، أعاد خالد بحاح، نائب الرئيس، رئيس مجلس الوزراء، في حوار مع "سكاي نيوز"، أمس الثلاثاء، تحديد شروط استئناف العملية السياسية، مؤكداً أنّ "العودة إلى الحوار تعني الالتزام بمخرجات الحوار الوطني وتطبيقها"، ومشيراً إلى أن مهمة المبعوث الدولي إلى اليمن هي العمل على تطبيق القرار الأممي 2216 الذي ينصّ على الانسحاب الفوري لمسلحي جماعة الحوثي وقوات الرئيس المخلوع من المناطق التي استولوا عليها، وتسليم أسلحتهم للدولة والدخول في مفاوضات للتوصل إلى حل سلمي للأزمة.

ويبقى احتمال التوصل إلى تسوية قريبة من عدمها رهناً بتطورات الأيام المقبلة، على الرغم من استبعاد بعضهم ذلك، مشيرين إلى تأكيدات الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في لقاءات بعيدة عن الإعلام أن لا حوار قبل زيادة الضغط العسكري على الحوثيين. وهو ما تطرق إليه هادي أيضاً أول من أمس بقوله إنه "لن تتوقف الانتصارات عند قاعدة العند، وسنستمر بكل قوة حتى تحرير كامل اليمن".

اقرأ أيضاً الدور الإماراتي في اليمن: هدف معلن وفرضيات متعدّدة

في غضون ذلك، بدت مليشيات الحوثيين والمخلوع منهارة في جنوب اليمن، ولا سيما بعد تحرير قاعدة العند الجوية، وسط توزع مقاتليها بين قتلى على جبهات المعارك أو أسرى في قبضة الجيش الموالي للشرعية و"المقاومة"، فضلاً عن تسجيل فرار جماعي.

من جهته، يواصل التحالف دعم "المقاومة" والجيش الموالي للشرعية. وفي السياق، كشفت مصادر مصرية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن دفعة جديدة من القوات المسلحة المصرية ستتوجه إلى السعودية عقب افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، غداً الخميس، للمشاركة في العمليات العسكرية في اليمن. ووفقاً للمصادر نفسها، تم الاتفاق على هذه الخطوة بين الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في لقائهما الأخير بالقاهرة. وأبلغ السيسي مجلس الدفاع الوطني بالاتفاق، على أن يبدأ تنفيذه بعد نهاية عملية تأمين حفل افتتاح تفريعة القناة.

وأضافت المصادر أنه من المتوقع زيادة عدد القوات المصرية، ممثلة في وحدات من المشاة مدعومة بالصاعقة، وتصاعد مساهمتها في عمليات اليمن، وذلك في إطار تفاهم سياسي بين القاهرة والرياض، مقابل زيادة حجم الاستثمارات السعودية المتدفقة إلى مصر. وكانت قوات مصرية من سلاحي الطيران والمظلات، قد قامت بمهام الدعم والمساندة، في إطار الهجوم الذي نفذ على قاعدة العند أول من أمس وانتهى بتحريرها.

وتقوم "المقاومة" والجيش الموالي للشرعية، وبغطاء جوي من مقاتلات التحالف، في تطهير الجيوب في العند والحوطة ومزارع الحسيني في محافظة لحج، بعدما تم تمشيط مناطق "الفيوش" والمدينة الخضراء ومحيط قاعدة العند. وكشف مصدر في قيادة "المقاومة" لـ"العربي الجديد" أنّ "المقاومة والجيش الشرعي يخوضان معارك عنيفة شمال غرب قاعدة العند الجوية، في الجبال المطلة على القاعدة والتي تربطها مع معسكر لبوزة، بعد تمركز المليشيات في بعض هذه الجبال"، مشيراً إلى أن الهدف هو التوجه نحو حدود لحج مع تعز.

وتعمدت المليشيات تلغيم كل المناطق التي كانت تعتقد أنها ستخرج منها، مما أدى إلى إصابات كبيرة في صفوف مقاتلي قوات الشرعية. وهو ما دفع إلى الدعوة إلى التريث في الدخول إلى تلك المناطق حتى يتم تفكيك الألغام وتأمين كل المناطق والمواقع العسكرية.

من جهته، أشار قائد الإسناد في "المقاومة الشعبية"، ناصر حدور، لـ"العربي الجديد" إلى أن "المقاومة دخلت الحوطة، ووصلت إلى الحسيني، وتعمل على تمشيط المنطقة، ولا سيما بعد التمكن من قطع الاتصالات بين مليشيات الحوثيين والمخلوع في بعض الجيوب والمنازل المتخفين فيها في المنطقة". وأوضح حدور أن "المليشيات حاولت (أمس الثلاثاء) مهاجمة قاعدة العند بعد أن سلكت طريق منطقة شعب وتمكنت المقاومة من دحرهم وإعادتهم إلى منطقة القبيطة والعودة إلى تعز".

وحول مرحلة ما بعد تحرير قاعدة العند، أكد حدور أن "المقاومة ستعمل أولاً على تطهير كامل المناطق في لحج حتى يكتمل تحرير كل الجيوب بالتعاون مع الجيش ودعم التحالف ثم ستتجه القوات نحو الخط البحري من باب المندب، وصولاً إلى ميناء المخاء وتأمينه لتخفيف الضغط على المقاومة في تعز وفتح طريق دعمها".

ورجح مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" أن "مليشيات الحوثيين والمخلوع سيحاولون تعزيز مراكزهم في بعض ما تبقى لهم من مواقع في تعز والضالع والبيضاء". وأوضح المصدر أن قوات المليشيات الذين خسروا في لحج، ومع اقتراب خروجهم من أبين، سيكونون بذلك قد أجبروا على الانسحاب من ثلاث محافظات هي عدن ولحج وأبين، فيما يستعدون للخروج من ثلاث محافظات أخرى بشكل نهائي، وهي تعز والضالع والبيضاء، والتي لها حدود مع محافظة لحج". وأكد المصدر أنّ "هذه هي المرحلة الثالثة من عملية السهم الذهبي، وستكون قاعدة العند هذه المرة، مركزاً لإدارة العمليات المشتركة لدول التحالف، وستكون قريبة من مناطق المواجهات".

وتأتي عملية تطهير الجيوب المتبقية في لحج لتشير إلى أن خسائر مليشيات الحوثيين والمخلوع كانت كبيرة في العتاد والأرواح، فيما سجلت حالات لفرار جماعي لمليشيات الحوثيين والمخلوع من لحج. وأوضح المواطن، فهد اللحجي، لـ"العربي الجديد"، أن الأهالي شاهدوا "المئات من مليشيات الحوثيين والمخلوع يغادرون مناطق الفيوش والحوطة والمدينة الخضراء مشياً على الأقدام بدون أحذية وأسلحة، وكانوا يهربون عن طريق مناطق فرعية وقرى وبعضهم عن طريق الخط الرئيسي، وكانوا تائهين لا يعرفون أين يتجهون".

ولفت اللحجي إلى أن "الكثير من هؤلاء سُمعوا يكيلون السب والشتائم للحوثيين والرئيس المخلوع ويتهمونهم بخداعهم والتخلي عنهم، بل تركهم بدون أي طعام منذ ثلاثة أيام". وأشار إلى أنّ العشرات من "هؤلاء يطالبون الأهالي بإعطائهم ماء وطعاماً ليتمكنوا من العودة إلى مناطقهم".

من جهته، أوضح الناشط، سليمان عبدالله، لـ"العربي الجديد" أن "حالة عناصر وجنود الحوثيين سيئة، واضطروا الى تسليم أنفسهم للمقاومة والجيش الموالي للشرعية وبينهم الكثير من الأطفال، بعد أن تقطعت بهم السبل ووجدوا أنفسهم في مناطق محاصرين ومطاردين في كل مكان". وكان المئات من مليشيات الحوثيين والمخلوع قد هربوا أيضاً من قاعدة العند الجوية، عن طريق فرعي شمال غرب القاعدة. وتفيد بعض المعلومات أن بعضهم هربوا باتجاه الجبال، وبعضهم الآخر اتجهوا نحو تعز.

في غضون ذلك، يؤكد مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" أن عناصر المليشيات والجنود الموالين لصالح، الذين تم أسرهم، "سيتم التعامل معهم وفق حقوق الإنسان والأعراف الدولية". وشدد المصدر على أنّ "هؤلاء الأسرى ليسوا أسرى حرب جرت بين اليمن ودولة أخرى، إنما هؤلاء يمنيون تجاوزوا القوانين الوطنية والعسكرية وهددوا السلم الاجتماعي وعرضوا البلد والدولة وحياة المواطنين للخطر وتسببوا في مقتل الآلاف من الأبرياء، فضلاً عن تدمير البنى التحتية للبلد وكلفوا البلد خسائر كبيرة، وبالتالي سيقدمون للمحاكمة العادلة من دون الانتقاص من حقوقهم الإنسانية".

اقرأ أيضاً عودة قاعدة العند إلى الشرعية اليمنية ...."النكسة الكبرى" للمليشيات

المساهمون