اليمن: المشاورات الأممية أمام خيارين

25 يوليو 2018
يتنقل غريفيث بين صنعاء وعدن والرياض ومسقط(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
تحولت اللقاءات التي يعقدها المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، وأعضاء في فريقه مع ممثلي طرفي الأزمة اليمنية بين كلٍ من صنعاء وعدن والرياض ومسقط، إلى مفاوضات غير مباشرة حول أبرز مواضيع الخلاف. لكن استمرار التباين بين طرفي الحرب، الشرعية والحوثيين، حول القضايا نفسها منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام من الحرب، يجعل جهود غريفيث أمام مصيرين: التمهيد لجولة مفاوضات بمساعدة الضغوط الدولية، أو انتظار ما ستسفر عنه العمليات الميدانية، التي سيتحدد على ضوئها الطرف المجبر على تقديم التنازلات اللازمة للشروع في المسار السياسي في وقتٍ لاحق.
وكشفت مصادر سياسية في الحكومة الشرعية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الرد الذي تسلمه المبعوث الأممي على مقترحاته من الجانب الحكومي، يوم الأحد الماضي، اشتمل على ملاحظات ومطالب تلامس مواضيع الخلاف الأساسية، في ما يتعلق بمطالبة الحوثيين بالانسحاب من المدن وإطلاق سراح المعتقلين في سجون الجماعة، وغيرها من الإجراءات، التي من المتوقع أن يبني غريفيث على ضوئها الخطوط العريضة للقاءات مرتقبة له مع قيادات الحوثيين.



ولم يتضمن الرد الحكومي رفضاً مبدئياً للمقترحات الأممية المتعلقة بالتهدئة وترتيبات الوضع الإنساني، بقدر ما سعى للعودة إلى الخطوط العامة للمطالب المبنية على قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الصادر في 2015. لكن مجمل هذه المطالب تحد من مساعي المبعوث الأممي للتوصل إلى نقاط التقاء بين الأطراف، خصوصاً في ظل رفض الحوثيين لمختلف المطالب الحكومية واقتصار الموقف المرن من قبل الجماعة، على السماح بدور للأمم المتحدة بإدارة ميناء الحديدة.
وبالتزامن مع الجولة الجديدة للمبعوث الأممي، يوم الأحد الماضي، واللقاءات التي عقدها في الرياض، خرج وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بتصريحات جديدة، جدد من خلالها المطالبة بانسحاب الحوثيين من الحديدة. وأشار قرقاش إلى أن العمل العسكري سيستمر إذا لم تستجب الجماعة لجهود المبعوث الأممي بالانسحاب من المدينة، في حين ينفي الحوثيون أن تكون المبادرة الأممية تتطلب منهم الانسحاب. وتقول مصادر قريبة من الحكومة اليمنية إنها طلبت من الحوثيين رداً مكتوباً على الأفكار التي قدمها غريفيث، على غرار الرد الذي تسلمه من الجانب الحكومي، ومن المتوقع أن يعمل عليه مع الحوثيين في الأيام المقبلة.
من جهته، أكد المتحدث باسم الجماعة، رئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، في تصريحات حديثة بالتزامن مع زيارة المبعوث الأممي إلى الرياض، أن "الموقف بخصوص الميناء والإيرادات"، وما وصفه بـ"العدوان"، في الساحل الغربي "يتوقف على ما ذكره"، زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي "في موضوع رؤيتنا للحل، وأن ما تتم مناقشته هو في هذا الاتجاه"، في إشارة إلى ما يتعلق بتولي الأمم المتحدة دوراً رقابياً ولوجستياً في الميناء. وبالتالي فإن مسألة الانسحاب من الحديدة كمدينة، غير واردة بالنسبة للجماعة.
ويؤكد عبد السلام أن "هناك مشاورات سياسية وتفاوضية مع الأمم المتحدة، لكن لا توجد أفكار سياسية ناضجة"، وأن "الأمم المتحدة قدمت خطة تسمى الخطة الأولية كمبادئ للحل الشامل، لكنها ما زالت بحاجة إلى كثير من التعديل والنقاش".
وتعيد هذه المواقف، سواء من قبل الحكومة أو الحوثيين، النقاش إلى قضايا الخلاف الجوهرية، المتعلقة بوقف الحرب والإجراءات الأمنية المطلوبة من الحوثيين بالانسحاب من المدن أو (الحديدة على الأقل)، وما يتعلق بملف المعتقلين، وهي الملفات ذاتها التي اصطدمت بها أجندة المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وبالتالي يبقى تحقيق المبعوث الجديد لاختراق محوري أمراً لا تظهر مؤشراته حتى اليوم على الأقل.
وفي الوقت الذي من المرتقب فيه أن يعقد المبعوث الأممي لقاءات مع الحوثيين لمناقشة مستجدات أفكاره السياسية، من الواضح أن التقدم الذي تحقق بالوقف المؤقت للتصعيد العسكري في الحديدة، يظل مرهوناً باختراق سياسي جديد، يتمثل في ترجمة التهدئة إلى تفاهمات حول الوضع العسكري والإداري في المدينة أو الذهاب إلى مشاورات لتقرير مصير مختلف المواضيع، على أن يكون مصيرها مفتوحاً على احتمالين، إما الفشل أو الوصول إلى اتفاق. وهذا الاختراق، إذا ما تم، فإنه يعتمد بشكل كلي على الضغوط الدولية التي تعزز موقف المبعوث الأممي، بناءً على الوضع الإنساني الكارثي.
أما في حال استمرار العقبات أمام المبعوث الأممي بما يعيق تنظيم جولة مفاوضات جديدة، فإن أحد المآلات المنطقية هو استمرار التصعيد العسكري، سواء في الحديدة أو المناطق الحدودية الشمالية الغربية (صعدة وحجة)، حتى يحين وقت التوجه إلى طاولة المفاوضات السياسية.