اليمن: الغطاء الناعم للانقلاب المسلح

08 سبتمبر 2016
(في اليمن، تصوير: جون لوند)
+ الخط -

يبدو أن الحرب في اليمن لم تحرق المدن فقط، بل هناك أشخاص آخرون أحرقتهم الحرب معنويًا وسياسيًا واجتماعياً، ألا وهم شريحة المثقفين، والصحافيين، والشعراء الذين سقطوا بلمحة بصر في حضن مليشيا الحوثي، وذهبوا نحو العمل مع هذه الجماعة والدفاع عنها بشكل غير متوقع. لم يكن ذلك يخطر على بال أحد، وهو الأمر الذي كان بمثابة صدمة لدى كثيرين.

يقول الكاتب الصحافي عبد العزيز المجيدي، في حديثه إلى "جيل العربي الجديد"، عن هذه الطبقة وعن المبرر الذي بفعله سقطت في حضن المليشيا: "لا أعتقد أن ثمة مبرر لسقوط الصحافي، والمثقف، والفنان، في حضن جماعة عنصرية أو سلطة مستبدة، وأنت لا تستطيع أن تضع هؤلاء سوى في سلة المجاميع الانتهازية التي غالبًا ما تحدد اتجاهها وفقًا لبوصلة المصلحة الشخصية. المثقف والمبدع بصورة عامة هو المعبّر عن وجدان المجتمع، عن حقه في الحرية، والكرامة والخلاص، فكيف يغدو مسوقًا لجماعة عنصرية سلالية تنادي بالتفوق العرقي وتعمل في الوقت نفسه كامتداد لمشروع ثقافي مغاير لهويتك الوطنية والقومية؟".

في حين يؤكد المجيدي أنه إذا كانت وظيفة المثقف الدفاع عن هذه الفضاءات والوقوف في وجه أي محاولة لتقويض السلام الاجتماعي والتعايش بين مكونات المجتمع وضرب قواعد وأسس العمل السياسي المبني على التداول السلمي للسلطة والإذعان لإرادة الشعب، فإن وظيفة الفنان والمثقف والصحافي أيضًا هي النضال من أجل التغيير نحو ترسيخ هذه القيم والمثل العليا وخلقها إن لم تكن موجودة، فكيف وهو يصبح جزءًا من آلة دعائية مبتذلة لمصلحة طائفة ومليشيا تنتهج العنف وإرهاب المختلفين من أجل فرض تصوراتها وقناعاتها على الآخرين؟

يؤيد المجيدي في هذا الطرح الكاتب والمحلل السياسي علي الفقيه، الذي تحدث إلى "جيل العربي الجديد": "دوافع المثقفين والشعراء والصحافيين الذين أيدوا انقلاب جماعة الحوثي وحربها على اليمنيين، هي دوافع عدة، فإما أن لهم ارتباطًا مذهبيًا أو عشائريًا بهذه الجماعة وكانوا يخفون هذه الميول حتى جاءت اللحظة المناسبة، أو المجموعة الأخرى من أصحاب التوجهات اليسارية الذين أيدوها نكاية بخصمهم حزب الإصلاح، حيث تعاملوا مع جماعة الحوثي ومشروعها كمعادل قادر على إنهاء حزب الإصلاح والقضاء على تيار الإسلام السياسي، وهناك آخرون من بائعي المواقف الذين هم على استعداد لمساندة الطرف المهيمن الذي يمسك بالقوة والخزينة ويسعون لمكاسب مادية".

يتفق كثيرون على أن مهمة المثقف تكمن في أن يفتح للناس آفاقًا ومدارك جديدة، وليس تقسيم نفسه على ضفاف الخصومات، ولكن في اليمن بعض المثقفين، والسياسيين، والصحافيين، ذهبوا صوب هذه المليشيا العنصرية نكاية بطرف آخر، أو لخصومة أيديولوجية، لكنهم سقطوا في وحل جماعة أكثر وأشد ترديا من نقائضها. غير أن الدافع الفعلي لهؤلاء، هو التقاط بعض فتات المصالح.

يعتبر الناشط السياسي، محمد المقبلي، هذه الظاهرة أنها استمرار لمسلسل السقوط التاريخي في حضن الانقلاب، على طريقة سقوط المثقف العربي في حضن الديكتاتوريات والانقلابات العسكرية، ضمن مسلسل الرأي مقابل الغذاء والبقاء.

ومن وجهة نظر المقبلي، فإن هدف السلطة المستبدة في شراء ولاء المثقف والصحافي بدرجة رئيسية هو إفراغ مشروع التغيير من قواه الحيوية التي تعمل على تعزيز الوعي بالحرية وضرورة التغيير.

ظهرت في فترة الرئيس علي عبد الله صالح، مجموعة من المثقفين تم استخدامهم كأبواق في الدفاع عنه وعن مشروع توريثه للسلطة وللعبث بمقدرات وثروات البلاد، وحتى اليوم ما زال بعض أولئك الذين استخدمهم صالح حاضرين في المربع نفسه ومستمرين بالمهمة نفسها.

في تعليقه لـ"جيل العربي الجديد"، يقول الشاعر فخر العزب: "أعتقد أن هناك إشكالية تعاني منها المجتمعات العربية، تتمثل بما نسميه مثقف السلطة، وهو المثقف الذي يعاني من حالة انفصام بالسلوك الذي يتناقض كليًا مع مستلزمات المثقف كحامل لفكرة التغيير، ورائدًا من روادها، فيتحوّل المثقف بهذه الحالة من لسان حال الشعب والمجتمع إلى لسان حال الحاكم المستبد، ما يجعله يتفلّت من تمرده ورفضه وإيمانه بمبدأ التغيير ليتحول إلى مجرد مداح".

المساهمون