اليمن .. الحرب والأمل والنصر
في مفارقة أخرى للفزع، عاشها اليمنيون قبل أيام، حين أعلن المتحدث الرسمي باسم "عاصفة الحزم" انتهاء المرحلة الأولى منها، بعد تحقيقها أهداف المرحلة، كما قال، والمتمثلة بتدمير القوة العسكرية اليمنية التي يخشى سقوطها بيد الحوثيين، والإعلان عن بدء المرحلة الثانية من حرب التحالف التي سميت "إعادة الأمل". وبدون سبب واضح، عدا واقع اليأس والمعاناة، تلقى اليمنيون الخبر إعلاناً عن وقف الحرب برمتها، ووصول أطراف الصراع إلى تسوية سياسية. لكن، سرعان ما تكشفت خيبة اليمنيين وضعف حيلتهم، بالتأكد أن هذا الإعلان "تزويق" إعلامي للبؤس الذي تمنحهم إياه حرب لا أكيد فيها سوى كونها مستمرة.
بقراءة خارطة المعارك والمواجهات العسكرية في اليمن، منذ بدء العاصفة ونتائج الصراع اليمني على مستويين، ما زالت المعركة العسكرية على الوتيرة نفسها التي بدأت بها، ولم تستطع أي من القوى المتصارعة حسم المعركة. لم تنجح قوات التحالف، بقيادة السعودية، في تغيير معطيات المعركة على الأرض، لمصلحة جبهة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولا تمكنت، حتى الآن، من تحقيق توازن عسكري يهيئ لهادي العودة إلى العاصمة صنعاء أو إلى عدن، واقتصر ما حققته الطلعات العسكرية للتحالف على تدمير البنية العسكرية لليمن، التي فعلياً لم يستخدمها الحوثيون وصالح في معركتهم ضد السعودية.
في المقابل، تواصل مليشيات الحوثي وصالح حروبها ضد اليمنيين في عدن والضالع وشبوة، وتحكم قبضتها على جزء من تعز بعد إبادة كتيبة اللواء 35، في حين لا تزال جبهة مأرب مفتوحة بين كر وفر بين مليشيات الحوثي وصالح من جهة والقبائل المدافعة عن المدينة من جهة أخرى. وعلاوة على ذلك كله، سقطت مدينة المكلا بيد تنظيم القاعدة. إذ لا منتصر في "الحرب حتى الآن، كما يريد مفتعلو الحروب، ولا يبدو في المشهد اليمني ما يبشر بتحقق الأمان والسلم الذي يعد به المتصارعون اليمنيين، ولا ينتج كل هؤلاء لليمن إلا واقعاً عامراً بالمزيد من الفوضى".
يبرز الإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى من "عاصفة الحزم" تساؤلاً جوهرياً: ما الذي دفع تحالف "عاصفة الحزم" لإعلان الحرب، وما الذي يعنيه لليمنيين انتهاء المرحلة الأولى من عملياتها؟ هل كان الهدف الحقيقي، وغير المعلن، هو القضاء على الصواريخ الباليستية التي تهدد أمن السعودية؟ هل كانت تشكل تهديداً حقيقياً؟ وهل حاول الحوثيون فعلاً استخدامها ضد السعودية، أو حتى التلويح بها؟ إن وضع هذا الهدف العسكري والإعلان عن تحقيقه هدفاً أولياً من حرب يفترض أنها في صف الشرعية اليمنية يعبر عن استخفاف بعقول اليمنيين، حتى المؤيد منهم لـ "عاصفة الحزم"؛ إذ يشير واقع تحركات الحوثين وصالح إلى أن استهداف المملكة بالصواريخ الباليستية ليس هدفاً أو أولوية، وإنما استهداف اليمنيين العزل.
في ظل نتائج حرب جاءت بمزيد من الدمار لليمنيين، وفي ظل ضبابية الأهداف المعلن عن تحقيقها، لنا أن نتساءل: هل الحرب على اليمن إقليمية بنَفَس طائفي كما يقال؟ وإذا ما وضعنا سيناريو آخر للمشهد السياسي اليمني، يلقي ضوءاً على المشهد الحقيقي، وينطلق من افتراض إسقاط علي عبد الله صالح وحده صنعاء، ووضعه الرئيس هادي رهناً للإقامة الجبرية، تمهيداً للانقلاب على شرعية السلطة الانتقالية، هل كانت السعودية ستتحرك، وتخوض حرباً ضروساً كهذه في اليمن؟ أم كانت لتكتفي، كما فعلت سابقاً، بإنتاج مخرج سياسي ما لحليفها التقليدي، والضغط على الأطراف اليمنية، بصيغة توافقية على غرار "المبادرة الخليجية"؟
من سياقات الحرب التي تعيشها اليمن منذ أكثر من شهر، علينا وضع الأسباب الأخلاقية التي دفعت كل الأطراف، الداخلية والخارجية، لتدشين هذه الحرب، ومناقشة ذلك في إطار مصالح الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، واكتشاف جدوى حربها في اليمن، بالقياس إلى تبعاتها الطويلة على اليمنيين، وعلى المنطقة والعالم تالياً؛ لا يبدو سهلاً اكتشاف جدوى حقيقية لأي طرف من تضرر اليمنيين إلى هذا الحد في حرب فريدة الدوافع والأهداف، ليس في العالم العربي، وإنما في العالم بأسره.
لا يبدو أن ثمة وجود لأسباب أخلاقية للحرب في اليمن من كل الأطراف، حتى لو حاولوا التبرير لذلك، إذ يتركز الصراع الأخلاقي بينها على ما يردده كل طرف في الإعلام الموجه من دواع تخصه. وكأنه لا يكفي اليمن ويلات حرب على جبهتين، واختناق حياة اليمنيين، يتحدث التحالف العربي عن أمل تحمله طائرات حربية، ويتحدث تحالف الحوثيين وصالح عن انتصار يمني، لا وجود له إلا في مخيلة الجنون وذاكرة قيامةٍ لا ترى خلاصاً سوى في الحرب والموت. تتهاوى كل البديهيات، ويحار المنطق عندما تسمع تحالف الحوثيين وصالح يتحدث عن نصر يمني، لا شاهد له من أي نوع يمكن لليمنيين لمسه في حياتهم، ولا يمكن لليمني البسيط أن يرى في الدمار حوله شاهداً على انتصارٍ من أي نوع، سوى الانتصار على إنسانيته ووطنه ومنزله، وسلب حقه في الكرامة والعدالة والحرية والأمان.
الأخبار والأحداث كثيرة في اليمن. لكن، لا يمكن لليمنيين، اليوم، الجزم سوى بالموت يأتي من كل صوب، وحرب لا جديد فيها سوى تفاقم الرعب. لا جديد في اليمن منذ بدء "عاصفة الحزم"، لا حل سياسياً يجول في الأفق ويعتق اليمنيين من حرب استنزاف طويلة، يعيشونها على مختلف الأصعدة، ولا طرف يمنياً يجنح إلى التفاوض، ويسهم في حقن دماء اليمنيين ومعاناتهم. لا شيء في اليمن، اليوم، سوى غلبة منطق الحسم العسكري وقانون الغلبة لدى الأطراف السياسية الفاعلة في الساحة اليمنية، والأطراف الدولية المشاركة في هذه الحرب، حلاً رئيسياً يسعون، من خلاله، إلى فرض توازن بين القوى السياسية اليمنية التي تخوض معركة البقاء أو الموت على جثث اليمنيين وأحلامهم. لا شيء على الأرض اليمنية نزهو به، اليوم، كمعطوبي أمل سوى استمرار المعارك والمواجهات بين مليشيات الحوثي وصالح والمواطنين في أكثر من مدينة يمنية، لا شيء سوى تحول الأرض اليمنية بمجملها إلى مقابر مفتوحة للموت، واليمنيون وقد أصبحوا مجرد ضحايا وعيون شاسعة للفزع.