اليمن: الإرهاب يُطلق مسابقات توظيف

02 نوفمبر 2016
(أطفال صنعاء في ساحات القتال)
+ الخط -
منذ قرابة شهر يحاول أحمد بن أحمد إقناع نفسه أن ولده الثلاثيني أنس، الذي ألقي عليه القبض ضمن عشرات الشباب من قبل السلطات الأمنية في عدن، اعترف بارتكاب العديد من العمليات الإرهابية في حق عسكريين وسياسيين، ورجال دين "سلفيين"، وعدد من المدنيين.

قصة أنس كما يرويها والده؛ أنه قبل ثمانية أشهر تقريبًا، غادر قريته التي تسمّى صبيحة لحج متوجّها نحو عدن، بهدف البحث عن عمل هناك، ولم يخطر على بال أهله أن هذا العمل، هو الانخراط في صفوف تنظيم القاعدة، الذي تطوّر وازدهر مؤخرًا بشكل ملفتٍ في كل من عدن ولحج وأبين وحضرموت، حيث حلّت هذه الجماعات محل مليشيا الحوثي، وتولّت مهمّتها في القيام بأعمال تفجير وقتل وأعمال عنف.

ولأن انس من بين الشباب الذين ضاق بهم الحال نتيجة عدم حصوله على وظيفة، فقد صار فريسة سهلة للتنظيمات المتشدّدة، تمكّنت من استدراجه إلى جانب المئات من الأشخاص، إلى صفوف الجماعات المسلحة التي تنهش عدن وبعض المناطق الأخرى، مخلفة مآسيَ كبيرة في المجتمع.


إغراءات مالية
يتوقّع أحمد بن أحمد أن يكون ولده أنس، خضع لغسيل مخ من قبل تلك الجماعات المسلحة، ولا يستبعد في حديثه إلى "جيل العربي الجديد"، وقوعه في فخ الإدمان على المخدّرات والحبوب، ما مكنّهم من التأثير عليه، ويتمنى الرجل لو أنه سمع خبر وفاته بدلًا من سماعه خبر انتمائه للقاعدة، الخبر الذي شكّل صدمة كبيرة له ما زال يعيش على وقعها.

يظهر إلى جوار الشاب أنس، عشرات من الشباب في مقاطع فيديو نشرتها السلطات الأمنية في عدن، وهم يعترفون بارتكابهم جرائم في البلاد، ويسردون قصص مشاركتهم في تفجيرات نُفذت في عدن وأبين خلال الأشهر الماضية، ومن أبرزها التفجير الذي استهدف دار المسنين وخلف عشرات القتلى والجرحى. وتكشف اعترافات الشباب المعتقلين، استلامهم مبالغ مالية كبيرة من قبل تنظيم القاعدة، مقابل تنفيذهم لعمليات إرهابية.

ازداد نشاط هذه الجماعات الإرهابية منذ تحرير عدن، وتحوّلت إلى خطر حقيقي يهدّد أمن البلاد، وصارت السلطات الأمنية عاجزة عن محاربتها والحد من انتشارها، ولكن اهتمام القيادة السياسية ممثلة برئيس البلاد وإلى جانبه قيادة التحالف العربي، مكّن السلطات الأمنية في عدن مؤخرًا، وبعد تكريس كل تلك الجهود المشتركة، من التوصّل إلى بعض الخلايا الإرهابية والقبض على عدد من عناصرها.


البطالة والإرهاب
يؤكد متخصّصون بالشؤون الإرهابية في اليمن، أن عوامل متعدّدة؛ اجتماعية، وسياسية، وأمنية، وفكرية، أدت إلى ظهور التطرّف الديني في جنوب اليمن، وعند مناقشة ظاهرة التطرّف يجب التركيز والبحث في تلك الجذور لمعرفة أماكن الخلل.

يلخّص الكاتب سام الغباري، في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، ظاهرة تزايد التحاق الشباب اليمني بالجماعات المسلّحة: "بكل بساطة شباب بلا عمل، بلا أفق، بلا تعليم، بلا ثقافة، بلا مال ولا مستقبل، هدف لكل تنظيم إرهابي".

من جهته يعتبر أنيس منصور، رئيس تحرير موقع عدن "الغد"، أن الشباب المتطرّف في اليمن ضحية تعبئة خاطئة، وأفكار دخيلة على المجتمع، بعضهم يتم اجتذابهم في مرحلة المراهقة، وتسميم أفكارهم وحشوها بمعتقدات "جهادية"، مضيفاً أن الذين تم القبض عليهم "أغلبهم شباب عاديون، قامت الجماعات باستقطابهم لتنفيذ مخططات وعمليات إرهابية مختلفة".

وتابع منصور حديثه، "الفصيل الذي أطلق على نفسه تنظيم داعش في اليمن ركز على إظهار وحشيته بشكل كبير، ويتضح أن الشباب الذين يعانون من شعور التهميش سواء كان حقيقيًا أو وهميًا، وجدوا في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر، والوحشية هي أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات أخرى، ونتج عنها استقطاب المزيد من المقاتلين في عدن ولحج ويافع خصوصًا".

قد يطرح البعض سؤالًا حول هذا التطوّر الملفت للجماعات المتطرّفة، وحالة الاستقطاب لكثير من الشباب، ولماذا في هذا التوقيت بالذات، بعد أن أصبحت عدن محرّرة من مليشيا الحوثي وصالح؟


الخوف من المساجد
يجيب سياسيون عن هذه الاستفسارات، بأن هناك تنسيقًا بين "داعش" وإيران عبر وكلائها في اليمن، ممثلة في الحوثيين، وذلك من خلال استهداف المواقع المحرّرة، ومن خلال عمليات تهريب السلاح والوقود من بعض المحافظات الجنوبية، وتنفيذ عمليات انتحارية، مثل عمليات اغتيال قيادات كبيرة في المقاومة الجنوبية اليمنية التي كان لها دور في مقاومة الحوثيين والتصدّي لهم.

ويذهب المهتم بشؤون الإرهاب في اليمن معاذ المقطري، نحو وضع مقارنة بسيطة بين فترة التطرّف وفترة دولة الجنوب قبل قيام الوحدة، مضيفاً في حديث إلى "جيل العربي الجديد"، أن الناس كانت تتمنّى في زمن الحزب الاشتراكي، أن يذهب أبناؤها إلى المساجد وليس إلى البارات، حتى لا يتمّ استدراجهم إلى صفوف الحزب، أما اليوم فالناس تخشى على أبنائها من المساجد أكثر من البارات، وذلك خوفًا من أن يتم استدراجهم إلى صفوف "داعش" والقاعدة على حدّ قوله.

كثيرون اليوم، معنيون بمحاربة التطرّف وحماية الشباب من الالتحاق بالجماعات المتطرّفة والجماعات الإرهابية، وعلى رأسهم سلطة الدولة، وأولياء الأمور، وجميع القيادات داخل المجتمع، إضافة إلى المعنيين بقطاع التعليم وقطاع التوعية المجتمعية، والأهم هو خلق فرص عمل ومحاربة الفقر والبطالة والفراغ الذي صار يدفع بكثير من الشباب إلى مربع الجريمة.

المساهمون