14 نوفمبر 2024
اليمن: استئناف الحرب
فشلت المفاوضات اليمنية في الكويت، وانتهت بخيبة أمل مضاعفة لليمنيين، على الرغم من محاولة المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ، تسويق وهم إحراز تقدم بين المتفاوضين اليمنيين، إلا أن ما تؤكده السجالات السياسية بين المتفاوضين وحقائق الأرض أن مفاوضات الكويت لم تكن بالنسبة لهذه الأطراف سوى تمرين إحماء بين شوطين لاستئناف الحرب مجدّداً. وبقدر ما تضاعفت خيبة اليمنيين من المآلات التي تنتظرهم في مستقبل لا يبدو آمناً، فإن إصرار هذه الأطراف على إفشال المفاوضات بشتى الطرق، يعبر عن عجز هذه الأطراف على مواءمة إدارة أولوياتها السياسية وفق خياراتها العسكرية المحدودة، وفشلها في تجاوز صراعاتها البينية، وتوحيد صفوفها تحت مظلة السلام أو الحرب، وسوء تقديراتها لقوتها وإمكاناتها العسكرية والسياسية. بسبب فشلها المركّب، أضاعت أطراف الصراع اليمنية فرصة ملائمةً لإمكانية تحقيق تسوية سياسية، قد لا تؤدي إلى إيقاف الحرب في اليمن، لكنها ستفضي، في أسوأ الأحوال، إلى تطبيع الحياة السياسية بينهما، وهكذا أسدلت مشاورات الكويت الستار على أكثر من سبعين يوماً من العبث السياسي، ليترك مصير اليمنيين بين يدي هذه الأطراف، التي لا تجيد سوى الهرولة إلى الحرب من دون مكابح.
حرصُ أطراف الصراع اليمنية على خيار استئناف الحرب لا يتناسب مع حقيقة عجزها عن كسر رتابة تموضعاتها العسكرية في معظم جبهات القتال، فهي لا تملك خيارات سياسية وعسكرية بديلة عن مرحلة ما قبل مفاوضات الكويت، تمكّنها من تغيير مسار الحرب لصالحها، والإخلال بتوازن الرعب الذي يحكم الأعمال القتالية في اليمن. لذا، تراوح الحرب مكانها بين كرّ وفرّ وانتصاراتٍ وهزائم آنية، لا أثر لها في تغيير موازين القوة بين الأطراف المتصارعة. ممثلة بالرئيس، عبد ربه منصور هادي، والجيش الوطني التابع له، لا تملك السلطة الشرعية على الصعيد العسكري استراتيجيةً عسكريةً واضحة، تمكّنها من إحراز تقدم في مدينة تعز أو مدينة مأرب، ناهيك عن حسم الحرب في أيٍّ من الجبهات المشتعلة، وإعادة بسط سلطتها على العاصمة، وذلك لتنامي الصراعات والتناقضات بين فصائل المقاومة من جهة، والمقاومة نفسها والجيش الوطني التابع له من جهة أخرى. وتحول هذه الصراعات إلى نقطة ضعف مكّنت مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح من التوغل في الأرياف المحيطة بمدينة تعز. عدا عن التقدم العسكري البطيء في جبهة نهم في ضواحي صنعاء، بحسب إعلام السلطة الشرعية الذي لا يشكّل، حتى الآن، تهديداً حقيقياً على العاصمة، إذ لا تقدم عسكرياً يُحسب للسلطة الشرعية. وعلى الصعيد السياسي، ما زال الأداء الباهت للسلطة الشرعية يؤثر سلباً على علاقاتها مع القوى السياسية المؤيدة لها، وعلى عموم اليمنيين، وإخفاقها في تثبيت سلطتها في المناطق المحرّرة، كأولوية سياسية تمكّنها من كسب التأييد الشعبي، بدلا من الاستمرار في إدارة شؤونها الخاصة من منفاها الاختياري في الرياض.
في المقابل، لا تملك قوات التحالف العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، مفاتيح الحل العسكري لحسم الحرب في اليمن كما تدّعي، عدا عن الضغط الإعلامي الذي يمارسه إعلامها على مليشيات الحوثي وصالح، عبر إعلانها بدء معركة إسقاط العاصمة، بما في ذلك قطع الطرق البرية التي تربط العاصمة بالمدن اليمنية التي لم تؤثر على خطوط الإمدادات لمليشيات الحوثي وصالح، بقدر مفاقمتها معاناة اليمنيين، كما أن التعويل على تكثيف القصف الجوي على المدن اليمنية أثبت، منذ بدء الحرب، عدم نجاعته، ما لم يعزّز بتدخل بري، ومع استبعاد التدخل البري للسعودية في اليمن، لكلفته المادية والبشرية، وبسبب الطبيعة الجغرافية اليمنية، وكذلك تغير الولاءات القبلية للقبائل المحاربة في صفوف التحالف، فإنه ليس لدى جبهة السعودية ورقة عسكرية تمكّنها من تغيير موازين القوة في اليمن، إلا إذا تدخلت الاستخبارات الأميركية ونفذت هجمات تطال قياداتٍ في جماعة الحوثي وصالح، وهو ما يستبعده مراقبون كثيرون، لرفض الولايات المتحدة التورّط في المستنقع السعودي في اليمن.
قدرة جماعة الحوثي وصالح على خلط الأوراق السياسية لا تشكل أفضلية على جبهة الشرعية والتحالف، فالحرص على استنئناف انعقاد مجلس النواب، بغرض الشرعنة للمجلس السياسي، ليس سوى تعزيز للإجرءات الانقلابية التي قام بها الحليفان، وورقة سياسية أخيرة تخدم صالح على المدى البعيد. وعلى الصعيد العسكري، ما زالت استراتيجية الحليفين ترتكز على مدى حفاظهما على المواقع المتقدمة في الجهة الجنوبية لمدينة تعز التي سيطرت عليها أخيراً، غير أن تطورات المعارك في المدينة تؤكد تحول تعز إلى مستنقعٍ لمليشيات الحوثي وصالح.
لا أوراق عسكرية ناجحة لدى أطراف الصراع اليمنية وحلفائها، تمكّنهم من حسم الحرب. ومع ذلك، تمضي هذه الأطراف في جبروتها، متمسكة بإسقاط مزيد من القتلى اليمنيين، ومفاقمة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، حيث كرّس فشل مفاوضات الكويت عودة سيناريو الحرب همّاً يجثم على قلوب اليمنيين، إذ أعلنت السعودية تعليق الرحلات الجوية من مطار صنعاء وإليه، ونتيجة ذلك علق آلاف اليمنيين في الخارج، تماماً كالأشهر الأولى من "عاصفة الحزم"، ولم تتدخل السلطة الشرعية لتسهيل ترحيلهم. وعلى مدى يومين فقط، شن طيران التحالف العربي أكثر من مائتي غارة على جميع المدن اليمنية، وتسببت غارةٌ على مدرسة في محافظة صعدة أخيراً في سقوط أكثر من عشرين طفلا بين قتيل وجريح (نفت الرياض مسؤولية التحالف العربي)، وتصاعد قصف مليشيات الحوثي وصالح على مدينة تعز، خصوصاً في الجبهة الشرقية، وأدى إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين.
أكثر من خمسمائة يوم من الحرب والاقتتال بين أطراف الصراع اليمنية في اليمن، خسر فيها عموم اليمنيين كل شيء، وعانوا شتى صنوف الأذى والانتهاك والقتل والحرمان. أكثر من خمسمائة يوم من الحرب، وما زالت أطراف الصراع تستعرض قدرتها على خوض شوطٍ جديد من الحرب.
الحرب لأجل الحرب، هذا ما تفهمه أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤها، لكن القتلة وتجار الحروب ولصوصها لا يدركون أن الحرب منهكة، وأن من الصعب الاعتياد عليها، أو التكيف مع فظاعاتها، وأن كل الطرق التي اتخذها اليمنيون لصد هذا الموت المجاني، الذي يتساقط عليهم، لم تعد كافية.
حرصُ أطراف الصراع اليمنية على خيار استئناف الحرب لا يتناسب مع حقيقة عجزها عن كسر رتابة تموضعاتها العسكرية في معظم جبهات القتال، فهي لا تملك خيارات سياسية وعسكرية بديلة عن مرحلة ما قبل مفاوضات الكويت، تمكّنها من تغيير مسار الحرب لصالحها، والإخلال بتوازن الرعب الذي يحكم الأعمال القتالية في اليمن. لذا، تراوح الحرب مكانها بين كرّ وفرّ وانتصاراتٍ وهزائم آنية، لا أثر لها في تغيير موازين القوة بين الأطراف المتصارعة. ممثلة بالرئيس، عبد ربه منصور هادي، والجيش الوطني التابع له، لا تملك السلطة الشرعية على الصعيد العسكري استراتيجيةً عسكريةً واضحة، تمكّنها من إحراز تقدم في مدينة تعز أو مدينة مأرب، ناهيك عن حسم الحرب في أيٍّ من الجبهات المشتعلة، وإعادة بسط سلطتها على العاصمة، وذلك لتنامي الصراعات والتناقضات بين فصائل المقاومة من جهة، والمقاومة نفسها والجيش الوطني التابع له من جهة أخرى. وتحول هذه الصراعات إلى نقطة ضعف مكّنت مليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح من التوغل في الأرياف المحيطة بمدينة تعز. عدا عن التقدم العسكري البطيء في جبهة نهم في ضواحي صنعاء، بحسب إعلام السلطة الشرعية الذي لا يشكّل، حتى الآن، تهديداً حقيقياً على العاصمة، إذ لا تقدم عسكرياً يُحسب للسلطة الشرعية. وعلى الصعيد السياسي، ما زال الأداء الباهت للسلطة الشرعية يؤثر سلباً على علاقاتها مع القوى السياسية المؤيدة لها، وعلى عموم اليمنيين، وإخفاقها في تثبيت سلطتها في المناطق المحرّرة، كأولوية سياسية تمكّنها من كسب التأييد الشعبي، بدلا من الاستمرار في إدارة شؤونها الخاصة من منفاها الاختياري في الرياض.
في المقابل، لا تملك قوات التحالف العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، مفاتيح الحل العسكري لحسم الحرب في اليمن كما تدّعي، عدا عن الضغط الإعلامي الذي يمارسه إعلامها على مليشيات الحوثي وصالح، عبر إعلانها بدء معركة إسقاط العاصمة، بما في ذلك قطع الطرق البرية التي تربط العاصمة بالمدن اليمنية التي لم تؤثر على خطوط الإمدادات لمليشيات الحوثي وصالح، بقدر مفاقمتها معاناة اليمنيين، كما أن التعويل على تكثيف القصف الجوي على المدن اليمنية أثبت، منذ بدء الحرب، عدم نجاعته، ما لم يعزّز بتدخل بري، ومع استبعاد التدخل البري للسعودية في اليمن، لكلفته المادية والبشرية، وبسبب الطبيعة الجغرافية اليمنية، وكذلك تغير الولاءات القبلية للقبائل المحاربة في صفوف التحالف، فإنه ليس لدى جبهة السعودية ورقة عسكرية تمكّنها من تغيير موازين القوة في اليمن، إلا إذا تدخلت الاستخبارات الأميركية ونفذت هجمات تطال قياداتٍ في جماعة الحوثي وصالح، وهو ما يستبعده مراقبون كثيرون، لرفض الولايات المتحدة التورّط في المستنقع السعودي في اليمن.
قدرة جماعة الحوثي وصالح على خلط الأوراق السياسية لا تشكل أفضلية على جبهة الشرعية والتحالف، فالحرص على استنئناف انعقاد مجلس النواب، بغرض الشرعنة للمجلس السياسي، ليس سوى تعزيز للإجرءات الانقلابية التي قام بها الحليفان، وورقة سياسية أخيرة تخدم صالح على المدى البعيد. وعلى الصعيد العسكري، ما زالت استراتيجية الحليفين ترتكز على مدى حفاظهما على المواقع المتقدمة في الجهة الجنوبية لمدينة تعز التي سيطرت عليها أخيراً، غير أن تطورات المعارك في المدينة تؤكد تحول تعز إلى مستنقعٍ لمليشيات الحوثي وصالح.
لا أوراق عسكرية ناجحة لدى أطراف الصراع اليمنية وحلفائها، تمكّنهم من حسم الحرب. ومع ذلك، تمضي هذه الأطراف في جبروتها، متمسكة بإسقاط مزيد من القتلى اليمنيين، ومفاقمة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، حيث كرّس فشل مفاوضات الكويت عودة سيناريو الحرب همّاً يجثم على قلوب اليمنيين، إذ أعلنت السعودية تعليق الرحلات الجوية من مطار صنعاء وإليه، ونتيجة ذلك علق آلاف اليمنيين في الخارج، تماماً كالأشهر الأولى من "عاصفة الحزم"، ولم تتدخل السلطة الشرعية لتسهيل ترحيلهم. وعلى مدى يومين فقط، شن طيران التحالف العربي أكثر من مائتي غارة على جميع المدن اليمنية، وتسببت غارةٌ على مدرسة في محافظة صعدة أخيراً في سقوط أكثر من عشرين طفلا بين قتيل وجريح (نفت الرياض مسؤولية التحالف العربي)، وتصاعد قصف مليشيات الحوثي وصالح على مدينة تعز، خصوصاً في الجبهة الشرقية، وأدى إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين.
أكثر من خمسمائة يوم من الحرب والاقتتال بين أطراف الصراع اليمنية في اليمن، خسر فيها عموم اليمنيين كل شيء، وعانوا شتى صنوف الأذى والانتهاك والقتل والحرمان. أكثر من خمسمائة يوم من الحرب، وما زالت أطراف الصراع تستعرض قدرتها على خوض شوطٍ جديد من الحرب.
الحرب لأجل الحرب، هذا ما تفهمه أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤها، لكن القتلة وتجار الحروب ولصوصها لا يدركون أن الحرب منهكة، وأن من الصعب الاعتياد عليها، أو التكيف مع فظاعاتها، وأن كل الطرق التي اتخذها اليمنيون لصد هذا الموت المجاني، الذي يتساقط عليهم، لم تعد كافية.