منذ تحرير مدينة عدن، جنوب اليمن، من مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، تسعى وسائل إعلام تابعة للأخير إلى تكرار التحذير من مخاوف سيطرة تنظيم القاعدة على "المناطق المحررة" وأنّ البديل لتحالف الحوثي ـ صالح سيكون "القاعدة" و"داعش"، في سيناريو يبدو مكرراً لما حدث بعد الثورة الشبابية في 2011.
في أعقاب الثورة ضد نظامه في فبراير/شباط 2011، استخدم صالح الجيش والأمن لقمع المتظاهرين السلميين وقتل المئات منهم. وبعد 4 أشهر من الثورة، سعى وسطاء خليجيون وغربيون لإقناع صالح بتوقيع اتفاق مع أحزاب المعارضة يترك بموجبه الحكم مقابل منحه حصانة وعدم محاكمته.
وفيما كان صالح يقول إنه سيتنحى عن السلطة، لم تكن الغالبية من اليمنيين تصدق ما يقوله. وقد تراجع صالح عن توقيع الاتفاق ثلاث مرات قبل إصابته في محاولة اغتيال تعرض لها في دار الرئاسة في يونيو/حزيران 2011.
في مايو/أيار 2011، وقبل إصابته بشهر واحد، قال صالح "إذا رحلت عن السلطة فستسيطر القاعدة على 5 محافظات". ومما قاله أيضاً إنه إذا رحل عن السلطة فإن اليمن سينقسم إلى دويلات وسلطنات صغيرة وستنتهي وحدته الوطنية.
لاحقاً في أعقاب تنحي صالح الإجباري عن السلطة، انتخب نائبه عبد ربه منصور هادي رئيساً للبلاد. ومنذ الأشهر الأولى لحكم هادي، تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في مناطق مختلفة من اليمن، حيث سيطر التنظيم على مدينة زنجبار في محافظة أبين فضلاً عن بلدات أخرى. كما استولى على مدينة رداع في محافظة البيضاء وسط اليمن.
اقرأ أيضاً: "القاعدة" في حضرموت بين خياري الانسحاب والمواجهة
كانت أصابع الاتهام في ما يتعلق بسقوط المدن بيد "القاعدة" تشير يومها إلى صالح وإلى تواطؤ الجيش الذي كانت وحدات منه لا تزال خاضعة لسيطرة المقربين من صالح، مثل الحرس الجمهوري بقيادة نجله العميد أحمد علي صالح.
قالت مصادر حكومية، في حينه، إن بعض القيادات العسكرية سمحت لتنظيم القاعدة بالاستيلاء على مستودعات مهمة من الأسلحة في الجنوب. كما اتُهمت بأنها غضت النظر عن قيام التنظيم بالسطو على عربات محملة بالأموال بهدف الحصول على تمويل له.
وأخيراً عقب تحرير مدن الجنوب، بدأت وسائل إعلام تابعة لصالح بالحديث عن سيطرة تنظيم القاعدة على المدن المحررة. يؤكد محللون سياسيون أن "عاصفة الحزم" التي انطلقت في أواخر مارس/آذار، دمرت جزءاً كبيراً من قوة صالح العسكرية وأحبطت مشروعاً لتتويج نجله أحمد كرئيس لليمن. لكن على الرغم من ذلك، يحذر محللون من أنّ صالح لا يزال قادراً على خلط الأوراق وخلق الفوضى، فيما يرى آخرون أنه فقد قدرته على أداء أي دور في مستقبل اليمن.
يرى المحلل السياسي، نجيب غلاب، أن صالح فقد قدرته على تقديم شيء ذَي فائدة في مكافحة الاٍرهاب. ويوضح غلاب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الخوف من صالح ومن أن يوظف بقايا قوته في التخريب ونشر الفوضى قد تكون من الأسباب التي تدفع الآخرين للتعامل معه". ويعتبر أن إخراج صالح من اليمن الخيار الأسلم شريطة أن يمنع من ممارسة أي نشاط عام ذات طابع سياسي أو اجتماعي ذات دلالة سياسية ويحظر عليه أي تواصل مع أطراف سياسية.
ووفقاً لغلاب، فإنه "من دون فرض إقامة جبرية عليه، فإنّ صالح يملك من الأموال ما يكفي لزعزعة أي تحول آتٍ، والمفترض أن يتم إعداد قيادة من عائلته غير متورطة في الانقلاب لتكون موجودة في حزب المؤتمر الشعبي العام شريطة أنّ يتم فصل الحوثيين عن حزب المؤتمر".
من جهته، يؤكد الباحث السياسي، سعيد بكران، لـ"العربي الجديد" أنّ الرئيس المخلوع قد انتهى، وأنّ الماضي لا يعود، لكنه يعترف بأن تنظيم القاعدة، و"داعش" كفصيل منشق عنه، تحدٍ خطير لكن لا يخص الجنوب من دون الشمال".
ويشير بكران إلى أنّ "هذه آفة عالمية، وبالتأكيد يوجد أطراف كثيرة يمكن أن تلعب بورقة القاعدة، لكن في ما يخص الجنوب، وبالتحديد إقليم عدن الذي يضم محافظات عدن، لحج، أبين والضالع، هناك متغير هام يجعل استيلاء القاعدة على القرار والأرض في تلك المحافظات المحررة احتمالاً ضعيفاً".
ويوضح بكران أن هذا المتغير الجديد يتمثل في "وجود قوات التحالف العربي بشكل مباشر، إذ إن قوات الحرس الوطني السعودي والإماراتيين والمصريين موجودون في عدن، بما يضمن عدم وجود أي فراغ أو انزلاق المدينة لأي نوع من الفوضى"، على حد قوله.
ويرى الباحث السياسي اليمني أن "هذا الأمر لا يعني أنه لن يكون لهذه التنظيمات العنفية نشاط من نوع ما، وإنما يعني أن فكرة الدولة الجنوبية الداعشية التي ينظّر لها تيار صالح مستحيلة".
من جهته، يرى المحلل السياسي، بلال أحمد، أنّ تنظيم القاعدة لا يستطيع السيطرة على الجنوب لأسباب عديدة، متوقفاً عند احتمال وصول أسلحة معسكرات الحرس الجمهوري السابق إلى يد التنظيم. ويقول أحمد لـ"العربي الجديد" إنه يصعب افتراض احتفاظ هذه القوة بجهوزيتها وعتادها بعد ما تعرضت له من قصف من قوات التحالف، لكن حتى لو احتفظت بجهوزية معقولة بمعسكراتها، وفي حالة هروب الحوثيين الى صعدة، فإنه في هذه الحالة لن يكون أمام معسكرات صالح خيارات كثيرة. إما أن تعلن الولاء لشرعية هادي أو تحترب معها أو تفتح أبواب مخازنها وتسمح للقبائل والافراد بنهبها، وفي جميع هذه الاحتمالات، فإن وصول عتاد تلك المعسكرات ليد تنظيم "القاعدة" صعب.
اقرأ أيضاً: خارطة جديدة للنفوذ العسكري اليمني... وإعادة الاعتبار لحضرموت والجنوب