اليساري!

13 يوليو 2015

عادل إمام في مشهد من "أستاذ ورئيس قسم"

+ الخط -

يكاد أن ينتهي رمضان، وينتهي معه ماراثون طويل من المسلسلات التي تحاول، بكل ما أوتيت من قوة، تسمير المشاهد أمام سيل من الإعلانات، ولا أقول الدراما. الإعلانات هي المشهد الأبرز في مسلسلات رمضان، خصوصاً على قنوات مصرية "طيّارة"، يبدو أنها تفتح دكانها في رمضان، وتغلقه بانصرام شهر الصيام. قنوات لا تصمد في الأثير كثيراً في الأحوال العادية، بضاعتها، غير مسلسلات رمضان، إعلانات رخيصة شكلاً ومضموناً، وتعكس مصر لا نعرفها. على نحو أدق: لا أعرفها، على الرغم من معرفتي شبه الوطيدة بمصر. كمية الرخص في هذه الإعلانات لا مثيل لها. فجعنة الأكل لا مثيل لها. العشوائية الفنية كذلك. السحر والذي لا بد أن يكون مغربياً!

لكن، في مقابلها هناك مصر أخرى في إعلانات القنوات الخاصة "الدائمة": سواحل ساحرة. مشاريع إعمارية برتبة خمس نجوم. سلع فاخرة. مطاعم باريسية. أحدث أجهزة الاتصالات والسيارات. وهناك وطنية تكاد أن تحرق المشاهد أمام الشاشة. وطنية فاقعة، زاعقة، تصل إلى حدود الشوفينية. نعرف من التجربة أنه كلما ارتفع الصوت قلّ الفعل، لأنَّ الأخير يحلُّ محل الأول، وينوب عنه. لكن، سرعان ما تتحوّل هذه الوطنية الصارخة الى نوع من التسوّل. من يمرُّ بالريموت كونترول على الشاشات المصرية، المذكورة، يصعق لكمية النداءات التي تطلب الصدقة والتبرّع لكل شيء تقريباً: من صندوق الزكاة إلى بنك الطعام، مروراً بمستشفيات السرطان والقلب والأمراض المستوطنة، وملاجئ الأيتام، إلخ. كأنَّ لا وجود لدولة. خليط غريب من خطابات وصور تتحدث عن واقع مصري غير الواقع الذي تصوّره الوطنية التي تتكئ على تراثٍ لم يعد موجوداً إلا في الكتب، أو في الشواهد الحضارية الهائلة التي تركها الأسلاف البعيدون.

كنت أود أن أتحدث عمّا يجيء في ركاب رمضان من دراما، فوجدتني أتحدث عن صورة مصرية راهنة، أحاول تحاشي التحدّث عنها، لكي لا أثير حساسية أشقائنا المصرية سهلة النكء. ما يلفت النظر في طوفان الدراما المصرية، غير تناقض غزارتها مع ما هي عليه البلاد من أزمات اقتصادية، انصرافها، العام، عن دراما الواقع المصري بعد ثورة يناير، إلا ما جاء به عادل إمام.

هذا العام قرَّر عادل إمام أن يخوض غمار الثورة. الممثل الذي عُرف بعلاقته الوطيدة بعائلة حسني مبارك ونظامه، يغيّر جلده، ويتحوَّل الى يساري. أو هذا ما يبدو على السطح. نفهم الجانب الساخر في عمل لعادل إمام. هذا ميدانه، ولا نتوقع منه شيئاً مختلفاً. لكن، السخرية شيء والكاريكاتورية شيء آخر. الأخيرة مسخ للأولى. تحويلها الى مسخرة، وليس إلى سخرية. وهذا هو حال بعض شخصيات "أستاذ ورئيس قسم" الذي لا يجد له كاتب المسلسل إلا الحشرات لكي يكون رئيساً لقسمها! لكنَّ هذا ليس شيئاً. كلام عادل إمام عن الثورات والتورايخ الثورية والخطابات العصماء التي لا تستمد مادتها ومعجمها من أي يساريةٍ أعرفها، هو "الاستهبال" بعينه. فلا هي يسارية قومية، ولا هي يسارية ماركسية. هي يسارية عادل إمام، أو مؤلفه الدائم يوسف معاطي، كشكول مفردات وأفكار وتصرفات يغلب عليها الكليشيه، لأن لا الكاتب ولا نجم العمل يعرفان شيئاً، كما هو واضح، عن اليسار وأدبياته.

لا يريد عادل إمام أن يكون "فلولاً"، فماذا يفعل؟ يصل إلى معسكر الفلول، من خلال كليشيهات اليسار. يصعب عليه أن يكون مباركياً (أقصد في المسلسل)، لكنه يجعل الثورة مسخرة وكارثة أمنية وأخلاقية، فتبدو المباركية جنَّة، لم يعرف المصريون قيمتها إلا بعدما خرجوا منها. فالثورة، في مسلسل هذا اليساري، كارثة في الأمن وكارثة في السلوكيات، وتلفيق لمصر غير التي يعرفها المصريون. كل ما حصل بعد ثورة يناير يدين فكرة الثورة، ويجعل أي شعبٍ يعدُّ للمليون قبل أن يفجِّرها. فمع انفجارها انفجار لكل ما كان كامناً تحت سطح المقبرة الجماعية التي تسمى "الاستقرار". وهذا صحيح، وإن كان كلام حق يراد به باطل.

 

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن