اليافعون وقوداً

13 يوليو 2014
+ الخط -


يعمل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بلا كلل ولا ملل، ونحن، هنا، لا نمدح عمله، إنما نوصّف واقعاً، والعالم بأسره سيدفع الثمن باهظاً لغضّ الطرف، وترك السوريين يُذبحون في واضحة النهار. ولا نقول إن تنظيم داعش يحقق النصر، بل يدفع الموت، ما أسهم بصعود نجمه، وجعله يحتفل بمنجزاته. واستثمر التنظيم ضعف المعارضة السورية المعتدلة اليتيمة، ليبسط نفوذه وسيطرته على أرضٍ لم يبذل نقطة دم واحدة في تحريرها.

ما زال الجميع، للأسف، ينظر لتنظيم الدولة على أنه مجموعة من الأفراد يمكن بسهولة وضع حد لهم، لكن السوريين الذين يعيشون على الأرض، ويعايشون تنظيم الدولة يدركون عبثية هذا الرأي وسطحيته. إذ يحاول التنظيم أن يخلق حاضنة اجتماعية ورصيداً شعبياً، ما يؤمن ويحقق له الدعمين البشري والمادي. ولن نتحدث عن الزيجات من أعضاء التنظيم لنساء سوريات كثيرات، كما لن نتحدث عن انتساب مراهقين وشباب كثيرين، صُوِّرَ لهم أن التنظيم يحقق لهم أحلامهم بالقوة والمجد.

سنتحدث عمّا هو أكبر وأعمق، سنتحدث عن بيعة العشائر في ريف حلب الشرقي للتنظيم، هذه البيعة التي سبقت إعلان التنظيم قيام الخلافة بأيام، هذه البيعة غابت عن الإعلام، ولا ندري السبب، أكان متعمّداً أم سهواً.

تم توجيه الدعوة لأكثر من ألف شخص من شيوخ ووجهاء العشائر، لحضور مجموعة من ولائم التنظيم في مسكنة والخفسة وسد تشرين، وبالتأكيد، هذا حصل في كل المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وليس الهدف طبعاً الولائم، إنما البيعة. في الدعوة الأخيرة، تناوب مشايخ ووجهاء على إلقاء كلماتٍ، أكدوا فيها بيعتهم للتنظيم، كما ألقى والي منبج كلمة، تحدث فيها عن منجزات التنظيم، وخططه المستقبلية. وترافقت الدعوة مع مظاهر هدفت إلى أكثر من مغزى، من جملتها إطلاق الرصاص الحي على صورة لبشار الأسد، ليثبتوا أنّ مشروعهم مستقل، وأنّ بشار عدوهم، كما هو عدو للسوريين، إضافة إلى استقبال الضيوف، وتوديعهم بإطلاق الرصاص الحي في مشهد يوحي بالقوة والأبهة.

إن بيعة العشائر ستؤمّن رصيداً شعبياً لا يستهان به لتنظيم الدولة. صحيح أن كثيراً من الشيوخ والوجهاء بايعوا مكرَهين، وصحيح أن قسماً منهم يميل مع الريح، ويراهن على ما يعتقد أنه الحصان الرابح، لكن قسماً منهم بايع التنظيم قلباً وقالباً، وهناك حديث عن نية لدى التنظيم بإصدار عفو عن عناصر الجيش الحر من أبناء العشائر تمهيداً لعودتهم للمنطقة، وتمهيداً لانخراطهم في صفوف التنظيم.

إن نظرة التنظيم أبعد وأعمق من أخذ بيعة من مشايخ ووجهاء عشائر أثبت التاريخ أنهم يمنحون ولاءهم للقوي أيّاً كان هذا القوي، فهم قادرون على التلوّن مع كل ألوان الطيف، ولن نستعرض التاريخ والولاءات للدولة العثمانية، والاستعمار الفرنسي ونظام الأسد وأخيراً داعش، بعدما كانوا قد أيدوا الثورة عندما حررت مناطقهم.

يدرك التنظيم وجود هذه الفئة من المتلونين بين أبناء العشائر، وهو ينظر إليهم وللشرفاء من أبناء العشائر نظرة واحدة، لأنه يريد دعاية إعلامية لا أكثر. لأنه، وبصراحة، يراهن على اليافعين والشباب الصغار من أبناء هذه العشائر. ومن هنا قلنا إنّ التنظيم يخطط ويعمل بلا كلل للمستقبل. فعندما يرى الشاب أن شيخ عشيرته، ووجيه عائلته صاحب السلطة والمال، قد قدم الولاء، فإنه سيبادر للالتحاق بهذا التنظيم كي يحصّل بعضاً من السلطة والمال المحروم منهما.

المطلع على واقع معسكرات المنتسبين الجدد، يدرك هذه الحقيقة، ويدرك ما هو أعمق وأبعد؛ فإذا كانت طلائع التنظيم غير سورية، ولا تمتلك حاضنة شعبية، فإن الصورة بعد فترة ليست بالقصيرة سوف تتبدّل، لأن أبناء التنظيم الجدد سيكونون من أبناء البلد، وسيكونون أكثر إيماناً بعقيدة التنظيم كونهم رضعوها منذ الصغر.

هل يعي العالم حقيقة بيعة العشائر وآثارها المستقبلية على المنطقة أولاً، والعالم ثانياً؟ ولا ننسى التذكير أن الكثير من المشايخ والوجهاء المبايعين، كانوا يعدّون ركائز نظام الأسد، وحلفاء استراتيجيين له!