31 مايو 2021
الوهابية ونهايات الفرق الدينية المسيسة
بينما كنت أقلب الأخبار، لاختيار الأخبار المناسبة لنشرة أخبار اليوم، لفت انتباهي خبر وتوقفت عنده، كان الخبر يتحدث عن حفلة للفنانة المعروفة أحلام، وشباب سعودي غاضب.
قلت لعل الشباب غاضب من الحفلة نفسها، ومن إحياء الحفلات في بلاد الحرمين، فهذا أمر طبيعي، لجيل تربّى تحت رحمة هيئة المعروف والنهي عن المنكر، وعلى المحاضرات والخطب وبعض التقييد للحريات، خاصة الدينية، وسوق له كأنه يعيش في عهد الصحابة وبدايات الدعوة الإسلامية.
قلت في نفسي إنه أمر طبيعي أن ينكر هذا الجيل حفلة غناء لأحلام وغيرها من الفنانين والمغنين، لكن الخبر كان يسير في اتجاه آخر، الغضب لم يكن من إحياء الحفلات الغنائية في بلاد الحرمين، بل من ثمن التذاكر وغلائها، والجميع كان يتهافت لحضور حفلة الفنانة أحلام، كما تهافتوا على حفلات شيرين عبد الوهاب وراغب علامة وعمرو دياب ومغنين أجانب، فقد استبدل القوم هيئة المعروف بهيئة الترفيه.
ليس العيب في الترفيه ولا في السياحة ولا في الفن، فهو جزء من المعاصرة لا بد منه، العيب الحقيقي هو أن تظل تغلق بيتك طوال ثلاثين عاماً على فكرة معينة وتفرضها على الناس وتصور لهم على أنها هي الدين لا غيرها، وعندما تفتح باب بيتك للحظة يهرب الجميع وتبقى وحدك.
ما بنته الوهابية في ثلاثين عاماً تحطمه مغنية في ساعة، فيسرع إليها الشباب ويتركونك تغرد خارج السرب، بل والأدهى أن يخرج رموز دعوتك الوهابية ويعتذروا عن دعوتهم على الملأ، كحال الشيخ عائض القرني.
العيب ليس في الشباب السعودي ولا في الفن، العيب في الأفكار المتشددة في التزاوج الباطل بين السلطان الجائر والشيخ المتاجر بدينه، وتلك فرق ساقطة ودعوات زائلة عبر التاريخ، والمصيبة أنها حين تسقط، تسقط من النفوس أولاً، قبل سقوطها من العقول، ثم تلفظها الأرض والناس والزمان والتاريخ.
إن ما تشهده المملكة العربية السعودية لهو نهاية فرقة متدينة متشددة جثمت على قلوب الناس سنيناً، وصورت لهم ديناً كله عصبية وتشدد وفرض لا قناعة فيه، ولقد قالها ابن باديس ذات يوم، "إن الإسلام دين قلب وعقل وقناعة، فلا خير في دين مصطنع".
لقد ظلت الوهابية منذ القرن الثامن عشر تحتكر الدين في نفسها، وتكفر غيرها من المذاهب، فالفرقة التي قامت على رفات الأشعرية والصوفية هي نفسها التي ضربت السلفية الدينية في مقتل حين أساءت للدين فعلاً وقولاً، وتدخلت حتى في علاقة العبد بربه، فسيرت الناس في الشوارع لمراقبة صلاتهم، والوهابية التي تمجد ابن تيمية شيخ الإسلام شوهت صورة الرجل وأظهرته في ثوب المتطرف.
والفرقة التي تتبنى المذهب الحنبلي، وهو إمام الصامدين الذين يقولون كلمة حق في وجه سلطان جائر، وقد دفع الرجل نفسه ثمن الكلمة، هي ذاتها الفرقة التي تسكت عن الحق البين وتؤيد الحاكم ولو قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق جهاراً نهاراً، وإسطنبول وقنصليتها شاهدتان، وليسألوا صنعاء وعدن وتعز وحضرموت عن أمير يقتل الجار المسلم في الشهر الحرام وغيره.. ما حكمه في الإسلام؟
والطائفة التي تدعي الانتساب للسنة والجماعة هي ذاتها التي تكفر كل الفرق الأخرى، وسطيين ومعتدلين، وأما الليبرالية عندهم والعلمانية فكفر بواح وخروج من الملة.
إن مثل هذه الفرق زائلة عبر الأزمان، فالفرق الدينية التي تعيش تحت عباءة السلطة والدولة تسقط بسقوطها، ذاك قانون التاريخ وسلطانه، خاصة في الدول المستبدة التي تلبس لباس الدين وهو منها براء.
لقد لبس المعتزلة لباس المأمون والبرامكة إبان العصر العباسي وأرادو فرض أفكارهم وضرب العقيدة والسنة في مقتل، بقولهم إن القرآن مخلوق وإن الفاسق لا يدخل ناراً ولا جنة، وغيرها، وأرادوا من خلال المأمون إجبار الناس على فكرهم، وأراد المأمون الاحتماء بهم، فاستبد وعذب، ثم هلكوا بهلاكه. ولقد لبس العبيديون والأشاعرة لباس الدولة الفاطمية، والقاهرة شاهدة، وأرادوا فرض فكرهم على الناس فسقط سلطان الفاطميين، وسقطوا معه حين لفظهم الناس.
ولبست الكنيسة وكهنتها من أرثوذكس وكاثوليك لباس القياصرة في أوروبا، وزينوا لقياصرتهم قتل الناس وترهيبهم وفصلوا لهم الدين على مقاس القيصر، غير أن الثورات لفظتهم وأزالتهم، وكان من أسباب الثورات الاستبداد الديني، وقد تم فصل الدين إلى يومنا هذا عن السياسة.
كذلك حال الوهابية اليوم التي ساهمت الأحداث المتسارعة في العالم العربي في فضحها، خاصة ما بعد 2010، فكان للربيع العربي نصيب الأسد في كسر شوكة الوهابيين، وكان صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صاحب أطول منشار في العصر الحديث، القشة التي قصمت ظهر البعير، فوضع شيوخ الوهابية في اختبار عسير مع منح المرأة حق السياقة ودخولها للملاعب والحفلات الغنائية، فتغيرت الفتاوي من التحريم الجازم للتحليل، فلا منزلة عندهم بين المنزلتين، فإن غزا الأمير غزوا وإن سالم سالموا.
أما عن قتل الجار والاستيلاء على أرضه، وحصار آخر في الشهر الحرام فهو مباح ما أباحه الأمير، فنحن كنا في غفلة وقادنا الأمير الصاعد للصحوة والدين المستقيم.
إن الوهابية هي نتاج التطرف وموروث الاستبداد والتزاوج بين حكم المستبدين ورغبات المتدينين، وهو زواج باطل، فالفرقة التي قامت على رفات الأشعرية والصوفية والمعتزلة هي ذاتها التي أنتجت أحد أكبر التنظيمات تعصباً وتطرفاً، وهو تنظيم القاعدة بالاسم الأب الفعلي لتنظيم الدولة، وهي فرقة ظهر كذبها واكتشف الناس خداعها.
وثبت أن كلمات أغنية من شيرين عبد الوهاب كان لها وقع وتأثير على الناس أكثر من آلاف المحاضرات طوال ثلاثين عاماً من اتباع الوهابية، حتى قال الناس على سبيل السخرية المحزنة "إن الأمير نقل بلاده من فكر ابن عبد الوهاب إلى فكرة شيرين عبد الوهاب"، فضاعت الدولة والهيبة وحتى السمعة.
قلت لعل الشباب غاضب من الحفلة نفسها، ومن إحياء الحفلات في بلاد الحرمين، فهذا أمر طبيعي، لجيل تربّى تحت رحمة هيئة المعروف والنهي عن المنكر، وعلى المحاضرات والخطب وبعض التقييد للحريات، خاصة الدينية، وسوق له كأنه يعيش في عهد الصحابة وبدايات الدعوة الإسلامية.
قلت في نفسي إنه أمر طبيعي أن ينكر هذا الجيل حفلة غناء لأحلام وغيرها من الفنانين والمغنين، لكن الخبر كان يسير في اتجاه آخر، الغضب لم يكن من إحياء الحفلات الغنائية في بلاد الحرمين، بل من ثمن التذاكر وغلائها، والجميع كان يتهافت لحضور حفلة الفنانة أحلام، كما تهافتوا على حفلات شيرين عبد الوهاب وراغب علامة وعمرو دياب ومغنين أجانب، فقد استبدل القوم هيئة المعروف بهيئة الترفيه.
ليس العيب في الترفيه ولا في السياحة ولا في الفن، فهو جزء من المعاصرة لا بد منه، العيب الحقيقي هو أن تظل تغلق بيتك طوال ثلاثين عاماً على فكرة معينة وتفرضها على الناس وتصور لهم على أنها هي الدين لا غيرها، وعندما تفتح باب بيتك للحظة يهرب الجميع وتبقى وحدك.
ما بنته الوهابية في ثلاثين عاماً تحطمه مغنية في ساعة، فيسرع إليها الشباب ويتركونك تغرد خارج السرب، بل والأدهى أن يخرج رموز دعوتك الوهابية ويعتذروا عن دعوتهم على الملأ، كحال الشيخ عائض القرني.
العيب ليس في الشباب السعودي ولا في الفن، العيب في الأفكار المتشددة في التزاوج الباطل بين السلطان الجائر والشيخ المتاجر بدينه، وتلك فرق ساقطة ودعوات زائلة عبر التاريخ، والمصيبة أنها حين تسقط، تسقط من النفوس أولاً، قبل سقوطها من العقول، ثم تلفظها الأرض والناس والزمان والتاريخ.
إن ما تشهده المملكة العربية السعودية لهو نهاية فرقة متدينة متشددة جثمت على قلوب الناس سنيناً، وصورت لهم ديناً كله عصبية وتشدد وفرض لا قناعة فيه، ولقد قالها ابن باديس ذات يوم، "إن الإسلام دين قلب وعقل وقناعة، فلا خير في دين مصطنع".
لقد ظلت الوهابية منذ القرن الثامن عشر تحتكر الدين في نفسها، وتكفر غيرها من المذاهب، فالفرقة التي قامت على رفات الأشعرية والصوفية هي نفسها التي ضربت السلفية الدينية في مقتل حين أساءت للدين فعلاً وقولاً، وتدخلت حتى في علاقة العبد بربه، فسيرت الناس في الشوارع لمراقبة صلاتهم، والوهابية التي تمجد ابن تيمية شيخ الإسلام شوهت صورة الرجل وأظهرته في ثوب المتطرف.
والفرقة التي تتبنى المذهب الحنبلي، وهو إمام الصامدين الذين يقولون كلمة حق في وجه سلطان جائر، وقد دفع الرجل نفسه ثمن الكلمة، هي ذاتها الفرقة التي تسكت عن الحق البين وتؤيد الحاكم ولو قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق جهاراً نهاراً، وإسطنبول وقنصليتها شاهدتان، وليسألوا صنعاء وعدن وتعز وحضرموت عن أمير يقتل الجار المسلم في الشهر الحرام وغيره.. ما حكمه في الإسلام؟
والطائفة التي تدعي الانتساب للسنة والجماعة هي ذاتها التي تكفر كل الفرق الأخرى، وسطيين ومعتدلين، وأما الليبرالية عندهم والعلمانية فكفر بواح وخروج من الملة.
إن مثل هذه الفرق زائلة عبر الأزمان، فالفرق الدينية التي تعيش تحت عباءة السلطة والدولة تسقط بسقوطها، ذاك قانون التاريخ وسلطانه، خاصة في الدول المستبدة التي تلبس لباس الدين وهو منها براء.
لقد لبس المعتزلة لباس المأمون والبرامكة إبان العصر العباسي وأرادو فرض أفكارهم وضرب العقيدة والسنة في مقتل، بقولهم إن القرآن مخلوق وإن الفاسق لا يدخل ناراً ولا جنة، وغيرها، وأرادوا من خلال المأمون إجبار الناس على فكرهم، وأراد المأمون الاحتماء بهم، فاستبد وعذب، ثم هلكوا بهلاكه. ولقد لبس العبيديون والأشاعرة لباس الدولة الفاطمية، والقاهرة شاهدة، وأرادوا فرض فكرهم على الناس فسقط سلطان الفاطميين، وسقطوا معه حين لفظهم الناس.
ولبست الكنيسة وكهنتها من أرثوذكس وكاثوليك لباس القياصرة في أوروبا، وزينوا لقياصرتهم قتل الناس وترهيبهم وفصلوا لهم الدين على مقاس القيصر، غير أن الثورات لفظتهم وأزالتهم، وكان من أسباب الثورات الاستبداد الديني، وقد تم فصل الدين إلى يومنا هذا عن السياسة.
كذلك حال الوهابية اليوم التي ساهمت الأحداث المتسارعة في العالم العربي في فضحها، خاصة ما بعد 2010، فكان للربيع العربي نصيب الأسد في كسر شوكة الوهابيين، وكان صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان صاحب أطول منشار في العصر الحديث، القشة التي قصمت ظهر البعير، فوضع شيوخ الوهابية في اختبار عسير مع منح المرأة حق السياقة ودخولها للملاعب والحفلات الغنائية، فتغيرت الفتاوي من التحريم الجازم للتحليل، فلا منزلة عندهم بين المنزلتين، فإن غزا الأمير غزوا وإن سالم سالموا.
أما عن قتل الجار والاستيلاء على أرضه، وحصار آخر في الشهر الحرام فهو مباح ما أباحه الأمير، فنحن كنا في غفلة وقادنا الأمير الصاعد للصحوة والدين المستقيم.
إن الوهابية هي نتاج التطرف وموروث الاستبداد والتزاوج بين حكم المستبدين ورغبات المتدينين، وهو زواج باطل، فالفرقة التي قامت على رفات الأشعرية والصوفية والمعتزلة هي ذاتها التي أنتجت أحد أكبر التنظيمات تعصباً وتطرفاً، وهو تنظيم القاعدة بالاسم الأب الفعلي لتنظيم الدولة، وهي فرقة ظهر كذبها واكتشف الناس خداعها.
وثبت أن كلمات أغنية من شيرين عبد الوهاب كان لها وقع وتأثير على الناس أكثر من آلاف المحاضرات طوال ثلاثين عاماً من اتباع الوهابية، حتى قال الناس على سبيل السخرية المحزنة "إن الأمير نقل بلاده من فكر ابن عبد الوهاب إلى فكرة شيرين عبد الوهاب"، فضاعت الدولة والهيبة وحتى السمعة.