13 فبراير 2022
الوعي "العربي" الزائف
كل يوم يمر يثبت أن معركة "الربيع العربي" لم تكن مجرد إسقاط أنظمةٍ شاخت في مقاعدها السلطوية، وإنما معركة عقل ووعي، يقفان خلف هذه الأنظمة، ويمدّانها بأنبوب الاستبداد اللازمة لإبقائها على قيد الحياة. رأينا ذلك بوضوح في الحالة المصرية التي تبدو مثيرةً للتأمل والبحث والحيرة في الوقت نفسه، فأن ينجح شخص فارغ المعنى والمضمون، مثل الجنرال عبد الفتاح السيسي، ليس فقط في الاستيلاء على السلطة، بعد ثورة كبيرة كثورة الخامس والعشرين من يناير، بل وأن يستمر بها حتى اليوم، على الرغم من فشله الذريع، والذي تتضح معالمه كل يوم، فثمة أزمة حقيقية يعانيها الوعي الجمعي للمصريين، نخبا وشعباً. وأن تنقلب الثورة لدى قطاعاتٍ اجتماعيةٍ واسعة، قامت لأجل تحسين أوضاعهم بالأساس، إلى مجرد "مؤامرة"، وأن يتحوّل من شاركوا فيها، خصوصاً من شباب الثورة إلى "متآمرين" و"خونة" و"عملاء"، فثمة كارثة عقلية أصابت هذه القطاعات، فأفقدتها القدرة علي التمييز. وأن يتحول مثقفون وكتاب وباحثون، من مدافعين عن الحرية والديمقراطية في أثناء حكم مبارك إلي مؤيدين ومنظّرين ومبرّرين لسلوك الدكتاتورية العسكرية الحالية وأفعالها، فثمة لوثةٌ فكريةٌ أصابت هؤلاء، وجعلتهم يتقلبون وينقلبون من النقيض إلى النقيض.
لذا، ليس غريباً أن تجد الإعلام المصري، بكامل ألوانه وأطيافه، يعزف سيمفونيةً واحدةً مغلفةً في خطاب وصائي، لا يخلو من فجاجة، محذراً الجميع من الثورة أو الانتفاض مرة أخرى، وإلا ضاعت البلاد وتاه العباد. وكأن البلاد، بأوضاعها الراهنة، أفضل حالاً مما يمكن أن تصبح عليه لو سقطت الأنظمة الدكتاتورية. حينئذٍ، تتحول قطاعاتٌ شعبيةٌ كبيرةٌ، لكي تصبح جزءاً أصيلاً من الثورة المضادة، فتتولى الدفاع عنها، نيابة عن الدكتاتور، بل ويصل الأمر إلى أن تقوم بالهجوم على المخالفين له، حتى وإن كانوا من الأصدقاء والأقارب، فيما يشبه حالةً من التنويم المغناطيسي، أو "غسيل المخ"، قد حدثت لهم، فحولتهم مجرّد أداة طيعة في يد الحاكم وجهازه الإعلامي.
ينطبق الأمر كذلك على بعض النخب والقطاعات الشعبية في سورية وليبيا واليمن التي تقف مع الاستبداد، بأشكاله العسكرية والدينية، ضد محاولات التخلص من هيمنته، مبرّرة ذلك بكلماتٍ وعباراتٍ إنشائية كبيرة، لكنها غير ذات معنى، مثل "حماية الدولة" و"وقف الفوضى" و"العودة إلى الاستقرار"، في حين أن ما تقوم به هو ما يقوّض الدولة، ويزيد الفوضى وعدم الاستقرار. بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن يقدّم الاستبداد على الحرية، لا لشيء سوى نكاية في خصومه السياسيين، مثلما فعلت نخب كثيرة، علمانية أو مدنية، في مصر، انحازت للسلطوية العسكرية، هرباً من نظريتها الدينية. وتبهرك قدرة هؤلاء على تبرير فعلتهم، ومن دون أي شعور بالندم أو الخجل، في حين يستمر بعضهم في لعبة تزييف الوعي التي مارسها، ولا يزال، من أجل تبرير مواقفه وانحيازاته.
ما فعلته السلطوية العربية بالعقل الجمعي العربي جريمة مكتملة الأركان، لا تقل عن جرائم القتل والقمع والاختطاف، وذلك حين قلبت الموازين، وأوجدت قطاعاتٍ واسعةً تصطف إلى جانبها في معركة الذود عن سلطانها وامتيازاتها، بشعاراتٍ فارغة ومزيفة. لذا، ليس غريباً أن يترحم بعضهم على عصر السلطوية، باعتبارها كانت أرحم من الوضع الراهن، فتسمع في مصر من يقولون "ليتنا لم نخلع مبارك"، أو تجد آخرين، وإنْ أقلية، يترحّمون على أيام بن علي في تونس، ومثلهم في اليمن وليبيا، وربما قريباً في سورية.
من هنا، تبدو معركة تصحيح الوعي، وتنقيته من أمراض السلطوية، إحدى المعارك الضرورية لبناء ظهير شعبي حقيقي، ينحاز للتغيير، ولا يمكن تزييف وعيه بسهولةٍ، مثلما هي الحال الآن.
لذا، ليس غريباً أن تجد الإعلام المصري، بكامل ألوانه وأطيافه، يعزف سيمفونيةً واحدةً مغلفةً في خطاب وصائي، لا يخلو من فجاجة، محذراً الجميع من الثورة أو الانتفاض مرة أخرى، وإلا ضاعت البلاد وتاه العباد. وكأن البلاد، بأوضاعها الراهنة، أفضل حالاً مما يمكن أن تصبح عليه لو سقطت الأنظمة الدكتاتورية. حينئذٍ، تتحول قطاعاتٌ شعبيةٌ كبيرةٌ، لكي تصبح جزءاً أصيلاً من الثورة المضادة، فتتولى الدفاع عنها، نيابة عن الدكتاتور، بل ويصل الأمر إلى أن تقوم بالهجوم على المخالفين له، حتى وإن كانوا من الأصدقاء والأقارب، فيما يشبه حالةً من التنويم المغناطيسي، أو "غسيل المخ"، قد حدثت لهم، فحولتهم مجرّد أداة طيعة في يد الحاكم وجهازه الإعلامي.
ينطبق الأمر كذلك على بعض النخب والقطاعات الشعبية في سورية وليبيا واليمن التي تقف مع الاستبداد، بأشكاله العسكرية والدينية، ضد محاولات التخلص من هيمنته، مبرّرة ذلك بكلماتٍ وعباراتٍ إنشائية كبيرة، لكنها غير ذات معنى، مثل "حماية الدولة" و"وقف الفوضى" و"العودة إلى الاستقرار"، في حين أن ما تقوم به هو ما يقوّض الدولة، ويزيد الفوضى وعدم الاستقرار. بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن يقدّم الاستبداد على الحرية، لا لشيء سوى نكاية في خصومه السياسيين، مثلما فعلت نخب كثيرة، علمانية أو مدنية، في مصر، انحازت للسلطوية العسكرية، هرباً من نظريتها الدينية. وتبهرك قدرة هؤلاء على تبرير فعلتهم، ومن دون أي شعور بالندم أو الخجل، في حين يستمر بعضهم في لعبة تزييف الوعي التي مارسها، ولا يزال، من أجل تبرير مواقفه وانحيازاته.
ما فعلته السلطوية العربية بالعقل الجمعي العربي جريمة مكتملة الأركان، لا تقل عن جرائم القتل والقمع والاختطاف، وذلك حين قلبت الموازين، وأوجدت قطاعاتٍ واسعةً تصطف إلى جانبها في معركة الذود عن سلطانها وامتيازاتها، بشعاراتٍ فارغة ومزيفة. لذا، ليس غريباً أن يترحم بعضهم على عصر السلطوية، باعتبارها كانت أرحم من الوضع الراهن، فتسمع في مصر من يقولون "ليتنا لم نخلع مبارك"، أو تجد آخرين، وإنْ أقلية، يترحّمون على أيام بن علي في تونس، ومثلهم في اليمن وليبيا، وربما قريباً في سورية.
من هنا، تبدو معركة تصحيح الوعي، وتنقيته من أمراض السلطوية، إحدى المعارك الضرورية لبناء ظهير شعبي حقيقي، ينحاز للتغيير، ولا يمكن تزييف وعيه بسهولةٍ، مثلما هي الحال الآن.