في ظرف يومين فقط، وقعت في تونس ثلاثة حوادث سير، أدت إلى جرح العشرات وموت 13 شخصاً كلهم من عمال الزراعة البسطاء، أغلبهم نساء نذرن حياتهن للحقول والغابات، تغيب عنهن أبسط حقوق العمل اللائق، فيما يحصلن على أجر زهيد يعكس مدى استغلال هذه الفئة منذ عشرات السنين، من دون أن ينكبّ أحد على إنهاء معاناتهن بشكل جدّي، وكلهن من مناطق فقيرة ومهمشة لم تنل حقها من التأهيل. آخر الحوادث وقع بالقرب من القصرين، وكان المصابون من عائلة واحدة تجمعهم علاقات قرب ومصاهرة، يعملون على جمع الإكليل من جبال فوسانة، وهو مورد رزقهم الوحيد. وتقول تقارير إنهم اعتادوا الذهاب على متن الشاحنة ذاتها إلى الجبال، والعودة على متنها لعدم توفر وسائل نقل أخرى.
يوم المأساة التي وقعت في السبّالة من محافظة سيدي بوزيد، خرجت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ، نزيهة العبيدي، لتعلن أن "الحكومة لا تتحمّل مسؤولية الحادث"، محمّلة صاحب الشاحنة المسؤولية بالدرجة الأولى. وأكدت العبيدي في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، أن "الأطراف الحكومية قامت بواجبها تجاه المرأة الريفية عبر وضع الخطط وتنفيذها"، معتبرة أن النساء كنّ ضحية عدم مسؤولية سائق الشاحنة وتعمّده خرق قوانين النقل الآمن وجعلهن عرضة للخطر عبر الطرق الهشّة للنقل. هكذا انبرت الوزيرة في دفاعها عن الحكومة، دقائق بعد الموت الشنيع والكارثة التي أحزنت التونسيين جميعاً، همّها تحميل المسؤولية لأحد غير الحكومة، وكأن أحداً سيحاسب الحكومة أصلاً أو سيجعلها تدفع ثمن ذلك.
رئيس الحكومة نفسه يوسف الشاهد، ذهب أمس الأحد لتعزية الأهالي في منطقة البلاهدية، الذين طالبوه بتهيئة الطريق الرابط بين المنطقة والطريق الوطني، وتزويدهم بالماء الصالح للشرب وبناء مستوصف، بالإضافة إلى تخصيص حافلة لنقل التلاميذ والسكان إلى المؤسسات التربوية ووسط ولاية السبّالة. وإذا لم تكن هذه المطالب مسؤولية الحكومة الأساسية، فمسؤولية من إذاً؟
النقابات الأساسية المنضوية تحت لواء الاتحاد الجهوي للشغل في سيدي بوزيد، أعلنت تضامنها التامّ مع عائلات الضحايا، وقررت الدخول في إضراب احتجاجي ويوم غضب اليوم الإثنين. وطالبت النقابات في بيان لها، بضرورة اتخاذ حلول قانونية للوضعية الهشة لعاملات الفلاحة، وتوفير النقل المدرسي تفادياً لفواجع أخرى، وتحسين الوضع الصحّي المتردي، والعناية بالمؤسسات التربوية المهترئة، وهي كلها مطالب المناطق الفقيرة التي خرجت في الثورة، ولكن وزيرة المرأة تعتبر أنها مسؤولية السائق، كأن الحكومة وفّرت كل شيء.