الهرم المقلوب... خطة خنق تشلسي أمام سيتي غوارديولا

01 أكتوبر 2017
بيب حقق الفوز الأول له على حساب تشلسي (Getty)
+ الخط -
احتاج بيب غوارديولا إلى ثماني مباريات كاملة حتى يحقق الفوز الأول له على حساب تشلسي، بعيداً عن ركلات الجزاء والأهداف الإقصائية، بعد سلسلة طويلة من التعادلات والهزائم، على الرغم من صعوده التاريخي رفقة برشلونة إلى نهائي روما عام 2009، من قلب العاصمة الإنكليزية لندن، بفضل تسديدة إنيستا الشهيرة في مرمى بيتر تشيك. وسقط مانشستر سيتي مرتين أمام حامل اللقب بالموسم الماضي، بعد هزيمته ذهاباً وإياباً، ليعود أكثر قوة بالفترة الحالية، وينتزع الثلاث نقاط من ملعب غريمه، مع أداء مميز من مختلف اللاعبين، حتى انتهى كل شيء بكرة دي بروين التي اخترقت مرمى مواطنه كورتوا.

الهرم المقلوب
لعب مانشستر سيتي في بعض مبارياته هذا الموسم بهجوم كاسح، خصوصاً مع وجود ميندي وأغويرو في التشكيلة، ليوجد أوتاميندي وستونز في الخلف، بجوار والكر وميندي على الطرفين، رفقة فرناندينيو فقط بمحور الارتكاز، خلف كل من دي بروين وسيلفا بالعمق، وجيسوس وساني في الأجنحة، وأمام كل هؤلاء كون أغويرو في مركز رأس الحربة، إنها خطة قريبة من رسم 2-3-5 المعروف إعلامياً بشكل الهرم، نسبة إلى أول تكتيك عُرف في عالم كرة القدم مطلع القرن العشرين.

وبعد أن قلب كونتي الأجواء في إنكلترا بخطة 3-4-2-1، وجد الإيطالي نفسه في موقف صعب هذا الموسم، نتيجة صعوبة خلق التفوق النوعي خلف خطوط الضغط بهذه الطريقة، ليعاني أمام أكثر من فريق كتوتنهام وآرسنال وغيرهم، ما جعله يتحول سريعاً إلى ما يشبه 3-5-1-1 أو 3-5-2، بزيادة الكثافة العددية في خط المنتصف، والاعتماد على سرعة ومهارة الثنائي الهجومي بالأمام، نتيجة قوة هازارد وموراتا في هذا الجانب، كما فعل أمام أتليتكو مدريد في التشامبيونزليغ، وانتزع فوزاً مستحقاً بالدقيقة الأخيرة.

قلب أنطونيو خطة الهرم مع تشلسي، ليلعب برسم 5-3-2 أمام مانشستر سيتي، بملء الفراغات في منطقة المنتصف بأول ثلثين، في ظل تواجد رودريغير وكاهيل وكريستينسن أمام كورتوا، بينما حصل باكايوكو وكانتي وفابريغاس على دور لاعبي الارتكاز، بالإضافة لإغلاق الأطراف بالثنائي ألونسو وأزبليكويتا، ليلعب فقط بهازارد وموراتا في المساحات الهجومية. فيما قرر بيب اللعب على المضمون، بالرهان على خطة 4-1-4-1، مع وضع فابيان ديلف مكان ميندي المصاب، والاكتفاء بجيسوس في الأمام وخلفه ستيرلينغ وساني، من دون مساس بثلاثي الوسط، فرناندينيو ودي بروين ودافيد سيلفا.

صراع تكتيكي
استحقت هذه المباراة أن تكون قمة الأسبوع بلا منافس، فكونتي وغوارديولا ثنائي تكتيكي رفيع المستوى، يعتمدان على أسلوب البناء من الخلف، مع خلق الفراغ المطلوب في مناطق بعيدة عن الضغط، لكن لكل مدرب أسلوبه الخاص في ذلك، فالإيطالي يفضل الكرات الطولية للهروب من الرقابة، مع البناء من الخط الأول إلى الثلث الهجومي مباشرة، بينما يضع الإسباني اهتماما مضاعفا باللعب التموضعي في كافة أركان المستطيل الأخضر، حتى تصل الهجمة إلى مرمى المنافس بعد استخدام كل لاعبي الفريق، بما فيهم حارس المرمى ولاعبي الارتكاز.

فضل كونتي حماية منطقته بوضع باكويوكو وكانتي أمام ثلاثي الدفاع، مع صعود فابريغاس قليلاً للأمام، للاستفادة من الكرات الطولية التي يلعبها إلى هازارد. وفضّل تشلسي استخدام نفس أسلوب الموسم الماضي، برمي التمريرات بعيداً تجاه المهاجم، والذي يعيدها بدوره سريعاً للاعب الوسط المتقدم، ومع لمسات سريعة وخاطفة، يمكن صنع موقف 2 ضد 2 في العمق، أو 1 ضد 1 على الطرف، نظراً لمهارة هازارد وسرعة موراتا، مع تقدم ألونسو من دون رقابة، لكن هذا لم يحدث كثيراً بسبب وضع غوارديولا لثلاثة مدافعين أمام الحارس إيدرسون.

صحيح أن السيتي يلعب برباعي خلفي فقط، لكن كانت هناك تعليمات واضحة من الطاقم التقني للضيوف، بضرورة بقاء أحد الظهيرين في الخلف بجوار أوتاميندي وستونز، ليبقى والكر في حالة تقدم ديلف، ويعود فابيان إذا صعد زميله الآخر، وهكذا. لذلك خلال أول نصف ساعة حتى خروج موراتا مصاباً، سدد تشلسي فقط كرتين على المرمى، وصنع أصحاب الأرض فرصة يتيمة للتسجيل من الطرف، مع مجموعة من العرضيات البعيدة عن أماكن الخطورة.

أما ممثل مانشستر فكان الطرف الأفضل حتى قبل خروج موراتا، نتيجة التفوق النوعي والعددي في الوسط، بعودة دي بروين وسيلفا في مناطق قريبة من فرناندينيو، وحصار الثلاثي لثنائي ارتكاز تشلسي، مما أدى لعزل فابريغاس وابتعاده عن الكرة كثيراً، لتقل خيارات التمرير بينه وبين هازارد، فيما استخدم السيتي أجنحته بشكل مثالي، بالإبقاء على ساني يساراً، وميل دي بروين إلى اليمين بالتبادل مع ستيرلينغ، ليُجبر وسط الزرق على الخروج من العمق، والتحول إلى الطرف للتغطية والمساندة، ليتم فتح المنطقة 14، بين منطقة الجزاء وأسفل دائرة المنتصف، ليسدد الفريق 7 كرات من العمق على مرمى كورتوا، مع صناعة 6 فرص، معظمها أيضاً أمام ثلاثي الدفاع وخلف وسط تشلسي الذي فقد تركيزه، واضطر للتحول إلى الرواقين لمساندة الأظهرة الطالبة للدعم باستمرار.

تغيير سلبي
خرج الإسباني ألفارو موراتا مصاباً، وقرر كونتي الدفع بالبرازيلي ويليان مكانه، رغم أنه يملك ميشي باتشواي على الدكة، ليسلم المباراة بالكامل لمنافسه، ويعود إلى الدفاع فقط مع فقدان رفاهية المرتدات، لأن البديل يختلف عن الإسباني في كونه ليس مهاجما صريحا، ولا يجيد استلام الكرات تحت الضغط، مع ضعف واضح في الثنائيات وألعاب الهواء، لتصبح مهمة دفاع السيتي سهلة جدا في تضييق الخناق على هازارد، وتتضاعف فرص الفريق الضيف حتى لحظة تسجيل هدف الفوز.

احتفظ السيتي بالكرة في معظم الفترات، لم يفقد لاعبوه الاستحواذ أبداً، وفي حالة قطع الكرة منهم، يضغط الكل بشكل متناغم في نصف ملعب تشلسي، حتى تعود الهجمة من جديد إلى بدايتها. وتنوعت الهجمات بين العمق والأطراف، في ظل التفاهم الواضح بين سيلفا ودي بروين، فالأول يمرر كأنه صانع لعب صريح، بينما يتحرك الآخر في كل مكان، ونتيجة سرعة ستيرلينغ وساني، حصل زميلهم البلجيكي على الفرصة، واستلم الكرة في وضعية مماثلة للتسديد.

هاجم الفريق الآخر في مانشستر من كل الاتجاهات، باستخدام العرضيات والتمريرات القطرية والتسديدات من بعيد، مع صنع الخطورة من الكرات الثابتة والعرضيات، وكان بإمكانه مضاعفة النتيجة في أكثر من فرصة، لولا رعونة مهاجميه وتوفيق حارس تشلسي، حتى آخر ربع ساعة من القمة، لتنقلب الآية مع هجوم أصحاب الأرض للعودة، ودفاع الفريق المتقدم عن مرماه، أملاً في الحفاظ على النتيجة، وتصدر جدول المسابقة بالتبادل مع اليونايتد.

 نتيجة مستحقة
قرر غوارديولا الحفاظ على قوام فريقه، ليُخرج دافيد سيلفا ويُدخل البرتغالي برناردو سيلفا، ويعتبر لاعب موناكو السابق شبيه بالمايسترو الإسباني، في التمرير المثالي والتصرف بالكرة تحت ضغط، ليمتص حماس لاعبي تشلسي، ويجبرهم على ارتكاب المخالفات، ثم أشرك المدرب لاعبه الألماني إلكاي غاندوغان مكان ساني، ليتحول من 4-1-4-1 إلى 4-2-3-1، بوجود فرناندينيو وغاندوغان في محور الارتكاز، والاكتفاء بستيرلينغ ودي بروين وبرناردو خلف جيسوس، مع ثبات الظهيرين بالخلف من دون تقدم.

أما كونتي فحاول المغامرة بعد فوات الأوان، ليدفع بكل من بتشواي وبيدرو عوضاً عن باكايوكو وهازارد، ليكتفي المدرب بكانتي فقط في الارتكاز، ويدفع بأكثر من لاعب سريع في الهجوم، لكن لم يتغير الوضع في الدقائق الأخيرة، لأن حامل اللقب افتقد إلى تنظيم اللعب سواء من الثلث الأول أو الثاني، لتنعدم الفرص تقريباً بالثلث الهجومي الأخير، لدرجة أن تشلسي سدد فقط كرة يتيمة في آخر ربع ساعة، وصنع أيضاً فرصة واحدة، في دلالة على عدم جدوى الخطة والتبديلات بشكل شبه كلي.

استحق مانشستر سيتي الفوز والنقاط، فالفريق ظهر متماسكاً رغم الغيابات القوية، بعد تقديم ديلف لمستوى جيد في اليسار، وتكفل دي بروين بالتسجيل بدلاً من أغويرو، أما تشلسي فلا يزال مفتقداً إلى اللعب القاتل الذي جلب له الدوري بالموسم الماضي، فالفريق اللندني وصل إلى القمة مستخدماً عنصر المفاجأة، التي لم تعد ذات قيمة بالوقت الحالي، بعد حفظ معظم المنافسين لأسلوبه، وخنقهم للثنائية التهديفية بثلاثة مدافعين بالخلف، ويبقى الدوري في أوله، وكل سيناريوهات العودة متاحة أمام الجميع.
المساهمون