بينما كان المصريون في محافظة شمال سيناء منشغلين باستقبال شهر رمضان وسط ظروف جائحة كورونا، مع اكتشاف أولى حالات الإصابة بالفيروس في المحافظة، أول من أمس الخميس، كان تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، يحضّر لهجوم دموي يستهدف العسكريين المصريين في مدينة بئر العبد، إلى أن جاءت ساعة الصفر قبيل غروب شمس الخميس بدقائق، لتنفجر عبوة ناسفة في آلية تابعة للجيش قرب حاجز تفاحة جنوب المدينة. وقد أدّى الانفجار إلى مقتل عشرة عسكريين وإصابة أربعة آخرين، في أكبر عدد للضحايا خلال هجوم واحد، منذ أشهر عدة، ما استدعى خروج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، بتصريحات تعقب على الحادثة.
وفي تفاصيل الهجوم، قالت مصادر طبية عسكرية في سيناء لـ"العربي الجديد" إنّ عشرة عسكريين على الأقل قتلوا نتيجة تفجير عبوة ناسفة بآلية تابعة للجيش بمدينة بئر العبد، وإنّ من بين القتلى الضابط برتبة ملازم أول، عبد الحميد صبحي عبد الحميد، وضابط الصف شحاتة مصطفى، وثمانية مجندين، هم أحمد عبد الله، ومحمد عوض، أحمد حامد محمد، أحمد علي أحمد، محمد حسنين علي، محمود عادل، محمد عبد العزيز، وأبانوب عبد التواب بولس. أما المصابون، فهم أحمد الصعيدي، أحمد عزت علي، علاء عماد، وسمير وافي، وجميعهم تمّ نقلهم للعلاج بشكل عاجل خارج سيناء، نظراً إلى خطورة وضعهم الصحي، لإصابتهم بشكل مباشر بالتفجير.
وأوضحت المصادر ذاتها أنّ سيارات الإسعاف تأخّرت في الوصول إلى مكان التفجير، وفي نقل جثث الضحايا والمصابين إلى المستشفى العسكري، بسبب أنّ الهجوم وقع في منطقة تفاحة جنوب بئر العبد، وهي منطقة بعيدة نسبياً، ويحتاج الوصول إليها إلى وقت وتنسيق مسبق مع القوات المسلحة، خوفاً من وجود كمين لتنظيم "ولاية سيناء"، قد يعترض سيارات الإسعاف، أو أن يستهدفها بإطلاق النار. بالإضافة إلى توقيت وقوع الهجوم قبيل أذان المغرب، وقت انشغال الجميع بالإفطار وعدم توقّع حدوث هجوم دموي بهذا الشكل، وفي هذه المنطقة بالتحديد.
وفي وقت لاحق ليل الخميس، استقدم الجيش المصري حشوداً كبيرة من معسكراته في محافظة شمال سيناء إلى مدينة بئر العبد. وقالت مصادر قبلية وشهود عيان لـ"العربي الجديد" إنّ الجيش عزّز قواته في المدينة ومحيطها في أعقاب الهجوم الدموي، مستقدماً قوات من معسكرات مدينة العريش والقنطرة، مضيفةً أنّ استقدام الحشود العسكرية تزامن مع غارات جوية شنّها سلاح الجو المصري على أطراف بئر العبد، مستهدفاً نقاطاً يُعتقد أن عناصر من تنظيم "ولاية سيناء" كانوا يوجدون فيها.
وكان الجيش المصري قد أعلن، مساء الخميس، عن مقتل وإصابة عدد من قواته جراء انفجار استهدف مركبة مدرعة في مدينة بئر العبد شمال سيناء. وذكر المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، في بيان مقتضب: "انفجرت اليوم (الخميس) عبوة ناسفة بإحدى المركبات المدرعة جنوب مدينة بئر العبد نتج عنها استشهاد وإصابة ضابط وضابط صف و8 جنود"، مضيفاً: "تؤكد القوات المسلحة استمرار أعمالها القتالية ضدّ العناصر الإرهابية، للمحافظة على أمن الوطن واستقراره".
من جهته، ندّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالهجوم، وقال إنّ "قوى الشر لا تزال تحاول خطف هذا الوطن". وأضاف في تغريدة على "تويتر": "يد الغدر نالت من أبنائنا الأبطال جنوب مدينة بئر العبد"، مؤكداً أنّ مصر قادرة على تحطيم ما وصفها بـ"آمال تلك النفوس الخبيثة".
ويشار هنا إلى أنّ تنظيم "ولاية سيناء" حوّل مدينة بئر العبد في الأشهر الأخيرة إلى ميدان جديد لهجماته العسكرية ضدّ قوات الأمن المصرية والمتعاونين معها، بالإضافة إلى جبهات رفح والشيخ زويد ووسط سيناء، في حين جمّد هجماته في مدينة العريش، وذلك في أعقاب العملية العسكرية الشاملة التي أعلن عنها عام 2018. وتعددت هجمات التنظيم في بئر العبد بين استهداف مباشر لقوات الجيش أو اختطاف عناصرها على الطريق الدولي، بالإضافة إلى ملاحقة المتعاونين مع الأمن في مناطق المدينة كافة. وقد سجّل هجوم واحد في قلب المدينة استهدف مأمور قسم بئر العبد، إلا أنه لم يصب بأذى، فيما قتل مرافقه. ويسعى الجيش المصري والمخابرات الحربية إلى الاستعانة بالمتعاونين في سبيل مواجهة انتشار التنظيم في مدينة بئر العبد التي لطالما اعتبرت أكثر مناطق محافظة شمال سيناء هدوءاً على الصعيد الأمني طيلة سنوات الحرب على الإرهاب.
وفي التعقيب على الهجوم الأخير، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ تنظيم "ولاية سيناء" "ينفّذ تهديداته التي نشرها على مدار الأشهر الماضية بجعل مدينة بئر العبد هدفاً جديداً لهجماته ضدّ قوات الجيش المصري، في توقيت ومكان وطريقة صعبة، بحيث لا تتمكّن قوات الجيش من تفادي هذه الهجمات. علماً بأنّ الهجمات الأخيرة هي نسخ مكررة لهجمات كثيرة وقعت خلال السنوات الست الماضية، ما بين الهجوم على الكمائن أو تفجير الآليات أو قنص الجنود. وهذا ما شهدته بالفعل أخيراً مدن رفح، والشيخ زويد، وبئر العبد، بارتفاع أعداد القتلى نتيجة الهجمات، بعد هدوء نسبي ساد الجبهات خلال عام 2019". وأشار الباحث نفسه الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لوجوده في سيناء، إلى "مخاوف بشأن الحالة الأمنية في سيناء بالنظر إلى الوضع القائم حالياً، إذ لم يغيّر الجيش المصري من استراتيجيات التعامل مع التنظيم، فيما زاد الأخير من هجماته".
وأوضح الباحث أن توقيت الهجوم الأخير قبيل الإفطار "هو موعد مكرر من قبل التنظيم في سياق تنفيذه هجمات دموية بحق الجيش المصري، وهذا ما شهدته السنوات الماضية، بما فيها هجمات رفح الشهيرة التي أدّت إلى مقتل وإصابة عشرات المجندين عام 2012"، مضيفاً أنّ هجوم بئر العبد أتى كذلك "في الوقت الذي يعرض فيه المسلسل الدرامي (الاختيار)، الذي أنتجته إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، ويتحدث عن حياة الضابط أحمد منسي، الذي قتل في هجوم دموي للتنظيم على ارتكاز أمني جنوب رفح عام 2017".
وحسب الباحث نفسه، فإنّ "ولاية سيناء" من خلال هجومه الأخير "ربما يسعى إلى ضرب الصورة التي يحاول الجيش المصري رسمها لمقاتليه في أذهان الشعب، محاولاً إثارة الشكوك بأنّ الوضع على أرض الواقع قد يكون مغايراً لما جاء في المسلسل، وحقيقة أنّ التنظيم الذي لا تقارن قدراته بما يملك الجيش المصري يستطيع إيذاء الأخير بشكل مباشر ودائم".
وأشار إلى أنّ "الخسارة الكبيرة نسبياً تتضح أكثر من خلال بيان المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، والذي نادراً ما يتحدث عن خسائر للجيش نتيجة الهجمات بسيناء منذ سنوات. وكذلك الحال في تصريح الرئيس السيسي حول الهجوم. وهو ما يشير إلى أنّ الهجوم يحمل رسالةً، ربما تتعدّى السعي لتحقيق خسائر مادية أو بشرية في صفوف قوات الجيش، وبالتالي كان لزاماً على الدولة المصرية الردّ على الرسالة بمواقف رسمية عاجلة، لم تتأخر كثيراً بعد وقوع الهجوم. وهذا ما قد يُثير أيضاً المخاوف من تكرار الهجمات الدموية التي قد تحرج النظام المصري من جهة، ومن جهة أخرى، ربما تؤثر على معنويات الجيش، في ظلّ سعي الدولة من خلال الإعلام إلى رفع الروح المعنوية للمقاتل المصري في سيناء، وتشجيع العسكريين على الانتقال للعمل فيها".