ويأتي ذلك فيما توالت التصريحات والمواقف من قبل الدول الفاعلة في التحالف الدولي بشأن القرار الذي اتخذه البرلمان العراقي أخيراً الخاص بإخراج القوات الأجنبية من البلاد. وفي الإطار، عقد حلف شمال الأطلسي، أمس الاثنين، اجتماعاً استثنائياً على مستوى السفراء لمناقشة مستقبل مهمته التدريبية في العراق، فيما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في تصريحات للإذاعة الألمانية العامة "دويتشلاند فونك": "في العراق التزمنا إلى حد كبير، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل في المساعدة على إحلال الاستقرار ومن أجل إعادة إعمار هذا البلد وإقامة بنى تحتية"، محذّراً من أن "كل هذا سيضيع إذا تواصل تطور الوضع على هذا النحو".
من جهته، اتفق رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، مع نظيره العراقي عادل عبد المهدي، في اتصال هاتفي أمس الاثنين، على ضرورة تهدئة التوتر في المنطقة. وقال بيان لمكتب جونسون: "بحث الزعيمان ضرورة الحد من التوتر في المنطقة في أعقاب مقتل قاسم سليماني، واتفقا على العمل معاً على إيجاد سبيل دبلوماسي للمضي قدماً". وتابع البيان "أكد رئيس الوزراء التزام بلاده التام بدعم استقرار وسيادة العراق، كما أكد على أهمية مواصلة محاربة التهديد المشترك من جانب تنظيم داعش".
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فأعلن التزامه بمواصلة القتال ضدّ تنظيم "داعش"، بما في ذلك من خلال الوجود العسكري الفرنسي في الشرق الأوسط، وذلك خلال اجتماع حكومي أمس الاثنين، وفقاً للمتحدثة باسم الحكومة سيبيت ندياي.
ولليوم الثاني على التوالي، واصلت فصائل عراقية مسلحة، أمس، اجتماعات غير مسبوقة في بغداد، تقول إنها من أجل توحيد الموقف تجاه الردّ على اغتيال أبو مهدي المهندس، أحد المشاركين بتأسيس أغلب الفصائل العراقية بعد عام 2014 تحديداً، في إشارة إلى أنّ الردّ سيكون على اغتيال الأخير، وليس بأمر أو طلب إيراني كردّ على اغتيال قاسم سليماني.
هذه المباحثات التي تعدّ الأولى من نوعها، خصوصاً لناحية وجود "جيش المهدي"، و"لواء اليوم الموعود"، التابعين لمقتدى الصدر واللذين تم تجميدهما منذ عام 2007، وتمّت إعادة تفعيلهما بقرار من الصدر نفسه في بيان رسمي عقب الضربة الأميركية، يقابلها تحرك واسع من قبل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح، الأكثر تواصلاً مع الأميركيين في الوقت الحالي، وفقاً لمسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تحدّث لـ"العربي الجديد". وقال المسؤول رافضاً عدم الكشف عن هويته، إنّ الحكومة ورئاستي الجمهورية والبرلمان، تأخذ تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب على محمل الجد بشأن فرض عقوبات. وكان ترامب هدد الأحد بفرض عقوبات "شديدة" على العراق، إذا أُجبِرت القوات الأميركية على مغادرة أراضيه.
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإنّ تحركات الحكومة الحالية تهدف لتخفيف التصعيد في الشارع، وتحاول أيضاَ وقف رشقات صواريخ الكاتيوشا التي باتت شبه يومية، على قواعد تتواجد بها القوات الأميركية وكذلك المنطقة الخضراء، منذ الهجوم الأميركي الأسبوع الماضي. وكشف عن أنّ "الحكومة تعوّل حالياً على التصعيد الإجرائي بشأن إخراج القوات الأميركية، لتهدئة الفصائل العقائدية الأكثر تطرفاً ومطالبةً بالرد، خصوصاً أنّها من يطلق الكاتيوشا حالياً".
في الأثناء، كشفت فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران، عما وصفته بـ"مهلة محددة إلى الحكومة العراقية"، من أجل الإيفاء بقرارات البرلمان المتعلقة بإخراج القوات الأجنبية وعلى رأسها الأميركية من العراق، فيما أكّدت "استخدامها الردّ العسكري بعد انتهاء المهلة وعدم خروج تلك القوات".
وتأتي تلك الخطوات وسط تحذيرات من تحويل العراق إلى ساحة قتال عسكري بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، في حال ردّت الفصائل المدعومة من طهران على مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
من جهتها، بدت الأوساط السياسية العراقية منقسمة حول الموقف من قرار البرلمان الذي دعا الحكومة إلى إخراج القوات الأجنبية من البلاد، وما أعقب ذلك من تلويح أميركي بعقوبات على العراق تفوق تلك المفروضة على إيران.
وكشفت مصادر مقربة من فصائل عراقية مسلحة عدة، ضمن المحور الإيراني المعروف بـ"فصائل المقاومة الإسلامية"، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "الساعات المقبلة من نهار اليوم الثلاثاء، سوف تشهد اجتماعاً حاسماً ومهماً، يضم قادة فصائل عدة أبرزها كتائب حزب الله والنجباء والعصائب، وبدر، والبدلاء، والإمام علي، وسيد الشهداء، من أجل إكمال وتجهيز الإجراءات كافة المتعلقة بالردّ على اغتيال سليماني والمهندس".
وقال المتحدث الرسمي باسم حركة "أنصار الله الأوفياء"، إحدى أبرز المليشيات المرتبطة بشكل مباشر بإيران، عادل الكرعاوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، هناك أمران يجري العمل عليهما؛ الأول إخراج القوات الأميركية وكل قوات التحالف الدولي من العراق، بالطرق السياسية والدبلوماسية، والثاني أنه إذا لم تخرج تلك القوات بهذه الطريقة، فهنا سيأتي الردّ العسكري لإخراجها بالقوة".
وتابع أنّ "قرار مجلس النواب واضح، والحكومة العراقية وعدت بتطبيقه، وفي حال رفضت أميركا ذلك، فسوف تكون قوات محتلة، شرعاً وقانوناً، وهنا يأتي الدور المهم لفصائل المقاومة". وأكد الكرعاوي أنّ "قوات التحالف الدولي، متواجدة حالياً في العراق بغطاء قانوني، والآن رُفع هذا الغطاء، ويجب عليها المغادرة"، موضحاً أنّ "فصائل المقاومة العراقية، وضعت مدة زمنية لإخراج القوات الأجنبية من العراق، وهذا القرار تمّ إبلاغ رئيس الوزراء عادل عبد المهدي به، وتم تحديد المدة له. وخلاف ذلك سيكون الردّ العسكري حاضراً، وعبد المهدي وعد بأنه سيخرج تلك القوات وفق المدة المحددة من الفصائل".
وختم بالقول إنه "بعد دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لتشكيل مجلس للمقاومة الدولية، لبّت أغلب الفصائل الدعوة، وسوف يتم تشكيل ذلك المجلس قريباً، وفصائل المقاومة في اجتماعات مفتوحة يومياً".
بدوره، قال حاكم الزاملي، القيادي في التيار الصدري و"جيش المهدي"، الذي أعيدت له الحياة أخيراً وبدأ عملية تنظيم واسعة لصفوفه بما في ذلك تجهيز عسكري لعناصره، في اتصال مع "العربي الجديد"، إنه "سيكون هناك خطوات عملية للردّ على هذه الاعتداءات". وأوضح الزاملي أنّ "بداية هذه الخطوات، هي من خلال الحكومة والبرلمان، وننتظرهما الآن، وبعدها تأتي الخيارات العسكرية"، مؤكداً أنّ "كل خيارات الردّ على الولايات المتحدة متاحة للعراق، بما فيها العسكرية، فالعدوان الأميركي تجاوز كل الخطوط".
وأضاف القيادي في التيار الصدري أنه "سيكون هناك اجتماع قريب بين فصائل المقاومة العراقية، تلبية لنداء ودعوة الصدر من أجل التكاتف". وأكد أنّ "جيش المهدي ولواء اليوم الموعود (الأجنحة المسلحة للتيار الصدري)، لبت دعوة الصدر بالاستعداد والتهيّؤ لأي طارئ، وبدأت في التحرك والجهوزية من أجل الدفاع عن العراق".
غير أنّ الخبير في شؤون الجماعات العراقية المسلحة، محمد التميمي، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الفصائل الموالية لإيران، لا خيار أمامها غير الردّ العسكري على عملية اغتيال سليماني والمهندس، وهذا الردّ سيكون قريبا جداً، وفق المعطيات التي نراها على أرض الواقع، وتكشفها تصريحات قادة تلك الفصائل".
وأوضح التميمي أنّ "قتل سليماني والمهندس، وحّد الحلفاء أو المقربين من إيران في جبهة واحدة، لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية، وهذا الأمر ينطبق تماماً على العلاقة المستجدة بين الصدر والفصائل المسلحة المدعومة من طهران. فالغارة الأميركية، جمعت كل الخصوم في جبهة واحدة، من أجل تقوية تلك الجبهة".
وحذّر المحلل السياسي العراقي من أنّ "الردّ العسكري من قبل الفصائل الموالية لإيران باستهداف المصالح الأميركية، سيكون له تبعات خطيرة على مستقبل تلك الفصائل، إذ ستصبح جميعها أهدافاً مشروعة للولايات المتحدة، ومن الممكن أن تعمل على تصفية قادتها وعناصرها بالطريقة نفسها التي تمّت بها تصفية سليماني والمهندس". وأضاف أنه "من غير المستبعد قيام قوات أميركية خاصة بعملية إنزال جوي، لاعتقال قادة ورموز تلك الفصائل، فأي رد عسكري على واشنطن سيفتح باب جهنّم على الفصائل، وهي تعرف ذلك جيداً، ولهذا لا تريد الاستعجال بالرد".