بعد تراجع ملحوظ في عمليات الهجرة السرية عبر البحر الأبيض المتوسط، من السواحل الجزائرية إلى السواحل الإسبانية والإيطالية، منذ انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر في فبراير/شباط الماضي، بدأت تصدر تقارير رسمية تفيد بإحباط حرس السواحل في الجزائر محاولات للهجرة. وقد أعادت مأساة غرق قارب على متنه سبعة شبان لجأوا إلى الهجرة السرية في منطقة بومرداس بالقرب من العاصمة الجزائر، تسليط الضوء على هجرة شباب الجزائر السرية. وطُرحت أسئلة حول احتمال أن تكون مثل تلك المحاولة الأخيرة تعبيراً عن خيبة أمل كبيرة بين الشباب إزاء إمكانية حصول تغيير وتحقيق مطالبهم الاجتماعية والمعيشية.
وقبل انتشال جثث هؤلاء الشبان الأربعة عقب انقلاب قاربهم الصغير في عرض البحر، تمكّنت وحدات حرس السواحل الجزائرية من إنقاذ 14 شخصاً كانوا على متن قارب للهجرة السرية انطلق من شاطئ أولاد بونوة في بلدية رأس جنات الواقعة إلى شرق ولاية بومرداس شرقي الجزائر. كذلك أُحبِطت محاولة هجرة 50 شخصاً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع قبالة سواحل مناطق القالة وعنابة (شرق) ووهران (غرب). وبالتزامن، أوقفت وحدات الدرك 16 شاباً كانوا ينوون الهجرة سراً في اتجاه أوروبا، بعد فشلهم في مواصلة رحلتهم عقب ضرر طاول قاربهم بالإضافة إلى هيجان البحر. وهؤلاء كانوا قد انطلقوا من سواحل منطقة الشلف (غرب) ووجهتهم السواحل الإسبانية.
يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي خالد لونيس لـ"العربي الجديد" إنّ "الشباب في الجزائر يشعرون بالإحباط نتيجة غموض المشهدَين السياسي والاجتماعي، خصوصاً مع المؤشّرات إلى التفاف السلطة على مطالب الحراك الشعبي". يضيف أنّ "الغموض الذي يبرز في قرارات السلطة في الجزائر، يجعلنا أمام صورة مشوشة للمستقبل. وضبابية المشهد السياسي من شأنها أن تلقي بظلالها على الواقع المعيشي".
والهجرة السرية في الجزائر كانت قد "اتخذت أبعاداً مختلفة في خلال الأعوام الأخيرة"، بحسب ما يقول الباحث في علم الاجتماع عبد العالي طوبال. ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "العامل الاقتصادي هو أبرز عوامل هجرة الشباب نحو أوروبا. وركوبهم قوارب الموت كان يحرّكه همّهم لتحسين معيشتهم، خصوصاً العاطلين من العمل". ويؤكد طوبال أنّ "الأفق المحدود في الجزائر عموماً يدفع الشباب إلى تلك الهجرة السرية، في ظلّ فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تأتي بها الجزائر من أجل تقليص حجم البطالة البالغة نسبتها 35 في المائة، بحسب أرقام غير رسمية".
من جهتها، تقول الأستاذة في علم النفس الاجتماعي صورية بهناس لـ"العربي الجديد" إنّ "الشباب يظنّون أنّ الجنّة هناك في أوروبا. هذه هي الصورة المرسومة في أذهان الجزائريين العاطلين من العمل وفاقدي الأمل، وبالتالي فإنّ الخلاص يكمن هناك في تلك الجنّة الموعودة في أرض أوروبية". تضيف بهناس أنّ "كثيرين غامروا ووصلوا إلى أوروبا، غير أنّهم ظلّوا لسنوات طويلة من دون وثائق فيما تطاردهم الشرطة من مكان إلى آخر".
في السياق، يفيد تقرير أعدّته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بأنّه تمّ إحباط محاولات هجرة سرية قام بها 3109 مهاجرين سريين، من بينهم 186 امرأة و840 قاصراً. وهؤلاء حاولوا العبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط في عام 2017. وفي عام 2018، ارتفع عدد عمليات إحباط الهجرة السرية إلى نحو أربعة آلاف، فيما نجح أكثر من 17 ألف مهاجر سري في الوصول إلى الشواطئ الإيطالية والإسبانية. ويلفت تقرير الرابطة نفسه إلى وجود عشرات المفقودين الذين غرقوا في البحر ولم يعثر حراس السواحل على جثثهم.
وفي خلال النصف الأوّل من عام 2019، بلغت عمليات إحباط الهجرة غير السرية 21 عملية فقط، خصوصاً بعد انطلاق الحراك الشعبي، وهو بحسب عدد من متابعي هذا الملف، ومن بينهم بهناس، مؤشّر إلى "أمل الشباب في التغيير". وتتابع بهناس أنّ "الظروف السياسية والأمل الذي استعاده الجزائريون من بين الأسباب التي غيّرت نظرة الجزائري إلى واقعه وبالتالي إلى الهجرة". لكنّ التحذيرات تكثر في البلاد اليوم، من عودة العمليات المنظمة للهجرة السرية في الفترة المقبلة، خصوصاً مع تنامي عمليات الاتجار بالبشر وتهريبهم في مقابل مليارات الدولارات، بالإضافة إلى الأزمة التي تعرفها الجزائر منذ سبعة أشهر. فتلك الأزمة منعت من إتمام حلم التغيير وإطلاق مشاريع التنمية بعدما كانت قد انطلقت عمليات القضاء على الفساد.