حالُه حال غيره من اللاجئين، قرر أحمد قليج، وهو صحافي سوري كردي، الذهاب إلى أوروبا، بعدما غلب عليه اليأس والإحباط، وقد فقد الأمل باحتمال انتهاء الصراع في سورية قريباً. كان يريد البحث عن مكان أفضل. في البداية، لم تكن لديه أي رغبة بالهجرة. يقول لـ "العربي الجديد": "عندما خرجت من سورية، كنت على يقين أن بلادنا باتت جثة. في البداية، قررت العيش في دول الجوار لأكون قريباً من سورية، وتنقلت بين إقليم كردستان العراق وتركيا. لكنني كنت أشم رائحة الجثث في كل مكان، وأدركت أنه يجب البحث عن مكان آخر علني أستطيع استئناف حياتي مجدداً".
حسم قليج خياره وجهز أكياس النوم وما إلى ذلك من مستلزمات الرحلة. انتقل مع مجموعة من الأصدقاء إلى مدينة إزمير التركية للبحث عن مهرب ينقلهم إلى الضفة الأخرى من بحر إيجه. يقول: "حين وصلنا إلى إزمير، صدمنا بالواقع. كان السوريون في كل مكان، في الحدائق والشوارع والفنادق. بدأنا بالتفاوض مع المهربين حول الأسعار وعدد الركاب الذين سيكونون معنا في القارب المطاطي الذي يطلق عليه اسم البلم. وبعد نقاش دام أياماً، اتفقنا على ألا يتجاوز عدد ركاب البلم الـ 38 شخصاً".
ويشير قليج إلى أن الأكراد السوريين يشكلون غالبية الوسطاء الأوائل في العملية، بالإضافة إلى عدد من السوريين من إدلب وحلب وباقي المحافظات. يقول: "نقلنا بالسيارات إلى نقطة تبعد نحو عشرة كيلومترات عن مدينة إزمير". يضيف: "حين وصلنا، كان هناك نحو مائة شخص. انتهى دور المهرب السوري وبدأ دور المهرب التركي. وضعنا جميعاً في شاحنة كبيرة مغطاة. وبعد ست ساعات، انتقلنا إلى سواحل أكجاكالي في نقطة مقابلة لجزيرة ميتيليني اليونانية، لنكتشف أن هناك مائة شخص آخرين ينتظرون هناك".
لم يمض وقت طويل حتى أحضر المهربون أربعة قوارب مطاطية، وقد قسمنا إلى أربع مجموعات، كل واحدة تتكون من خمسين شخصاً. بدا واضحاً أن ثلاث منها جيدة فقط. وبعد جدال طويل مع المهربين انطلقنا، إلا أن المحرك توقف بعدما سرنا نحو مائة متر، ثم بدأت المياه تتسرب إليه، فتوقفنا. يضيف: "عدنا إلى الشاطئ. وتحت الضغط، اضطر المهربون إلى تغيير القارب، لننطلق مجدداً الساعة التاسعة صباحاً. وقبل أن ندخل إلى المياه الإقليمية اليونانية، ظهر أشخاص ملثمون أفرغوا المحرك من البنزين، ومزقوا أجزاء من القارب".
يتابع قليج: "لا أنسى صراخ النساء ووجوه الأطفال. صار الجميع يطلبون مني ابلاغ خفر السواحل التركية بالمجيء لإنقاذنا. تواصلتُ مع مجموعة إنقاذ السورية. وبعد عشرين دقيقة، وصل خفر السواحل التركي. وأخبرني أحد الضباط الأتراك أنهم كانوا يراقبوننا. ولأنهم متعاطفون معنا، رفضوا التدخل". يتابع أنه تواصل مع مهرب آخر يدعى أبو حنش، وهو كردي من عفرين. "طلب منا ارتداء ملابس كالسياح، والمجيء إلى مدينة بودروم التركية على سواحل بحر إيجه. دخلنا إلى أحد الفنادق وحجزنا غرفاً بنحو 50 ليرة تركية (نحو ثلاثين دولاراً)".
من بودروم، توجهوا إلى نقطة قريبة من جزيرة كوس اليونانية. وبعدما ترجلوا من السيارات، وبدأوا السير إلى جانب المهرب في الغابات لنحو خمس ساعات في الليل، وصلوا إلى النقطة المطلوبة والمقابلة لجزيرة كوس اليونانية. أنقذتهم سفينة إيطالية، بعدما رفضت سلطات الجزيرة منحهم أوراق اللجوء الاعتيادية، حتى أنها قررت طردهم بعدما مكثوا فيها نحو ثمانية أيام. كان السوريون ينامون في الشوارع وعلى كراتين أو في الحدائق.
غادر قليج والمجموعة التي معه إلى أثينا، ومنها إلى منطقة سالونيك القريبة من مقدونيا. تعرفوا على مهرب من إدلب يطلق على نفسه اسم لورانس. أمن لهم سيارات لنقلهم إلى الحدود المقدونية، محذراً إياهم من وجود عصابات. يقول: "مشينا نحو ساعتين قبل أن نصل إلى إحدى محطات القطار على الحدود المقدونية، ثم ركبنا القطار نحو الحدود الصربية".
بعدها، منعوا من قبل الشرطة الصربية من تجاوز الحدود، ما اضطرهم إلى السير في الغابات والحقول لمدة ثلاث ساعات. يضيف قليج: "في صربيا ومقدونيا والمجر، تستطيع أن تفعل أي شيء من خلال دفع الرشاوى. مثلاً في صربيا، كان هناك أعداد كبيرة بانتظار ورقة اللجوء الصربي التي تتيح للاجئ حرية الحركة في البلاد. انتظرت يومين في الشارع قبل الحصول عليها، فيما دفع آخرون نحو ستين دولاراً وحصلوا عليها خلال نصف ساعة".
في بلغراد، التقى قليج بأربعة شبان سوريين. ركبوا القطار بعد دفع رشوة للشرطة الصربية نحو مدينة سبوتيكا. هناك، عرض عليهم سائقو سيارات الأجرة نقلهم إلى نقطة قريبة من الحدود المجرية في مقابل بدل مادي. يقول: "يتعاون الجميع على نهب اللاجئ، وخصوصاً في صربيا والمجر".
بعد ذلك، توجهت المجموعة إلى المجر سيراً. واعتقلوا هناك ورحّلوا إلى العاصمة بودابست. بعدها استقلوا القطار إلى ميونيخ جنوب ألمانيا، حيث اعتقلتهم الشرطة الألمانية، بعد رحلة استمرت عشرين يوماً.
اقرأ أيضاً: تهريب البشر.. استغلال للمهاجرين في بودابست